A A (منتظرون 3): ما رأي سماحة الشيخ بهذه الرواية: يا زرارة لا بد من قتل غلام بالمدينة وطبيعة علاقتها بقتل الشهيد المغدور زكريا علي الجابر؟
الجواب: الرواية من حيث الأصل وردت بعدة ألفاظ وبطرق عديدة توزعت على كتاب الكافي وغيبة النعماني وكمال الدين وتمام النعمة وغيبة الطوسي، ولعلها من الروايات القليلة الخاصة بعلامات الظهور والتي وردت بهذا العدد من الطرق السندية
فقد روى الكافي بسنده عن زرارة أن الإمام الصادق عليه السلام قال له: يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا ولكن يقتله جيش آل بني فلان، يجيئ حتى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون، فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله. (الكافي 1: 337 ب138 ح5).
وقد ذكره النعماني بسند مختلف قال: يا زرارة، لا بد من قتل غلام بالمدينة. قلت: جعلت فداك، أوليس الذي يقتله جيش السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش بني فلان، يخرج حتى يدخل المدينة ولا يدري الناس في أي شئ دخل، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لميمهلهم الله، فعند ذلك يتوقع الفرج. (غيبة النعماني: 170ــ171 فصل في ذيل ب10 ح6) ثم ذكر طرقاً أخرى للخبر.
وذكره الشيخ الصدوق أيضاً بطريق أخرى ولفظه لفظ ما في غيبة النعماني. (كمال الدين وتمام النعمة: 342 ب33 ح24)
وذكره الشيخ الطوسي في الغيبة مكتفياً بذكر صدر الخبر. (الغيبة للطوسي: 334 ح279).
أما ما هي دلالة الخبر، فإن أول ما يلفت إنتباهنا ان الخبر تم سياقته على طريقة الحتميات، بمعنى أن حدث قتل الغلام من المحتوم حصوله، وهو الذي نراه بتقدم كلمة: (لا بد)، وأن القاتل يكون متمثلاً بجيش آل فلان، وآل فلان هم العائلة التي تملك شأن المدينة المنورة وغيرها في ذلك الزمن، بحيث أن لهم جيشاً، ويدخلون المدينة بلا عناء يعني أن يدهم مبسوطة عليها، وأن هؤلاء لا ينتسبون إلى جيش السفياني، يبقى الكلام في أن المقتول هو غلام، وكلمة الغلام عند العرب تحمل على محملين، فتارة يشار إلى الولد منذ ولادته إلى أن يشبّ، وثانية يشار فيه إلى الصبي الذي بدأت لديه الغُلمة أي الشهوة، أو الصبي الذي طرّ شاربه للتو، ومن حيث دقة الكلمة ربما يكون المعنى الثاني هو الأدق.
أما الحادثة فهي أن غلاماً في المدينة يقصده جيش لبني فلان، والجيش هو الجماعة المسلحة صغرت أو كبرت، ومن الواضح أن الرواية تتحدث عن اقبال الجيش من خارج المدينة إلى داخلها من أجل أخذ الغلام ثم قتله، كما أن الخبر قد يوحي بأن الغلام المقتول هو من أهل المدينة، وليس وافداً عليها.
ولم تحدد الرواية زمناً لذلك، غير أنها توحي بأن الحدث يكون قريباً من إنتهاء ملك بني فلان، وحيث أن الروايات المختصة ببني فلان تشير إلى إنهيار ملكهم التام على يد الإمام روحي فداه، فإن المظنون بقوة أن الحدث يكون قريباً من الظهور أو الخروج المبارك للإمام صلوات الله عليه.
هذا وقد ذكر نُعيم بن حماد وهو من مشايخ الرواية عند العامة، بسنده إلى محمد بن جعفر عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أمراً يبدو أنه يشابه الحدث الذي أشارت إليه الرويات التي مرت، غير أنه يعزي عملية القتل لجيش السفياني، وأن هذا الجيش يأتي من العراق قال:يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة بخيله، بعدما يعركها عرك الأديم، يأمره بالسير إلى الحجاز ، فيسير إلى المدينة فيضع السيف في قريش فيقتل منهم ومن الأنصار أربع مائة رجل ، ويبقر البطون ويقتل الولدان، ويقتل أخوين من قريش، رجل وأخته يقال لهما محمد وفاطمة ويصلبهما على باب المسجد بالمدينة. (الفتن: 323 ح922، و700ــ701 ح1976).
