عاشقة الامل (منتظرات٤) : هاجم الجراد الحرم المكي بالسعودية، هل هو اية من الله ام امر طبيعي؟، هل هو من نفس ايات الله التي بعثها للامم السابقة ام هو امر عادي؟
الجواب: ما تابعناه عبر وسائل التواصل الاجتماعي في يوم ٨/ ١/ ٢٠١٩ من انتشار حشرة الجدجد او صرصار الليل في ارجاء واسعة من مكة المكرمة لا سيما في محيط الحرم المكي الشريف، لا يمثل ظاهرة معتادة من حيث التوقيت ولا من حيث الكم الهائل الذي تجمع في منطقة محددة، اذ ان الشهر الاول من السنة لا يمثل وقتا طبيعيا للتوليد، كما ان هذا العدد الهائل هو الاخر لا يمثل ظاهرة معتادة، بالاضافة الى ان المكان نفسه ليس مكاناً مألوفاً لهذا النمط من تكاثف وجود الحشرة، ومع اننا نسمع بين الفينة والاخرى هجوماً لاسراب مليونية من الجراد، غير اني لم ألمس من خلال متابعة سريعة لما يتعلق بهذا النوع من الحشرات تواجدها على شكل اسراب مليونية كهذه التي نرى، وأياً ما يكن فإن اقل ما يقال عن ذك اننا نرى مشهداً نادراً من المشاهد التي مرت على أجيال عديدة.
على المستوى العلمي، فإن هذه الظاهرة ليست خارجة عن نطاق التفسير، اي اننا لا نستطيع تصنيفها بالمعجزة كما قد يعمد الى هذا الوصف بعض المتحمسين، ولكنها هي بنفسها ظاهرة مثيرة لنفس علماء الاحياء والتي قد يسمونها بظاهرة الفورة والتي تتشكل بسبب ظروف بيئية خاصة تلعب الحرارة والرياح عناصرها الاساسية، ومن الواضح ان التقلبات المناخية غير المالوفة في مناطقنا يمكن ان تطلق العنان لمثل هذه الظاهرة، فلقد مرت المنطقة ولا زالت بمنخفضات جوية ادت الى ظواهر من المطر والثلج والاعاصير وغيرها مما يمكن عدها بمجموعها بأنها لا تنسجم مع طبيعة المنطقة في الوقت الذي حصلت فيه، ولو اضفنا الى كل ذلك هذا النشاط الزلزالي غير المألوف في الخطين الزلزاليين المارين في المنطقة واعني خط زاكروس والخط العربي، فإن الصورة التي تتشكل تمثل لوحة من النادر حصولها تاريخياً، وهذا ما يجب ان يلفت انتباهنا، لان مثل هذه الاحداث بطبيعتها لن تتوقف على هذا المقدار وانما ستفرز انماطاً جديدة لظواهر غير مألوفة أيضاً.
من الناحية التاريخية يتحدث القران الكريم عن صورة مقاربة حصلت في محيط جغرافي هو نفس المحيط الذي نحيا فيه، ولكنه قدم هذه الصورة بعنوانها انذارا للظالمين فقال جل وعلا في محكم كتابه المجيد وهو يتحدث عن قوم فرعون: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ } [الأعراف: ١٣٣] وفي الروايات يشار الى ان اسراب الجراد والقمل والضفادع كانت مليونية بالطريقة التي اصابت قوم فرعون بالجزع لكثرتها وتداخلها معهم في كل اكلهم وشربهم ومنامهم ومجالسهم، كما يمكن ان نرى نفس الظاهرة مع قصة الطير الابابيل المشار اليها في قصة أصحاب الفيل: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل} ومع ان التوجه العام اعتبار ذلك معجزة، الا ان هذه الظواهر بحد ذاتها تتم وفق سياقات طبيعية، غير انها حينما تستهدف منطقة معينة دون سواها هو الذي يجب ان ينبهنا لموضوع الانذار الالهي، فمع ان هذه الظواهر بحد ذاتها ليست خارقة للعادة، وانما يمكن للنظام الكوني ان يفرز مثلها، ولكن التوظيف القراني هو الذي يجب ان يجلب انتباهنا، اذ ان هذه الظواهر هي في الاصل ممسوكة بالحكمة الالهية، ومثلها الزلازل والطوفان والبراكين وغيرها تم استخدامها للانذار الالهي، فكان منها ما جرى مع قوم نوح ولوط واصحاب الايكة وقوم عاد وثمود ونظرائهم، فكلهم اهلكوا بهذه الظواهر الطبيعية، لذلك يجب ان لا نغفل الى الارادة الربانية في توجيه مثل هذه الامور.
