سالم (مسجد براثا): حدث هدم مسجد براثا يتردد عند الكثيرين بأنه من علامات الظهور الشريف، وقد سألتكم فيما سبق فقلتم إن هذا الأمر حصل ولا علاقة له بالظهور الشريف، فهل من مزيد توضيح للأمر علماً بأن السيد ابن طاووس ذكر ذلك في كتابه الملاحم والفتن.
الجواب: سبق أن تعرضنا لهذا الموضوع بالتفصيل في الجزء الثاني من كتابنا علامات الظهور، ولكن سأذكر بعض تفاصيل هذه القضية، وهي في تصورنا لا علاقة لها بعلامات الظهور وإنما هو ذكر من قبل المعصوم لأمر يحصل في المستقبل دون أن يكون له أدنى دلالة على ارتباط الحدث بعلامات الظهور، وهو على أي حال لا علاقة له بأحداث التمهيد المباشر على أقل التقادير، ومستند القضية رواية عامية أوردها السيد ابن طاووس في كتابه الملاحم والفتن، وقد نقلها عن كتاب الفتن للسليلي، وقد عدّه من علماء العامة إلا اني لم أجد له أي تعريف في كتب العامة، ولعلهم ذكروه باسم آخر، فقد روى باسناده إلى عبد الله بن عمر أنه قال: هدم المنافقون مسجداً بالمدينة ليلاً، فاستعظم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لاتنكروا ذلك فإن هذا المسجد يعمّر، ولكن إذا هدم مسجد براثا بطل الحج، قيل له: وأين مسجد براثا هذا؟ قال: في غربي الزوراء من أرض العراق صلى فيه سبعون نبياً ووصياً، وآخر من يصلّي فيه هذا" وأشار بيده إلى مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام.[1]
والخبر لم أجد له أي أصل في كتب العامة، ولكن وجدت في سؤالات حمزة بن يوسف السهمي سؤالاً وجهه إلى الدارقطني عن الحديث مكتفياً بذكر سنده دون متنه.[2]
وهناك خبر آخر أورده السيد ابن طاووس بسند عامي فيه مراسيل في كتابه اليقين وقال بأنه كما في البحار[3] وجده في كتاب المحدث الإخباري محمد بن المشهدي[4]منسوباً إلى جابر بن عبد الله الأنصاري في قصة إقبال الأمير صلوات الله عليه على الجامع ولقائه مع الراهب وسمّاه بحباب والذي كان يستوطن فيه إلى أن قال: أما أنه يا حباب ستبنى إلى جنب مسجدك هذا مدينة، وتكثر الجبابرة فيها، ويعظم البلاء حتى أنه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام ، فإذا عظم بلاؤهم شدّوا على مسجدك بقنطرة[5] ثم - وابنه مرتين ثم وابنه لا يهدمه إلّا كافر، فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثلاث سنين، واحترقت خضرهم، وسلّط الله عليهم رجلا من أهل السفح، لا يدخل بلداً إلّا أهلكه وأهلك أهله، ثم ليعد عليهم مرة أخرى، ثم يأخذهم القحط والغلا ثلاث سنين حتى يبلغ بهم الجهد ثم يعود عليهم.[6]
وفي مصادرنا ورد في كتاب أمالي الشيخ المفيد بسنده إلى سدير الصيرفي قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام وعنده جماعة من أهل الكوفة، فأقبل عليهم وقال لهم: حجّوا قبل أن لاتحجّوا. حجّوا قبل أن يمنع البر جانبه، حجّوا قبل هدم مسجد بالعراق بين نخل وأنهار . حجّوا قبل أن تقطع سدرة بالزوراء نبتت على عسل عروق النخلة التي إجتنت منها مريم عليها السلام رطباً جنياً، فعند ذلك تمنعون الحج، وتنقص الثمار، وتجدب البلاد، وتبتلون بغلاء الأسعار، وجور السلطان، ويظهر فيكم الظلم والعدوان، مع البلاء والوباء والجوع ، وتظلكم الفتن من جميع الآفاق ، فويل لكم يا أهل العراق إذا جاءتكم الرايات من خراسان، وويل لأهل الري من الترك، وويل لأهل العراق من أهل الري، وويل لهم ثم ويل لهم من الثط،[7] قال سدير: فقلت: يا مولاي من الثط؟ قال: قوم آذانهم كآذان الفأر صغراً، لباسهم الحديد، كلامهم كلام الشياطين، صغار الحدق، مرد جرد،[8] استيعذوا بالله من شرّهم.[9]
هذه هي كل المستندات الروائية المتعلقة بجامع براثا في هذا المضمار، وما من شك بأن الحديث الأخير يشير إلى جامع براثا لأنه هو المتعلّق بأكل مريم عليها السلام للرطب الجني المشار إليه في سورة مريم، وما من شك أيضاً أن أي ارتباط بين القصة المطروحة وبين علامات الظهور لا وجود لها، فالروايات تخلو من أي ربط لا تلميحاً ولا تصريحاً، نعم في هذه المرويات جرى التحديث بما سيجري في مستقبل الأيام بالنسبة لمستمعي الخبر، ولكن ليس كل حديث له علاقة بالمستقبل نربطه بعلامات الظهور، وأياً ما يكن فإن الخبر يمثل إعجازاً بسبب أن مضمونه قد تحقق بالفعل وبدقة، فلقد هدم الجامع من قبل المقتدر العباسي بوقيعة من الحنابلة لست بقين من صفر عام 313 للهجرة، وقد بطل الحج في تلك السنة بسبب اعتراض الحاج العراقي من قبل زعيم القرامطة أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنابي القرمطي، بعد استيلاء جماعته على مجمل ساحل الخليج والبصرة، وبقية التفاصيل كلها حصلت وهي تشير بشكل عام إلى الرايات العباسية وما يجري من بعدها إلى فترة مجيء المغول، وعليه فلا علاقة للخبر ومضمونه بما يتعلق بعلامات الظهور، ولعل الوهم نشأ لدى البعض من وجود إشارة إلى رايات خراسان، وقد سبق لي أن أشرت إلى أن رايات خراسان متعددة، وويل أهل بغداد من هذه الرايات إنما كان من رايات العباسيين، ولا يكون من رايات الخراساني المنقذة لهم من شرّ السفياني.
[1] الملاحم والفتن: 117.
[2] سؤالات حمزة بن يوسف السهمي: 188 رقم231.
[3] بحار الأنوار 52: 218.
[4] ولم أجده في كتابه المزار الكبير.
[5] في البحار: بفطوة، والصحيح ما في المصدر.
[6] اليقين باختصاص مولانا علي عليه السلام بإمرة المؤمنين: 422ـ423 ب157.
[7] الثط: قليل الشعر في العارضين والحاجبين.
[8] الأمرد الذي ليس على بدنه شعر، والأجرد ما لا شعر عليه.
[9] أمالي المفيد: 64ـ65 م7 ح10.