زين الزين (تعليقات قناة اليوتيوب): من أين يخرج الإمام روحي فداه؟ فلقد استمعت الى محاضرة لكم وانتم تقولون بأن خروجه عليه السلام يتم من مكة المكرمة والحجاز بشكل عام، ولكني استمعت الى أحدهم وهو يقول أن خروج الإمام وقيامه سيكون إما من كربلاء أو مسجد السهلة في الكوفة.
الجواب: سبق أن نبهت مراراً على نقطة منهجية للتعامل مع قضايا الإمام روحي فداه، فكما هو معلوم أن هذه القضية هي قضية مستقبلية، وما دام أنها من المستقبل، فالحديث عنها يرتبط بعالم لا نحيط بها إلا من خلال عالم الغيب وبواباته، وقد شاء الله أن يحيط خاصة أوليائه من أنبياء وأولياء ببعض من هذا العلم، كل بحسب مقامه ودرجة اصطفائه، وكوننا ننتمي إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام فإننا نؤمن بأن الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله قد أحاط بكل علم أتاحه الله تعالى لخلقه، وبدوره نقل هذا العلم الى أئمة أهل البيت عليهم السلام واحداً من بعد الآخر حتى انتهى الأمر لإمام زماننا صلوات الله عليه ولنا في ذلك أدلتنا القرآنية والروائية الحاسمة التي نتيقن من خلالها بهذا الأمر، وقد تحدث هؤلاء الأئمة بكل ما أرادوا أن يتيحوه للأمة بشأن الإمام المنتظر عليه السلام وأحوال العوالم المرتبطة به سواء تلك العوالم التي تتعلق بفترة ما قبل ظهوره صلوات الله عليه، أو بما بعد سيجري بعد ظهوره الشريف فضلاً عن فترة الظهور المبارك نفسه، وبالتالي فإن سبيل العلم إلى عالم الإمام المنتظر في مجال هذه العلوم يجب أن يبقى منحصراً بما أخبرونا به بطريقة وأخرى من طرق إخبارهم سواء من خلال حديثهم المباشر أو من خلال الدلالات التي نستفيدها من حديثهم، وأي معلومة لا تأتينا من خارج هذا المحيط يجب أن نحتاط منها ولا نتكل عليها في تنظيم دائرة معارفنا عنه روحي وارواح العالمين له الفدا بل ولا نقبل بها كائناً من كان الذي يتحدث عن ذلك، مع التنويه أن بعضاً من الحديث الذي يأتينا من طريق العامة وهو منسوب لهم او لأحد أصحابهم، مما لا يمكننا أن نطمئن إلى وروده عنهم، فليس لنا أن ننفيه عنهم، كما لا يمكننا أن نعتمد عليه إلا بوجود الشاهد عليه من روايتهم التي تصلنا من الطرق المعتمدة في هذا المجال، او ما صدّقه الواقع بنمط من أنماط التصديق، ولكل من هذا الأمر تفاصيل ومناقشات تطلب في المباحث المختصة في هذا المجال.
وبناء على ذلك فإن الملاك في الحديث عن محل قيام الإمام بأبي وأمي هو ما تحدثت به الروايات نفسها وليس أي شيء آخر، نعم ربما تتحدث بعض الروايات عن مراتب زمانية او مكانية مختلفة كمن يتحدث عن مسيره من بغداد للبصرة في اليوم الفلاني، ثم يتحدث عن مسيره للديوانية، ثم يتحدث عن مسيره من ذي قار، فإن هذا الحديث لا يخرج عن أن هذا المسير في أصله هو واحد، ولكن المتحدث تحدث عن تقطيعه، ولهذا نطلق على كل المسير بأنه خروج من بغداد الى البصرة وبقية الأمور مجرد تفاصيل في هذا المسير.
ومع أن الروايات لا تتحدث بشكل دقيق عن محل ظهور الإمام روحي فداه، ولكنها تتحدث عن محل خروجه بشكل دقيق، وواضح لديكم أن الظهور غير الخروج وهو يجري قبل الخروج الذي يعني إعلان قيام الثورة المهدوية المباركة، ومع أن روايات عدة تشير إلى تحركات للإمام بأبي وأمي قبل الخروج ما بين مكة والمدينة، غير أنها لا تشخّص بالدقة محل الإمام عليه السلام إبّان إفصاح الصيحة الجبرائيلية المباركة عن إمامته والتي تحصل في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان أي في ليلة القدر الكبرى، ولذلك لا سبيل لنا للتحدث عن محل الظهور غير أن الحديث عن الخروج والقيام جرى تحديده بالدقة والتفاصيل من قبل الروايات لأنه حركة اجتماعية وعسكرية وامنية معلنة، ولابد لحركة من هذا القبيل ان يكون لها انطلاقة من ارض محددة، وقد تواترت الروايات وبالفاظ كثيرة على أن بدء الحراك المهدوي إنما يكون في مكة المكرمة، وفيها يعلن أول بيان للثورة المهدوية المباركة، بعد أن يجتمع إليه أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر فيبايعونه فيها، وقد تحدثت الروايات عن أوائل أعماله بأبي وأمي بعد إعلانه الثورة المباركة في مكة المباركة بالصورة التي نراها في رواية ابي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل جاء في بعضه: فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهرا، وورائها شهرا، وعن يمينها شهرا، وعن يسارها شهرا، ثم قال: يا أبا محمد، إنه يخرج موتورا غضبان أسفا لغضب الله على هذا الخلق، يكون عليه قميص رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرعه درع رسول الله صلى الله عليه وآله السابغة، وسيفه سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجا، فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه: هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، ولا يخرج القائم عليه السلام حتى يقرأ كتابان، كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة، بالبراءة من علي عليه السلام. (غيبة النعماني: ٣٢٠-٣٢١ ب٢٠ ح٢).
ومن الواضح أن بني شيبة يراد بهم المتصرفين بأمر بيت الله الحرام، وقريش حكام مكة المكرمة، اما الحديث عن كتاب البراءة في البصرة وفي الكوفة من علي عليه السلام، فالمراد منه في أغلب الظن موقف المنحرفين من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، والظاهر ان المقصود هو البراءة العملية نتيجة اعمال السوء والشر التي يحيقونها بشيعته وبشرعته.
وقد اشارت الروايات أيضا إلى أحداث له روحي فداه في المدينة المنورة من جملتها سيكون فتحه لملف الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها، ولا يكون ذلك إلا بعد سيطرته عليها.
أما حديث الروايات عن نشر رايته في النجف كما في حديث أبي حمزة الثمالي، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا ثابت، كأني بقائم أهل بيتي قد أشرف على نجفكم هذا - وأومأ بيده إلى ناحية الكوفة - فإذا هو أشرف على نجفكم نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا هو نشرها .. الخ .(غيبة النعماني: ٣٢١ ب٢٠ ح٣). فهو لا يعبر عن بدء القيام، وانما هو عمل لاحق لما يجري في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولربما هذه الرواية وغيرها هي التي اوهمت من توهم فقال بأن بدء القيام يكون من الكوفة او من كربلاء، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلاته وسلامه على رسوله وآله أبداً.