علي (التلكرام): ورد في خطبة أمير المؤمنين من علامات الظهور الشريف ( و ثمت الفتنة الغبراء و القلادة الحمراء ، و في عنقها قائم الحق ، ثم أسفر عن وجه بين أجنحة الأقاليم كالقمر المضيء بين الكواكب الدراري ، ألا و إن لخروجه علامات عشرة ، (( فأولهن طلوع الكوكب المذنب )) و يقارب من المحاذي ، و أي قرب ، و يتبع به هرج و شغب ، فتلك أول علامات المغيب ، و من العلامة إلى العلامة عجب ، فإذا انقضت العلامات العشر ظهر فيها القمر الأزهر ، و تمت كلمة الاخلاص على التوحيد بالله رب العالمين )
و في حديث آخر عن رسول الله صلوات الله عليه و آله مع سلمان عن علامات الساعة قال : يا سلمان فعندها إمارة النساء ، و مشاورة الإماء ، و قعود الصبيان على المنابر ، و يكون الكذب طرفا ، و الزكاة مغرما ، و الفيئ مغنما ، و يجفو الرجل والديه و يبر صديقه (( و يطلع الكوكب المذنب )) قال سلمان : و إن هذا لكائن يا رسول الله ؟ قال : أي و الذي نفسي بيده ...
يراقب بعض الرصاد كوكب غريب يقترب من الأرض و يقولون أن له ذيل طويل جداً و إسم الكوكب ( نيبيرو ) و يقولون العلماء أن ما يجري على الأرض من تغير مناخ و زلازل و كوارث بفعل تأثير هذا الكوكب و كلما اقترب أكثر ازداد تأثيره و يتوقعون اقترابه الشديد من الأرض خلال فترة قصيرة جداً ، لعله هو الكوكب المقصود في العلامة ؟ وكالة ناسا أو الوكالات العالمية الرسمية متكتمة عن أخباره لكن الرصاد المحترفين هم من ينشرون المعلومات حوله.
الجواب: أولاً: المذنبات او الكواكب المذنبة تعتبر من ظواهر الفيزياء الكونية الطبيعية، وهي تشاهد ما بين مدة واخرى في مناطق مختلفة من العالم، ومنها من يقترب ويراه الناس، ومنها من لا يقترب ولكن يراه المختصون بأبحاث الفضاء، ولا دليل على اقتران ظهوره بأحداث جسيمة او اختلال في النظم الكونية او الاجتماعية مما ألفت الثقافة الشعبية الحديث عنه.
ومع انها وردت كأحد المفردات التي تم التعرض لها في بعض الروايات، وبغض النظر عن مصداقية الرواية، غير ان الاشارة اليها بعنوانها المطلق من دون دلالة تدل عليها في وقت او مكان لا نستطيع ان نحدد موقفاً نعتبره كعلامة، لأن العلامة تمثل شاخصاً ليدل على زمن، ولأن الأحداث تتشابه، ولذلك ربطت العلامات بدلائل تدل عليها بحيث لا يمكن معها ان نقول في حال حدوثها انها ليست العلامة المطلوبة، اما لو جاءت مجردة عن اي قرينة تدل عليها فستغدو كاحتمال قد يصح وقد لا يصح، والحديث عن الكوكب المذنب في كل الروايات التي ذكر فيها، جاء وسط أمور عامة، دون تشخيص لفترته الزمانية، ومن دون وجود علامة خاصة تدل على ان هذا الذي ظهر هو ما تم الاشارة اليه في تلكم الروايات.
ثانياً: ورد ذكر الكوكب المذنب او ذو الذنب في عدة روايات في كتبنا، وفي جميعا كان السند مبهماً لدينا، وأبرز ما جاء ذكره كان في تفسير القمي بسند عامي لابن عباس ضمن حديث طويل يرويه عن رسول الله صلوات الله عليه وآله قال: فعندها تكون إمارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبيان على المنابر ويكون الكذب طرفاً والزكاة مغرماً والفيء مغنماً ويجفو الرجل والديه ويبر صديقه، ويطلع الكوكب المذنب. (تفسير القمي ٢: ٣٠٤).
