فائز (الموقع الألكتروني الخاص): لماذا بهذا الوقت، أو بهذه المدة السابقة قررت أن تنشر للعامة علامات الظهور المقدس؟ دائما احضر للملتقى الاسبوعي المبارك وأجد عندك أشياء لا تقوم بالتحدّث عنها!!....نحن بحاجة الى تعبئة ونحن مستعدون إن شاء الله تعالى، لكننا بحاجة الى من يأخذ بيدنا.
الجواب: ما ألجأنا لطرح هذه المواضيع الشريفة هي أربعة عوامل أساسية
أولاً: أن الموضوع المهدوي كان قبل ذلك يدور بين 4 اتجاهات بشكل عام.
أولها: المنحرفون والأدعياء والمرتزقون باسم الإمام صلوات الله عليه، وهؤلاء في الغالب وجدوا رعاية إسرائيلية وبريطانية مباشرة، ولم يك صعبا عليها أن تجد تمويلاً من دول أعرابية لها أجندة مضادة للتشيع العقائدي والسياسي.
وثانيها: انتشار الحشويون الذين لا يهمهم من أين أخذوا الأخبار والروايات، دونما تفريق بين صالحها وطالحها وصحيحها وسقيمها وغثها وسمينها، مما فسح المجال لبعد كبير في الشارع المتلقي عن روايات أئمة الهدى صلوات الله عليهم ومتطلباتها.
وثالثها أن غالبية من تصدى لتفسير الروايات الخاصة بالموضوع المهدوي بما فيهم من ادعى التخصص في القضية المهدوية، شرّق وغرّب بها وفق معايير في الغالب لا تمت إلى البعد العلمي والموضوعي، بل هي ترتهن في غالب الأوقات إلى الذوق الشخصي أكثر من أي شيء آخر، ولم يرجعها إلى نفس الروايات أو يعمل بمنطق الروايات لتفسيرها، كل ذلك ووعي الأمة لم يك بالقادر على التمييز والتفريق والفصل بين ما يُقبل منها وما لا يقبل، بل إن هذا الوعي كان في الأعم الأغلب ساذجاً او عرضة لتصورات ساذجة، ولهذا كان من الواجب التصدي من قبل العلماء لايقاف هذا التداعي الذي في الكثير أوصل ساحتنا إلى مفارق كارثية واطمع فينا الكذبة والمرتزقة والأدعياء، وما صورة قاضي السماء، أو دجال البصرة الذي يلقب نفسه بأحمد بن الحسن، او المجاميع التي تدعي السلوكية، وعشرات غيرها إلا نماذج من هذه المفارق.
رابعها: يعود إلى ما يمكن أن يطلق عليهم بالتيار التجريدي الذي كان يتحدث عن القضية المهدوية بشكل تجريدي وتنظيري لا علاقة له بالواقع، ودون بذل أي جهد يذكر لتحويل القضية إلى مفردة هم يومي للمؤمن والأمة المنتظرة وإلى قضية سلوكية تتفاعل مع الواقع وتؤثر به، ولربما كان هذا الاتجاه شريكاً في إبعاد الامة عن التعامل مع قضية الانتظار بشكل جدي، ومسهماً إلى حد كبير في غلق بوابات الأمل لديها بحجة أن هذه القضية قد لا تحصل بعد مئات السنين أو آلافها، بالرغم من أنه يمثل القطاع الأكبر من النخبة الحوزوية والمثقفة، ولا أدّعي أن هذا التيار لا يمتلك المبررات التاريخية التي تدفع به إلى هذا المنحى السلوكي السلبي، فلقد مر التشيع بتجارب مريرة مع الأدعياء، ولكن وجود التجربة التاريخية السلبية لا يمنع من معاودة التجربة من أجل الحصول على نفس الهدف الذي توخاه أئمة الهدى صلوات الله عليهم يوم أن طرحوا أفكارهم ورؤاهم في خصوص الحراك الاجتماعي للقضية المهدوية.
ثانياً: كل مجتمع يراد له النهضة لا بد من أن تتوفر مادة تعبوية له تمكنه من التحرك والتعلق بإمكانية التغيير نحو الأفضل، ومجتمعنا الإمامي في الغالب ونتيجة للتجارب العملية خصوصاً في العراق بدأ يفقد هذه المادة بالتدريج، وظروف الاحباط السياسي والغزو الثقافي واللامسؤولية الثقافية كلها اسهمت بشكل كبير في تفكيك عرى المواد التعبوية التي من شأنها أن تشحذ همّة المجتمع وتدفع به إلى الأمام، ورغم التقدم الكبير الذي حصل في موضوعة الشعار الحسيني وما رفد هذا الشعار المقدس به الأمة من قدرات تعبوية هائلة، ولكن الشعار الحسيني لم يوضع إلا من أجل أن يعمل في خدمة المشروع المهدوي، ومن دون توجيه الأمة تجاه المشروع المهدوي يبقى هذا الشعار بعيداً عن الهدف الذي رسم له، ومنذ البداية طرح أئمة الهدى صلوات الله عليهم القضية المهدوية لتكون هي المفردة الرئيسية لتعبئة الأمة، ولأسباب متعددة منها التخلف العقائدي لم يتم مراعاة ذلك، وقد أظهرت الأداءات السياسية والتربوية من المشاريع التغييرية خلال الفترة المنصرمة، المزيد من اغفال ذلك، وراحت تلهث وراء المكسب السياسي الآني، أكثر من المكسب الاستراتيجي الذي من شأنه أن يوجد الأمة المنتظرة ويجعلها قادرة على الإيفاء بإلتزاماتها.
