Heider Alasedy (الفيسبوك): ما مدى صحة خبر انهيار حائط مسجد الكوفة المعظم في ليلة أو فجر يوم جرح امير المؤمنين (ع). (علما إن الخبر منتشر على موقعي الفيس بوك و اليوتيوب). وهل هذا الانهيار هو المشار اليه في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار عبد الله بن مسعود فعند ذلك زوال ملك القوم، وعند زواله خروج القائم عليه السلام.
الجواب: لم ينهر الجدار وإنما حصل به شق غير معتاد كما هو واضح في الصور التي التقطت لجدار المسجد، وبالرغم من أن إدارة المسجد المعظم تحدثت عن أنهم سحبوا قبل شهرين المياه الجوفية واحتمالهم ان يكون هو الذي تسبب في ذلك، ولكن كون المياه الجوفية المسحوبة من نفق مسلم بن عقيل عليه السلام ليست تحت الجدار ولا قريبة منه، فإن هذا الاحتمال لوحده ليس كافياً لتبرير عملية الإنشقاق لا سيما وأن الإنشقاق حصل من منطقة مرتفعة ولم يحصل من منطقة منخفضة من جهة طرف الجدار، ولكن مهما يك فإن العيب المعماري في البناء له مدخلية واضحة في هذا المجال، وما من دلالة واضحة لكي نعتبره مثار أمر إعجازي كما يروّج لذلك بعض الناس، وما تم التحدّث عن ظهور اشعاع رهيب لم يتبين لنا من يؤكده أو ما يؤكده.
أما عن علاقة الخبر بعلامات الظهور الشريف، فإن بين أيدينا رواية الحسين بن المختار التي يرويها الشيخ النعماني رضوان الله عليهما بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إذا هدم حائط مسجد الكوفة من مؤخرة مما يلي دار ابن مسعود فعند ذلك زوال بني فلان، أما إن هادمه لا يبنيه.[1]
وفي لفظ الرواية التي ذكرها الشيخ الطوسي رضوان الله عليه في الغيبة بطريق آخر للحسين بن المختار جاء في نسخة منه: زوال ملك بني فلان.[2]
ولكن في رواية الشيخ المفيد رضوان الله عليه جاءت خاتمة نفس الرواية هكذا: فعند ذلك زوال ملك القوم، وعند زواله خروج القائم عليه السلام.[3]
ونلاحظ هنا أن الحديث يتم عن الهدم وليس عن الشق، ومن الواضح أن الهدم ليس هو الشق، ونلاحظ ثانياً وجود هادم له، وهذا الهادم هو الذي يريد إعادة المتهدم، مما يعني أن الهدم لا يتم بطريقة عدائية، ولذلك إن استلزم الشق المعاصر عملية لاحقة لهدم الجدار عند ذلك يمكن لنا أن نتحدث عن وجود مقاربة بين ما جاء في الرواية الشريفة وما بين ما يتم على أرض الواقع، ولكن هذه المقاربة تبقى مجرد احتمال لعدم القدرة على تشخيص الموضع الذي أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام في حديثه أي ما يلي دار ابن مسعود، ولهذا يجب توخي الدقة في متابعة ذلك.
يبقى الكلام في أمرين الأول من هم بنو فلان الذين يزول ملكهم ويكون هدم الجدار علامة لهم، والأمر الثاني من هو الهادم الذي لا يبنيه، وهل هما جهة واحدة أم جهتين، أي أن جهة الهدم هل هي نفس جهة من يزول ملكه؟ أم هي جهة أخرى؟.
من الواضح أن الرواية ساكتة عن كل ذلك، ولكن نستظهر أن من يزال ملكهم هم جهة أخرى تختلف عن جهة الهادم، لأن الهدم يتعلق هنا بشخص وليس بملك على ما يبدو من ظاهر اللفظ، بينما الإشارة إلى القوم أو إلى بني فلان ــ كما هو في ألفاظ الرواية ــ واضحة في تعلّقها بالملك، خاصة وأن الزوال يشمّ منه ان من يزال عنه الحكم هو جهة مضادة لأهل البيت عليهم السلام، بينما الحديث عن الباني من بعد الهدم يظهر منه انه جهة غير معادية.