وهذه وإن كانت مظاهر سلوكية مشخصة إلا أنها تعد من المظاهر العامة التي لا يعرف لها توقيت زماني محدد، وإن كنا نراها وغيرها مما اشار اليها في هذا الحديث الطويل متطابقة في زماننا الا أنها لا تصلح كدلالة خاصة.
وقد ورد ذكره في خطبة لامير المؤمنين عليه السلام في كتاب الكافي بسند فيه جهالة قال عليه السلام: ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير. (الكافي ٨: ٦٦ ح٢٢). والكلام هنا يخلو كما هو واضح من دلالات خاصة يمكن معها الاستدلال على وقت هذه العلامة ومدى الفارق الزمني بين خروج هذا الكوكب وبين الامام روحي فداه.
وقد ورد ذكره أيضاً على خطبة منسوبة لامير المؤمنين عليه السلام تسمى بخطبة الافتخار، وقد تفرد بنسبتها إليه الحافظ البرسي في مشارق اليقين وقد ساقها مرسلاً، قال وهو يتحدث عن علامات رجعته عليه السلام: ألا وإن لخروجي علامات عشرة، أولهاتحريف الرايات في أزقة الكوفة، وتعطيل المساجد، وانقطاع الحاج، وخسف وقذف بخراسان، وطلوع الكوكب المذنب، واقتران النجوم، وهرج ومرج وقتل ونهب، فتلك علامات عشرة، ومن العلامة إلى العلامة عجب، فإذا تمت العلامات قام قائمنا قائم الحق.. (مشارق أنوار اليقين: ١٦٥) وفي هذه الرواية نلاحظ ايضاً ان العلامات المذكورة سيقت ضمن مسار لا دلالة زمانية فيه بحيث يمكن الاستدلال فيها كما ان عدة من العلامات لم يشخص مكانها مع انها امور يمكن ان تحصل في كل أوان.
وقد ورد ذكر الكوكب المذنب أيضاً في رواية ذكرها الخزاز القمي في كتابه كفاية الأثر بسند عامي وهي مقاربة من وجه لبعض ما ورد في مشارق الانوار قال: ألا وإن لخروجه علامات عشرة: أولها طلوع الكوكب ذي الذنب ويقارب من الجاري ويقع فيه هرج وشغب وتلك علامات الخصب، و من العلامة إلى العلامة عجب، فإذا انقضت العلامات العشرة إذ ذاك يظهر بنا القمر الأزهر وتمت كلمة الاخلاص لله على التوحيد. (كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: ٢١٦-٢١٧).
وقد ورد في كتب العامة ذكره اذ روى الحاكم النيسابوري بسنده الى عن ابن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال: ما نمت البارحة حتى أصبحت قلت: لم قال: قالوا :طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدجال قد طرق. (المستدرك على الصحيحين ٤: ٤٥٩). مما يظهر انتشار خبره وكونه مرتبط بعلامات مستقبلية.
كما أن السيد ابن طاووس نقل عن كتاب فتن السليلي وهو من كتب العامة خطبة لأمير المؤمنين ع سماها باللؤلؤة وهي مقاربة لما ذكره صاحب الكفاية قال: ألا وإن لخروجه علامات عشرة، فأولهن طلوع الكوكب المذنب، ويقارب من المحاذي، وأي قرب، ويتبع به هرج وشغب، فتلك أول علامات المغيب، ومن العلامة إلى العلامة عجب، فإذا انقضت العلامات العشر ظهر فيها القمر الأزهر، وتمت كلمة الاخلاص على التوحيد بالله رب العالمين. (التشريف بالمنن في التعريف بالفتن المعروف بالملاحم والفتن: ٢٧٠ ب٥٨ ح٣٩٢).
وكان نُعيم بن حماد روى عن كعب الأحبار قوله: يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي له ذناب.(الفتن: ٢٢٩ ح ٦٤٢).
هذه هي تقريبا مجموع الروايات والآثار التي ذكرت في شأن الكوكب المذنب مع التنبيه الى أن ما ذكر في بقية الكتب إنما ذكر نقلاً عن هذه المصادر، ومع أننا وجدنا أنها من الناحية السندية تعاني بأجمعها من عدم إمكانية توثيقها، ولكن هذا لا يعني طرح الموضوع وتركه، فالضعف لا يعني مكذوبية الخبر أو إسقاطه، ولكن مع ذلك نلاحظ أنها جميعاً لا يمكن اعتمادها في دلالاتها على أمر حاسم بشأن قربها من الظهور الشريف، فمثل هذه الجمل قد تفيد قرباً لصيقاً، وقد تفيد فاصلاً يمتد لعشرات السنين إن لم يكن أكثر من ذلك، فانتبه.