والخبر هنا مع أنه يذكر حادثة القتل في المدينة ولكنه يعزي القتل إلى جيش السفياني، وهذا ما يخالف الرواية أعلاه فيما أكدت على نفيه، إذ أن زرارة ربما أشار إلى ما سمعه في خبر ابن حماد ولذلك كان قوله للإمام الصادق عليه السلام: أليس يقتله جيش السفياني، فنفى الإمام صلوات الله عليه ذلك وأكد أن القاتل هو جيش آل فلان، كما أن الحديث عن أن جيش السفياني الداخل إلى المدينة وهو جيش الخسف يأتي من الكوفة بخلاف بقية الروايات التي تشير إلى انه لا يبقى في الكوفة أكثر من ثمانية عشر ليلة وبعد ذلك يهرب منها، وهذا يكون قبل ظهور الإمام روحي فداه، بينما إرساله لجيش الخسف إنما يكون بعد ظهور الإمام وقبل خروجه بأبي وأمي بما يزيد قليلاً من اسبوعين، وعليه فلو صححت هذه المخالفات ربما قلنا بأن زمن الحادثة يكون بعد الظهور الشريف، وقبل الخروج المبارك.
وبناء على كل ذلك فإن حادثة الطفل المغدور والشهيد البرئ زكريا الجابر رضوان الله عليه لا يمكن مطابقتها على الرواية المذكورة، لعدة أسباب أهمها أن الطفل المغدور ليس من أهل المدينة المنورة وإنما هو وافد عليها مع أمه، وهو ينتسب لعائلة الجابر في الإحساء، كما أن القتل تم بطريقة الصدفة بناء على رواية والدته المقيمة في جدة، بينما الرواية تشير إلى القصدية، والقاتل هنا فرد، بينما في الرواية جماعة، علاوة على أن القتل تم ذبحاً، وقسوة الذبح أحد أعظم أنواع القتل، ولذلك تفترض دقة المعصوم صلوات الله عليه أن يستخدم كلمة الذبح بدلاً من القتل لأنها أدعى لتصوير المظلومية، والله العالم.
يبقى علي أن أنوّه إلى قضيتين، أولها: أن الكثيرين سارعوا لتطبيق الرواية على ما جرى وهم ربما يندفعون إلى ذلك لأسباب عاطفية ومعنوية، وكان الأجدر بهم هو الرجوع للعلماء وسؤالهم، دون التورط في إقحام حديث أهل البيت عليهم السلام في ما لا علاقة له به، ومن الواضح أن الأثر النفسي والتربوي الذي يتخلف عن عدم التطابق لن يكون في مصلحة المنتظرين بل سيكون في مضرة المعتقد الخاص بهم.
وثانيها: إن الحادثة المفجعة على الرغم من هولهاوشناعتها، إلا أن الإعلام المضاد استطاع أن يعتم عليها، وتصدت العربية وغيرها لتحويلها إلى قصة مريض نفسي ذبح الطفل المغدور مع أنها جريمة طائفية مع سبق الإصرار، ولا أستغرب من قنوات الكذب السعودية أن تفعل ذلك، ولكني أستغرب جدا أن تمر الجريمة على شيعة أهل البيت عليهم السلام ولا تجد لديهم إلا ردات فعل مهما كانت فإنها بقيت خجولة جداً قياساً إلى هول الحدث، وقد تماشى الرأي العام العالمي مع الخبر كما لو أنه لا يعنيه الأمر من قريب ولا من بعيد، مع أنه لو كان الوهابي القاتل قام بذبح قطة أو أي حيوان لكانت ردة فعلهم قوية ومستنكرة، ومن هنا فإني أهيب بكل من يلتزم بمنطق (إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم) أن يبادر لكل ما من شأنه أن يفضح مثل هذه الجرائم ويكشف واقعها للرأي العام محلياً كان أو اقليمياً أو دولياً، حتى ولو بتذاكر هذه الحادثة فيما بين محيطهم الخاص، فنحن شعب لا ينسى ثاراته، وقد تعلمنا من ثورة الحسين عليه السلام كيف يتحول طلب الثار والحديث عن المظلومية إلى منهج للرفض ومسار للوعي.
وإني ادعو أحبتنا في الإحساء والمدينة المنورة حرسهم الله أن يطالبوا بإقامة حد القتل على السفاح الذي قام بكل هذه الوحشية مع الطفولة البريئة التي تمثلت بالشهيد الشاهد زكريا الجابر الذي جدد أمام نواظرنا آلام الطفل الرضيع صلوات الله عليه.
لعن الله القاتل ومن أسس في قلبه كل هذا الحقد والغل على شيعة أهل البيت عليهم السلام بحيث لم يتورع من ذبح هذا الطفل المظلوم بدم بارد، ولعن الله مدرسة الحقد الوهابي ومن أسسها ودعمها ورضي بفعالها، لعناً يهون عنده لعنه لعاد وثمود والمؤتفكات.
إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.