ولو صحّ ذلك فإن المهمّ المتبقي هو عن ماهية المقصود ببني فلان، وبالرغم من أن الوصف ببني فلان يمكن أن ينطبق على كل قوم، إلا أننا يمكن أن نلاحظ أن الروايات وصفت حكام العراق ببني العباس، وتحدثت عن السفياني بأنه من بني أمية، مما ينحو بنا إلى القول بأن المقصود ليس هم حكّام العراق، بل ربما تدلّنا بعض الروايات التي استخدمت نفس الوصف وتحدثت عن فترة زمانية مقاربة لما في الرواية، أن المراد ببني فلان هم حكام الحجاز، فلقد ذكر الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه في الغيبة رواية بكر بن حرب، عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: لا يكون فساد ملك بني فلان حتى يختلف سيفا بني فلان، فإذا اختلفا كان عند ذلك فساد ملكهم.[4]
وذكر بسند صحيح عن الإمام الرضا صلوات الله عليه قوله: إن من علامات الفرج حدثاً يكون بين الحرمين، قلت: وأي شيء يكون الحدث؟ فقال: عصبية تكون بين الحرمين، ويقتل فلان من بني ولد فلان خمسة عشر كبشاً.[5]
والظاهر أن منطقة ما بين الحرمين المشار إليها هي جدة التي تتوسط بين الحرم المكي والمدني، ولعلها هي المدينة الوحيدة التي يمكن تصوّر اجتماع كل هذا العدد من الأمراء.
ويبدو أن الروايتان مترابطتين، وهما ترتبطان برواية الحائط من جهة التسمية، ومن جهة الزوال والذي يعني عدم ذهاب الملك فجأة وإنما بالتدريج، ومن جهة الفترة الزمانية أي كون الزوال يتم في وقت مقارب لخروج الإمام صلوات الله عليه، ويقرّب من كل ذلك ما جاء في موثّقة[6] أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من يضمن لي موت عبد الله اضمن له القائم. ثم قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام.[7]
لذلك فإن الدلالة التي تهمّنا لو تحققت عملية الهدم تتعلق أولاً بوضع من سيهدم الجدار، والهدم هنا هي هم لجزء من الجدار، وما من شك أن الشقّ المعاصر سيعالج بطريقة وأخرى، ومن الواضح أن عملية العلاج قد تنطوي على عملية هدم من أجل التقويم، لأن الشق الذي نراه في الصورة ليس من النمط الذي يمكن أن يُسكت عنه دون معالجة جذرية، والحديث عن عدم تمكن الهادم من البناء يشير إلى تبدل في شكل الجهة الهادمة لا في محتواها، أي لو قدّر أن تقوم إدارة أو وزارة ما أو حكومة ما بعملية التهديم، فإن هذه الجهة لن تتمكن من إعادة البناء حتى يأتي خبر موت عبد الله هذا، وبدء مسار زوال حكم الحجاز، وتأتي من بعدها جهة ثانية لتتم عملية البناء.
والدلالة الثانية تتعلق بوضع حكم الحجاز ومساراته باتجاه التفكك، وذلك على تفصيل ذكرناه في الجزء الثالث من كتاب العلامات ولما يطبع بعد.
[1] غيبة النعماني: 285 ب14 ح57.
[2] غيبة الطوسي: 446 ح442.
[3] الإرشاد 2: 375.
[4] غيبة الشيخ الطوسي: 447ـ448 ح446.
[5] غيبة الشيخ الطوسي: 448 ح447.
[6] لموضع عثمان بن عيسى الرؤاسي في الخبر وهو من أئمة الواقفة المنحرفين عن الإمام الرضا عليه السلام، ولكن الطائفة الشريفة عملت برواياته وأصحابه من الواقفة في مرحلة إيمانهم وصلاحهم ورفضت ما بعد ذلك.
[7] غيبة الشيخ الطوسي: 447 ح445.