ومع كل ذلك فإن النجوم المذنبة قد تم رؤيتها على نطاق واسع في غير مرة وأشهرها ما يعرف بمذنب هالي الذي ظهر في ١٠/ ٢/ ١٩٨٦ وسيكمل دورته في ٧٦ سنة ليعود للرؤية مرة أخرى، وقد اكتشفت البشرية مذنب آيسون في ٢١/ ١١/ ٢٠١٢، وعلى أي حال حينما رأى الناس هذا المذنب أو ذاك لم يحصل أمر ذو بال، مما يؤكد إن الحديث عن تغييرات دراماتيكية ستحصل بمجرد خروج المذنب لا قيمة لها.
ثالثاً: إن المذنبات ليست قريبة من الأرض، وبالرغم من أن الذين اعتمدوا منطق الروايات التي ذكرت الكوكب المذنب والتي لم تتحدث إلا عن طلوعه، غير أن حديثاً واسعاً يجري بينهم عن أن هذا المذنب سيتعرض للأرض وسيلحق بها أذى كثيراً، وفي هذا السياق تداخل حديثهم مع حديث عن كوكب سموه بالنيبرو ومنهم من سمى هذا الكوكب بأنه هو الكوكب الطارق، وقد تداخل حديث متأسلمين مع حديث النصارى واليهود بأن هذا الكوكب سيصطدم بالارض وسيلحق بها أضراراً هائلة اوصلها بعضهم الى تدمير الأرض وتساهل بعضهم وقال بأن الأرض ستتحول إلى ما سبق للمريخ أن تحولت اليه لأنه سبق له أن ضرب المريخ قبل ذلك، وقد كان بعضهم قد حدد سنة ٢٠١٨ موعداً لهذا الحدث، وفي كل مرة نسبوا مصادر معلوماتهم الى مواقع ألكترونية حينما تفتش في داخلها تجد أنها ترجع الى مصادر مجهولة، مع أن المواقع الفضائية الرصينة لا تتحدث عن ذلك مطلقاً بل نفت ذلك مراراً، فقيل عندئذ إن هذه المواقع لا تتحدث عن نيبرو لأنهم يخشون من حال الهلع الذي قد يصيب شعوب العالم!!
وأحسب أن مثل هذه الأمور واهية تماماً، ولن أتوقف عند مصداقيتها العلمية لوضوح وهنها، ولكن أعرب عن ذهولي من انسياق من يعدّون أنفسهم أنهم يفكرون وفق المعايير الإسلامية، فإذا كان الإمام المنتظر روحي فداه سيخرج من أجل أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فهل سيكون حدث النيبرو هذا الذي سيستأصل الحياة على الأرض بزعمهم سيكون فاتحة لذلك؟ فعن أي أرض يتحدث هؤلاء التي سيظهر فيها الإمام صلوات الله عليه؟
خلاصة القول: إن الأحاديث التي تحدثت عن الكوكب المذنب مع ضعفها، إلا أنها لا تشير إلا الى طلوع هذا المذنب، وأنها في اختلاف الفاظها لم تطرح اي دلالة ذات بال يمكن معها وصفها بعلامة دالة على الظهور الشريف اللهم إلا بكونها تحصل قبل الظهور من دون أن يتم التشخيص إن كانت من العلامات القريبة أو البعيدة، ولذلك نحن نكل علمها الى الله ولا سبيل لنا للتعرف على مصداقيتها إلا بما يكشفه الواقع، وهي على أي حال لا علاقة لها بأي اقتراب يلامس المدار الأرضي لوضوح أنها تفقد ذنبها وهو في الغالب من الجليد كلما اقتربت من الشمس، ولهذا حتى تكون مذنّبة يجب أن تكون بعيدة عن الشمس، وعليه فلا علاقة لها بأي حديث عن اصطدام بالأرض، وأما الحديث عن نيبرو فهو في غالب الظن خرافة مررت لأغراض سياسية ترتبط بأفكار تروج لها بعض الكنائس الأمريكية، والله العالم.
