ياسرالبهاش (منتظرون ٥)
السلام عليكم
الا يؤثر على الامام المنتظر عليه السلام كثرة النحيب على جده الحسين ؟ وقوله لبكيت عليك بدل الدموع دما او كثره الهموم؟
الجواب: قابليات الانسان في مثل هذه الموارد تتفاوت، ومن غير الصحيح ان نقيسها كلها بمسطرة واحدة او نخضعها لمقاييس تماثل مقاييسنا لانفسنا، فلو اننا اخذنا النبي يعقوب عليه السلام في بكائه على ابنه يوسف عليه السلام، لتعجبنا من ابرازه لكل هذه العواطف والتي ادت به الى ان يعمى بسببها، لانه انموذج فريد يختلف عما نألفه من ابراز الناس لعواطفهم ومشاعرهم، مع انه هنا لا يوجد لديه الا عواطف الابوة واحاسيس الفراق، بالرغم من انه كان يعلم بحياته، كما انه كان يعلم بان ابنه هذا سيكون نبياً، ومن الواضح اننا لو قسنا ذلك على عواطفنا واحاسيسنا ربما انجر الامر لاستنكار الخبر والاعراض عنه، مع انه خبر يقيني، وليس في البين ان ذلك حصل لانه كان نبياً وهذه القدرة في ابراز العواطف والاحاسيس هي قدرة الانبياء دون بقية البشر، بل ان هذه هي طبيعة الانسان وقابلياته، فمنهم من يتملكه البرود، ومنهم من يتملكه الذهول فلا يبرز أي قدر مما اعتدنا ان نبرزه نحن في حياتنا العادية، فيما يمكن ان تتأمل بحال الصديقة الحوراء زينب عليها السلام، وكيف ان جزعها على أخيها الحسين بأبي وأمي أودى إلى أن يشيب شعرها بشكل يخالف الطريقة الطبيعية المعتادة لانقلاب الشعر الاسود الى الشعر الابيض.
أما سؤالكم في شأن الامام المنتظر روحي فداه وبكاءه ونحيبه على جده الحسين عليهما السلام بالطريقة التي وصفها في دعاء الندبة وزيارة الناحية المقدسة، فمع شدته وتجاوزه للحد الذي وصل اليه النبي يعقوب عليه السلام، بالطريقة التي يصل فيها الى تقريح الجفون وتمزيق المآقي إلا أنه يبقى في حدود نفس هذه القابليات التي اشرت اليها أعلاه، غاية ما هنالك ان قدرته على إبرازه أحاسيسه أعلى من غيره، ويعود ذلك في الغالب الى طبيعة معرفته بحجم الفاجعة من كل جهاتها وزواياها، وأهمية ان يصل الإنسان الى حالة الجزع على الحسين عليه السلام، وهو الأمر الذي أوصانا به أئمة الهدى عليهم السلام، وعدم اكتفائه بذكر الفكرة وإنما المبادرة لتطبيقها كما هي عادتهم صلوات الله عليهم في انهم كان يبادرون الى العمل قبل القول، وهنا نجده يفترق مع النبي يعقوب عليه السلام، في كون مهمة ابراز هذه الاحاسيس والمشاعر اقترنت عند الامام صلوات الله عليه بمهمة عقائدية وبأمر يتعلق بعملية الهداية الربانية، بينما نرى ان مشاعر يعقوب عليه السلام كانت مشاعر انسانية لم تقترن بمهام ربانية معلنة.