السؤال: (من قناة التلگرام): سماحة الشيخ ذكر في الروايات الشريفة أنّ الفرج تأخر الى زمن الإمام الحسين ع وبسبب قتل الامة لسبط النبي ص وسيد شباب اهل الجنة ، أخره الله الى زمن الإمام الصادق ع وبسبب كشف الشيعة للسر أخره الى غير ميعاد ..
فالسؤال ما هو هذا السر الذي كشفه الشيعة؟ وهل دراستنا لعلامات الظهور وتحليلها هو كشف سر ال محمد (صلوات الله عليهم)؟
الجواب: المعنى الذي أشرتم اليه ورد في شأنه روايات عديدة، منها ما رواه الشيخ الكليني (أعلى الله مقامه) بسنده لأبي حمزة الثمالي قوله: قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: يا ثابت إنّ الله تبارك وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين (صلوات الله عليه) اشتدّ غضب الله تعالى على أهل الأرض، فأخّره إلى أربعين و ومائة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. قال أبو حمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: قد كان كذلك. (الكافي ١: ٣٦٨ ح١)
وقريبا منه ما ذكر الشيخ الطوسي (قدس سره): عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّ علياً (عليه السلام) كان يقول: " إلى السبعين بلاء " وكان يقول: " بعد البلاء رخاء " وقد مضت السبعون ولم نر رخاء!. فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا ثابت إنّ الله تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين، فلما قتل الحسين (عليه السلام) اشتدّ غضب الله على أهل الأرض، فأخّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السر، فأخّره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً، و(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب). قال أبو حمزة: وقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: قد كان ذاك..(غيبة الطوسي: ٤٤٨ ح٤١٧)
ورى الشيخ النعماني (قدّست أسراره) مثيلاً لمعناه عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:" قلت له: ما لهذا الأمر أمد ينتهي إليه ويريح أبداننا؟ قال: بلى، ولكنكم أذعتم فأخّره الله " (غيبة النعماني: ٢٩٧ ب١٦ ح١)
وورد أيضاً عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) وعدوا سنة السبعين فلما قتل الحسين (عليه السلام) غضب الله (عزّ وجلّ) على أهل الأرض فأضعف عليهم العذاب وإنّ أمرنا كان قد دنى فأذعتموه فاخّره الله (عزّ وجلّ) ليس لكم سر وليس لكم حديث إلا وهو في يد عدوكم، إن شيعة بني فلان طلبوا أمراً فكتموه حتى نالوه، وأمّا أنتم فليس لكم سر. (مختصر بصائر الدرجات: ٣٠٣).
ولفهمه بشكل موضوعي نقول أنّ الأئمّة (عليهم السلام) لم يكشفوا لشيعتهم أيّ سر يتعلّق بالمواقيت، اي أنّهم لم يسبق لهم ان تحدّثوا عن أن اليوم الفلاني في السنة الفلانية سيتحقق الأمر الفلاني، بحيث أنّ الشيعة أفشوا ذلك، فتسبب ذلك بتأخيره لأنّ السلطات الجائرة قمعت ذلك في أصله، ولذلك علينا أن ننظر الى الأمر بطريقة بعيدة عن التوقيت بالمعنى الذي أشرنا إليه.
