محب للامام الحجة (البريد الخاص): شيخنا قلت سابقا ان الشيطان سيقتل عندما يحكم الامام روحي له الفدا كيف ستكون هناك معاصي ولاوجود للشيطان لأن الشيطان هو سبب المعاصي التي يقوم بها الانسان؟
الجواب: أولاً: لم يبدر منا أن قلنا بأن إبليس لعنه الله سيقتل عندما يحكم الإمام روحي فداه، بل إن هذا الأمر موكول لفترة لاحقة متأخرة جداً عن حكم الإمام بأبي وأمي، وذلك حال رجعة الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله وعلى يد الأمير عليه السلام كما هو مفاد الروايات.
ثانياً: إبليس ليس هو سبب المعاصي، وإنما هو أحد العوامل المهمة في ترغيب الإنسان بإرتكابها من خلال وسوسته، وهذه الوسوسة هي حديث هامس منه لأذن الإنسان ولا علاقة لها بإرادة الإنسان، إذ أن هذه الارادة لا تتداخل معها إرادة الشيطان، ولكن العنصر الأساسي في مجال حصول المعاصي يعود الى النوازع السيئة التي تكمن في داخل ذات العاصي، فتكوّن النفس الأمارة بالسوء، والإذعان لهذه النفس هو الذي يطلق فعل المعصية، غير أن النفس الأمارة بالسوء لا توجد بشكل جبري قاهر لإرادة الإنسان ما لم يعمل هذا الإنسان على افساح المجال لكي تتواجد، وذلك لأن الله تعالى حينما خلق النفس الإنسانية أودع فيها اتجاهين متصارعين احدهما اتجاه الفجور والآخر اتجاه التقوى، فقال الله جل وعلا: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} وأيهما تمت رعايته وترشيده من قبل الإنسان سيفرض سيطرته على الآخر، بل وقد يستخدم قوة الآخر في تنفيذ ما يريد، وربط فلاح الإنسان وصلاحه بعملية تزكية هذه النفس من خلال رعاية وترشيد وتنمية جانب التقوى، ولكنه لو أهمل ذلك فسيطلق شرور جانب الفجور في هذه النفس ويسبغه على شخصيته، ولذلك قال الله تعالى: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}، وتزكية النفس واهمالها يكون في مجال نوازع الإنسان الذاتية التي تمثل القاعدة الحقيقية لشخصية الإنسان، فإن وجدته كريما في أفعاله أو خسيساً في تصرفاته فبسبب هذه النوازع الذاتية
ومن هنا تجد أن الله تعالى أشار في القرآن الكريم إلى هذه النوازع وسماها بالهوى، وذلك بقوله تعالى: {أفرأيت من اتخذ الهه هواه} وهذا الهوى إن سيطر على نفسه هو الذي سيدفعه لارتكاب الأعمال، فإن كان هواه مع تقوى الله جاء فعله انعكاساً لذلك، والعكس بالعكس، وقد اشار إلينا القرآن الكريم إلا أن نفس إبليس لعنه الله كان عابداً، فهل كان قبله إبليس غيره فسبب له معصيته؟ ولكن من أسقط إبليس لعنه الله هي نوازعه الذاتية التي تركت دونما تهذيب فكان الحسد والغرور والعجب والغضب والأنانية سبباً في نزوع نفس إبليس الى ما نزع إليه وسقط في أتون المعصية، وترى نفس الصورة في فعل ابني آدم عليه السلام، فاحدهما وهو قابيل مارس عمل الفجور نتيجة لعوامل الحسد والغضب فقتل هابيل، بينما نرى أن هابيل تمكن منه عامل التقوى فلم يبادر لما بادر إليه قابيل.