عمّار ـ البصرة (الموقع الخاص): هناك روايات عن الأئمة (عليهم السلام) بخصوص أنصار الامام (عجل الله فرجه) مضمونها أن الله ينصر هذا الأمر بأناس لا خلاق لهم ما معنى لا خلاق لهم؟ هل هم غير متدينين؟
الجواب: نعم لقد ورد هذا المعنى في روايات عديدة، وهذه الروايات جاءت تارة تتحدث عن الأمر بصورته العامة دون تخصيص بإمام دون آخر، كما يتجلى ذلك في قول الإمام الصادق عليه السلام فيما رواه أبو عمرو الزبيري قال: إن الله عزّ وجلّ ينصر هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم.[1]
وأخرى خصص الحديث به عن عصر الظهور الشريف كما هو الحال في رواية إبراهيم بن عبد الحميد فيما أخبر به عمن سمعه من أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر.[2]
والخلاق هو النصيب من الخير، أو الطيب من العطور، وهو كناية عن الإنسان الذي لا خير فيه، ومفاد الروايتين على ما يبدو يتضمن منهجاً للعاملين، ومعلماً لطالبي حسن العاقبة، فالعاملين عليهم أن لا يزهدوا بالقوى الاجتماعية التي لها ظاهر خلاف المظهر الديني الصالح، أو من أولئك الذين لا يتمتعون بالعلم والمعرفة ويقتربون من حالة الجهل أو بما نصفه بالهمج الرعاع، لأن الزهد في مثل هذه القوى سيؤدي في غالبية الأحيان إلى أن تستفيد القوى الظالمة من ذلك لتملأ الفراغ فيها وتسخّرها لإرادتها، وفي التجربة الاجتماعية التاريخية والحاضرة لا نجد الإرادات الإستكبارية الطاغية في المجتمعات قد بنيت من جراء احتضان الطبقات الصالحة فيه، وإنما كانت دوماً تستعين بجهل الشرائح التي لا خلاق لها وتسخّرهم كي يكونوا مطايا بين أيديهم لتنفيذ أجنداتهم وتحقيق إراداتهم، لأن جهلهم يوجد لديهم قابلية الخضوع والانخداع، ولكن اهتمام العاملين بهؤلاء من شأنه على الأقل أن يحول بينهم وبين أن يكونوا أدوات مسخرة بيد تلك الإرادات المستكبرة، او يخفف من غلواء خداعهم من قبل هؤلاء، هذا ناهيك من ان التجارب التاريخية تثبت أن الاهتمام بهذه القوى قد لعب دوراً أساسياً في تحويل هذه الشرائح إلى قوى فاعلة جداً في خدمة الخير الاجتماعي، وبخلاصة يمكن القول بأن هذه القوى من يسارع من قوى التغيير الاجتماعي السلبي أو الايجابي من الهيمنة عليها هو الذي يستطيع أن يلعب الدور المؤثر في ذلك.
وهي في نفس الوقت معلماً مهماً من معالم حسن العاقبة، من شأنه أن لا يغلق الباب على أحد، فحين يشير الإمام صلوات الله عليه إلى هذا الأمر إنما يفتح أفقاً كبيراً في النفوس في أن تتحرر من القيود التي تمنعها من أن تتقدم في مجال نصرة هذا الدين، ويعطينا فهماً لطبيعة الحراك الاجتماعي المؤدي لنصرة هذا الدين، فهناك انماط من الناس قد لا تتحرك فيها الإرادة التغييرية في الظروف الطبيعية، ولا تغريها الأنماط التربوية المتكررة، ولكنها قد تستفز في لحظة وعي، او تستيقض من سبات على نحو مفاجئ، او تتحرك نتيجة إثارة لأحد عناصر العصبية، أو تثار غيرتها بناء على حدث معين فتنقلب إنقلاباً جذرياً، ولدينا في أمثلة الحر بن يزيد الرياحي وبشر الحافي امثلة وافية في هذا المجال، وفي مقابل ذلك فإن لدينا جملة من الروايات تشير إلى عكس ذلك تماماً كما في حديث الإمام الباقر عليه السلام: "يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها"[3]، فكما أن الله يكتب التوفيق لحسن العاقبة بأناس قد نحسبهم من الذين لا أمل فيهم، ولكن نتيجة لسلامة الطوية ونظافة الفطرة وإن علتها بثوراً وطفحاً نتيجة لظروف التربية وضغوط الوضع الاجتماعي، كذلك سيفتضح من أسرّت قلوبهم النفاق وإن أبدت أعمالهم بهيئة الأبرار، فيسلك سبل سوء العاقبة.
[1] الكافي 5: 19 ب4 ح1. وقريب من لفظه في تهذيب الأحكام 6: 134 ح224.
[2] غيبة النعماني: 332 ب21 ح1.
[3] غيبة النعماني: 214 ب12 ح12.