ومن المثير ان الظاهرة هذه المرة هي الصراصر الليلية ولعلي لا افارق الدقة لو قلت بانها نادرة جداً على المستوى التاريخي، فقد اعتادت هذه المناطق على اسراب الجراد، ولكنها لم تعتد على أسراب الجدجد ويتأكد الامر مع هذا الوقت من السنة، كما انه يجدر بنا ملاحظة ان هذه الحشرات هي حشرات قافزة وليست طائرة، وحيث ان موطنها المعتاد هو افريقيا، ولذلك فانها غير قابلة للسفر بهذه المجاميع من موطنها الاصلي الا عبر الرياح، وهو نفس العامل الذي يحرك الجراد من مواطنها المعتادة، والكلام هنا هو لماذا اختيار مكة بالذات للهبوط، ولم يتم الابلاغ عن اي منطقة سابقة عليها، اذ ان الجراد يبلغ عن رؤيته في اماكن كثيرة قبل وصوله الى المنطقة اللاحقة، ولكن الاخبار المتعلقة بهذه الحشرة لم تعلن الا حين افتراشها الحرم المكي وما يحيط به، ومثل هذه الحالة يجب ان تجتذب المهتمين بحركة الابتلاءات الربانية.
يبقى ان نتساءل هل لهذا الامر علاقة بعلامات الظهور الشريف ام لا؟
ومع ان الروايات لم يرد فيها ذكر لصرصار الليل بنفسه، الا ان الروايات اشارت اولا الى التغيرات المناخية التي ستسم المنطقة، وهي باشارتها هذه يجب علينا ان نتوقع ما تفرزه هذه المتغيرات وهذه من جملة افرازات هذه المتغيرات ولا ريب، ومع ذلك فإن الروايات أشارت بوضوح الى هجمات الجراد مع التأكيد على ان هذه الهجمات ستكون في حينها المعتاد وهو منتصف الربيع تقريبا، وفي غير حينها كالشتاء مثلاً اذ روى الشيخ النعماني قدس سره بسنده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه انه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): بين يدي القائم موت أحمر، وموت أبيض، وجراد في حينه، وجراد في غير حينه، أحمر كالدم، فأما الموت الأحمر فبالسيف، وأما الموت الأبيض فالطاعون. (غيبة النعماني: ٢٨٤ ب١٤ ح٦١).
ونقل الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه نفس الخبر ولفظه: بين يدي القائم موت أحمر، وموت أبيض، وجراد في حينه، وجراد في غير حينه، أحمر كألوان الدم فأما الموت الأحمر فالسيف، وأما الموت الأبيض فالطاعون (غيبة الشيخ الطوسي: ٤٥٨ح٤٣٠).
واحسب ان هذا النوع من الصراصير ربما يحسب على الجراد اكثر من حسابه على فصيلة الصراصير، وذلك لبنيته المقاربة، ولحركة قفزاته، بينما الصراصير المعتادة هي حشرات طائرة ولا تتسم بحركة القفز، ولذلك اعتقد انها مشمولة بالرواية اعلاه.
وعليه فالحديث عن ارتباط ما جرى بعلامات الظهور مرتهن بما اذا كان الوقت يشهد حراكات متعددة في هذه العلامات، فهجوم اسراب الجراد ليس جديدا وهو يحدث بين حين واخر ويعد ظاهرة مالوفة، بل تعده تلك المناطق من اسباب الرزق اذ يأكل الناس اذنابها لوفرة بيوضها المتجمعة في اذنابها على البروتين، ولكن لو ان هذه الاحداث جاءت في محيط امني وسياسي واجتماعي تشهد حراكات متعددة في العلامات، عندئذ يمكن الحزم بان ما حدث إنما هو علامة دالة على الطريق.
روابط لها علاقة بالجواب: https://www.sh-alsagheer.com/post/986
https://www.sh-alsagheer.com/post/603