ثالثاً: رؤيتي الجادة لتقارب العلامات مع الخارطة الزمانية والمكانية للظهور الشريف في أيامنا هذه، وهي خارطة تمت متابعتها بشكل دقيق وحثيث منذ عام 1992 نتيجة لأمر خاص بي، وبموجبها جمدت عملي السياسي وتفرغت لها طوال مدة مديدة من الزمن، وكنت قد وضعت الشام تبعاً لرواياتنا الشريفة كأول محطة في هذه الخارطة، ولذلك من الطبيعي أن تستفز قدرتي حينما أرى ما يجري في الشام وهو يجري بنفس الطريقة التي وصفت من قبل أئمة الهدى صلوات الله عليهم، ومياً من بعد آخر أجد أن سحائب الظروف السياسية والاجتماعية التي تتلبد في سماء المنطقة تقربنا بشكل كبير جداً مما أشارت إليه الروايات الشريفة، ولأننا لو صحت هذه الرؤية سنكون في معرض استحقاقات هائلة والأمة ستجابه بأمر جسيم، لذلك لا بد من البدء بعملية توعوية تعبوية مبكرة لها بشكل يمكن معه نهوضنا للتعامل مع هذه الاستحقاقات دون ان نحصر أنفسنا في مضائق الأزمات وفي أعناق زجاجاتها، وبالنظر لما جرى على شيعة أهل البيت عليهم السلام في الفتنة الطائفية التي مرت والتي وللأسف الشديد لم يسمع فيه صوتنا المنبّه والصارخ يومذاك بأن الفتنة قادمة ويجب الاستعداد لها، فإن من الطبيعي أن نعود لعملية التنبيه لما هو أخطر وأجسم في تصوري مما مر، فإن كان تحليلي دقيقاً نكون قد أهّلنا أمتنا للتصدي وبالنتيجة لن تفاجئ بما سيأتي عليها وستتصدى له وتهزمه، وإن كان تحليلنا غير دقيق، فما الضير في أن ندفع بالأمة للتعلق الجاد والعملي بإمامها المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
رابعاً: لا شك أن نجاح فكرة التفرغ السياسي النسبي الذي عملت من أجله بشكل جاد منذ عام 2007ـ2008، وفاتحت به المرجع الديني الأعلى سماحة السيد السيستاني مد ظله العالي يومذاك، ثم موفقيتي بالتملص من أعباء مجلس النواب في عام 2010 حينما انتخبت لنفسي دائرة لا وجود فيها لأي ناخب لي وأعني بذلك المحافظة الكردية والمسيحية (دهوك)،[1] والإبتعاد المقنن من الدخول في الشأن السياسي التفصيلي، من أجل التفرغ للشأن العقائدي للأمة، لأن كل العناصر التي كانت معنية بالوضع الثقافي والعقائدي للأمة ـ وأنا منهم ـ باتت مشغولة بتداعيات المشهد السياسي من بعد سقوط النظام، وشعبنا كما هو معروف قبل ذلك كان أسيراً لأعتى موجة من التضليل الفكري والثقافي والعقائدي، ثم عانى الأمرّين من بعد السقوط الصدامي نتيجة لخضوعه لواحدة من أقسى حملات الغزو الثقافي التغريبي الذي تميّز بالكثير من البهرجة والتزويق، مما استدعى مني ومن امثالي النهوض لتحمل مسؤولية الاهتمام بالجانب العقائدي، وقد كنت شخّصت بشكل مبكر بأن هذا الجانب هو الأسرع في اسقاط كل ما يراد بنا، والحمد لله على االتوفيق الذي حصل في هذا المجال.
[1] واقعا استغربت بشكل شديد من وجود 68 ناخب لي هناك، مع العلم أن تسلسلي في انتخابات بغداد كان هو الثاني في قائمة الائتلاف الوطني وقد أجّلت عملية الإعلان عن رغبتي بالترشح على دهوك إلى ما قبل أقل من ساعة من نهاية الموعد المحدد لإغلاق القوائم الانتخابية من قبل المفوضية المستقلة للإنتخابات، وقد ضغط علي بشدة من أن أنتخب أي محافظة أخرى غير بغداد وأتراجع عن رغبة الترشيح على دهوك مع وجود طلبات كثيرة من محافظة ذي قار حيث عشيرتي (آل جويبر) أو النجف الأشرف حيث مدينتي وأسرتي، أو الحلة حيث قبيلتي (بني خيكان)، ولكني كان توقيتي في الانسحاب موفقاً ومتعمداً في نفس الوقت، وأقولها لأول مرة كان لبركات صلاة الغفيلة والعطاء الروحي الذي ينضح منها الأثر الكبير في السكينة والطمأنينة لصحة قرار الابتعاد، وها انا أنتهل من عطاء تلك اللحظة، وأي حديث يجري خلاف ذلك، فإنه حديث لا صحة له.