العقيلة (منتديات براثا): هل ظهور الامام يعتمد على صلاح المجتمعات؟ أم على امتلاء الأرض بالظلم والجور والفساد؟ فهناك روايات تدل على أنه لا يظهر إلا بعد أن تملأ الأرض ظلماً وجوراً, وهناك روايات تدل على أنه لا يظهر الا بعد وجود حركات اصلاحية كثيرة، فما هو الواقع الصحيح الذي يعتمد عليه الظهور برأيكم؟
الجواب: لا شك أن ظهور الإمام روحي فداه يتوقف على وجود القاعدة الشعبية المؤهلة للنهوض بمشروع العدالة الذي سينادي به، وهذا المشروع ما كان ليكون هو المحور المباشر في حركته صلوات الله عليه لولا انعدام العدالة من على وجه الأرض، وبطبيعة الحال فإن تحقيق العدالة يحتاج إلى أربعة مقومات أساسية هي:
المقوّم الأول: وجود المشروع العادل بكل تفاصيله وآلياته وخرائط الطريق المتعلقة به، فالعدالة الاجتماعية غير العدالة الذاتية، إذ أن العدالة الذاتية هي سلوكية أخلاقية، ولكن العدالة الإجتماعية ليست مجرد صفة أخلاقية وإنما هي برامج ونظم وقوانين وتشريعات وما إلى ذلك.
المقوّم الثاني: الإمام العادل، إذ أن تلك النظم والبرامج التي أشرنا إليها في المقوّم الأول لا بد لها ممن يسهر عليها ويعمل على تحقيقها ويقود المجتمع وإمكاناته وموارده باتجاه تحقيقها، كما وأنه يعمل على تحصينها وحمايتها وتأمين إنسيابية تحققها في الواقع الاجتماعي.
المقوّم الثالث: الجماعة العادلة، فمن دون وجود هذه الجماعة لا يمكن لنا أن نتصوّر تحقق العدل الاجتماعي، صحيح أن العدالة كما قلنا هي نظم وبرامج، ولكن هذه النظم والبرامج من دون وجود مجتمع يعمل ويتعاون على تطبيقها لن تجد النور اعتماداً على النظم الضابطة كالشرطة وما إلى ذلك، فلقد رأينا في عهد رسول الله صلوات الله عليه وآله، كما في عهد أمير المؤمنين عليه السلام أن المجتمع كان على رأسه أعظم قائدين عرفهما التاريخ لتحقيق العدالة، وكان من بداهة القول أن نقول بأن مشروع العدالة عندهما صلوات الله عليهما كان مكتملاً، ويكفينا إطلالة صغيرة لنرى قبسات من هذا المشروع في عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر رضوان الله عليه، إلا أن عدم أهلية المجتمع لهذا المشروع وعدم تحمله أعباءه وانحسار قدراته على النهوض بمسؤولياته تجاهه، مكّن إرادات الظلم والجور أن تطيح بالمشروع وتسيّر الأمور بإتجاه آخر عكسه تماماً.
وفي مجتمعنا المعاصر ترينا تجربة الدولة المعاصرة بكل صورها أن كل ما تحدثت عنه من قوانين بدعوى إقامتها للعدل الاجتماعي وما عززته من تقنيات وأجهزة ضبط اجتماعية كبيرة جداً، إلا أن معدلات الظلم الاجتماعي بقيت ترتفع بوتائر متصاعدة ومخيفة جداً، وما الحالة التي يعيشها العالم المعاصر من حروب وفتن وخراب وما إلى ذلك إلا تجسيد للحالة التي أشرت إليها وهي إن العدالة لا تقام بوجود القائد العادل والنظم العادلة بل لا بد من أن يكون المجتمع هو الآخر عادلاً وناهضاً بمسؤولياتها في هذا المجال.
المقوّم الرابع: المجتمع لا يقوم إلا على أرض، والمشروع لا يتحقق إلا من خلال امتلاك الإمكانات والموارد التي تعطيه قدرة الديمومة والثبات، ولهذا كان لا بد من دولة يقودها الإمام العادل ويسكنها المجتمع الناهض بالعدالة من أجل أن يتجسد فيها المشروع العادل.
وبناء على كل ذلك، فإن امتلاء الأرض ظلماً وجوراً، هو مبرر ومحفّز لوجود المقومين الأخيرين أو على الأقل المقوّم الثالث وأعني ارتفاع أهلية المجتمع باتجاه النهوض بمسؤولياته لتحقيق العدالة والسهر عليها وحمايتها، وارتفاع هذه الأهلية يمكّن بطبيعته من وجود حركات اصلاحية، ولكنها تبقى بعوز إلى القائد الذي يطبق العدالة بكل حذافيرها، وهو أمر مكفول من الناحية النظرية لأن القائد العادل وهو هنا الإمام المعصوم صلوات الله عليه لديه قدرة تنظيرية كاملة على كل ما يتعلق بإيجاد المشروع العادل، مما يمكّنه حكماً بوجود المجتمع المؤهل إلى أن يسير باتجاه ولادة نور العدالة الإلهية على الأرض.
وخلاصة القول أن ظهور الإمام صلوات الله عليه مرهون بوجود هذا المجتمع ومقدار وعيه لمسؤولياته التاريخية تجاه مشروع الإمام روحي وأرواح العالمين له الفدا، وهذا الوجود ليس بالضرورة يسبغ كل المجتمع، ولكنه يكون بالمقدار الذي يجد فيه الإمام الأنصار والأعوان الكافين لتحقيق حلم الأنبياء والأوصياء صلوات الله على نبينا وآله وعليهم أجمعين.