وما يمكن التنويه إليه في هذا الصدد، هل أن الشيعة التزموا بعدم افشاء تعلّقهم بالامامة السياسية للأئمة (عليهم السلام)؟ في الوقت الذي كان الأئمة (عليهم السلام) قد اتخذوا قراراً بالنأي عن الأمر ريثما ترقى الأمة إلى مؤهلات أعلى وقابليات أفضل مما كان عليه الأمر في زمن الإمام الحسين (عليه السلام)، وهل أوجدوا في القوى الظالمة أموية كانت أم عباسية مخاوف تغلّب مسار التشيع على الحراك العام للناس، مما دفعهم للتشديد على الأئمة أنفسهم وجعلهم يتوجسون خيفة فجعلوهم تحت منظار المراقبة الأمنية؟ وقمعوا كل ما بدا لهم ضرورياً لتبديد مخاوفهم؟
من الواضح أنّ حراك بني الحسن من بعد حراك الشهيد زيد بن عليّ قد فعل ذلك، مع أن الإمام الصادق (عليه السلام) قد حذرهم ولكنهم لم يفعلوا مما جعل السلطتين الغاشمتين تتشدد في تقطيع أوصال المجتمع الشيعي وإرباك نظمه، بالطريقة التي فوتت الفرصة عليهم للقيام بشكل يتناسب مع ظروف تلك المرحلة، ولهذا تجد سعي بني العباس المتتالي لجس نبض حراك الإمام الصادق (عليه السلام) من خلال تحريك ابي مسلم الخراساني قائد ثورتهم لاستمالة الإمام وطرد الإمام إيّاه أو من يرسله من طرفه واصراره للتحدث عن ذلك علناً أمام الحضور وفيهم من كان في موضع نقل الخبر للعباسيين، كما يترآى لنا ذلك في قول لمرسول ابي مسلم بان يخرج فلا جواب له عند الإمام (عليه السلام).
وأحسب أنّ الإمام (عليه السلام) أراد بمثل هذا القول الذي شاع بين الأصحاب أن يتعاملوا بمسؤولية موضوعية مع مثل هذه القضايا، وعدم الاكتفاء بالعلاقات الوجدانية او التي يتم التعامل فيها مع الأمور الخطيرة بسذاجة او طيبة، فالعدو غاشم، وأمر الإمامة جسيم، وتجربة من سبق من الأئمة (عليهم السلام) حاضرة.
وعلى هذا فقس.
بطبيعة روايات اخرى اشير الى ان افشاء السر يعود الى الحديث عن تفاصيل مقامات الإمامة والإمام في ظرف اجتماعي وسياسي وعقائدي محتقن بجهل كبير، مما كان يتسبب بتأليب الناس والحكام على الامام عليه السلام وعلى شيعته، وهذا التأليب كان هو الآخر يتسبب بإخراج النظم العام لشيعتهم عن حدود السيطرة والانضباط.
أما الحديث عن علامات الظهور وتفسيرها فهو شأن آخر وقضية أخرى، فلو كانت هذه العلامات مما يدخل في هذا الشأن فلماذا تحدث بها نفس الأئمة، بل لماذا أكثروا من التحدّث عنها؟
ومن السذاجة المفرطة التصور أن تفكيك هذه العلامات وتفسيرها سيؤدي إلى ذلك، وكأن قابلية التفسير منحصرة بنا دون عدونا، إذ من الواضح أنّ إمكانية التفسير لنصوص وردت قبل اثني عشر قرناً متاحة لكل من يقرأها ويطالعها، بل هي قيلت من أجل أن تفسّر، ولكن قسم من تفسيرها الذي يجعلها على محك الواقع على الأقل يرتبط بزمن سيكون فيه أمر الأئمة (عليهم السلام) لا سيما خاتمهم (صلوات الله عليه) بمنأى من أي خطر، وسيكون التشيع هو الآخر عصيّاً على أعدائه، وسيكون الأعداء بوضع أصعب من أن يتمكنوا فيه من الوقوف أمام المد، وإلا كيف تفسر الصيحة الجبرائيلية التي ستعلن للعالم كله ظهور الإمام بأبي وأمي؟ مع العلم انّ الظهور لا يعني القيام والخروج براية الجهاد، ولكن من المقطوع به ان وضع المجتمع يومذاك فيه قابليات المنعة والصون للإمام صلوات الله عليه بحيث لا يخشى من أي أثر يترتب على هذا الإعلان عند العدو.
على اي حال مثل هذه الأمور ظرفية، أي أن ما يصلح بعضها في زمان قد لا يصلح في زمان آخر، وما يستساغ في مكان قد يستبشع في مكان غيره.