Sabbah (الموقع الخاص): ما تعليقكم على هذا القول: ان هناك بعض الروايات الصريحة والصحيحة السند التي تنص على ان خروج اليماني يكون من اليمن من قبيل ما رواه الفضل بن شاذان بسند صحيح ينتهي الى زرارة عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال : استعيذوا بالله من شر السفياني والدجال.... وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة) مختصر اثبات الرجعة المطبوع مع مجلة تراثنا ج15 ص 215 ح16.
الجواب: هذه الرواية سبق أن ناقشناها في كتابينا راية اليماني الموعود وكذا في علامات الظهور، وكنت قد نوهت عنها في محاضرتي الأخيرة عن اليماني الموعود (الحلقة الأولى) والمشكلة في الرواية ليس في سندها فمن الواضح أن سندها من جياد الأسانيد، وإنما تمكن المشكلة في مصدرها، فالرسالة المنشورة في مجلة تراثنا تنسب الى الفضل بن شاذان، ولو صحت النسبة للفضل بن شاذان نكون قد ظفرنا بدليل صريح وقاطع، ولكن المشكلة أن تصحيح ذلك منعدم تماماً، لأن الرسالة المذكورة والتي وجدت بخط الشيخ الحر العاملي (أعلى الله مقامه) تشير إلى أن بعضاً من الأفاضل نقلها عن كتاب الغيبة للشيخ الفضل بن شاذان، ولكن نلاحظ أن كلمة بعض الأفاضل مبهمة، فمن هم؟ ومن الذي فضلهم؟ وما الدليل على دقتهم؟ وما هو الطريق بينهم وبين كتاب الشيخ الفضل بن شاذان؟ وفي أي سنة اقتبسوا ذلك من كتاب الفضل؟ هل كانوا في الزمن الذي نقل عنه الشيخ النعماني والشيخ المفيد والكليني والصدوق والطوسي أو لا؟ والعديد من هذه الأسئلة التي لا مهرب من القول لدى جميع المحققين ومن جملتهم محقق الرسالة بأنها من النوع الذي لا يملكون جواباً عليه، وبالتالي فإن الاعتماد على الرسالة يكون خلياً من الدقة، وقد تعقّبها الشيخ أقا بزرك الطهراني رضوان الله عليه فلم يهتد لفك أسرار ذلك.
على انه نلاحظ أن الرسالة غالبيتها نقلت من كتب الشيخ الصدوق ولم تنقل من كتاب الفضل بن شاذان، وكتاب الفضل الذي نقل عنه الشيخ الكليني والنعماني والصدوق والمفيد والطوسي رضوان الله عليهم لم ينقلوا هذه الرواية مع ان إسنادها من جياد الأسانيد، بل لم ينقلوا غالبية رواياتها اللهم إلا ما كان في طريق الشيخ الصدوق فقد نقلت من كتب الشيخ الصدوق وهي أجنبية عن طرق الشيخ الفضل بن شاذان، ناهيك عن أن الرسالة حوت وبسند جيد أيضاً حديثاً يشير إلى أن والد اليماني يحكم مدة عشرين سنة في اليمن ثم يليه ابنه وهو اليماني الموعود بوصفها ويحكم أربعون سنة ثم يموت ويرجع حينما يظهر الإمام صلوات الله عليه، وأنت محيط بان هذا الحديث لو صح فإنه متعلق بيماني آخر.
لذلك يا عزيزي ليس كل سند جيد يعني الحكم بالاعتبار، فأمام المحققين درب صعبة وعسيرة الكلفة، وهو أمر لم يتكبّده أنصاف المثقفين أو من يحسبون أنهم قد سبروا أغراض الروايات، وحتى يصلوا إلى قناعة في اعتبار الرواية أمامهم ثلاثة مراحل، أولها الطريق إلى الكتاب الذي يجدون فيه الرواية، فليس كل كتاب انتشر يعني ان المحقق انتهى من اعتماده، فعلى سبيل المثال هناك جدل لما ينتهي بعد في شأن كتاب الاختصاص للشيخ المفيد، وكما لا يخفى فإن كتباً كمشارق اليقين والهداية الكبرى هي الأخرى مورد جدل شديد في شأن قبولها ككتب ناقلة من كتب الأصحاب، وهكذا.
وثانيها التاكد من قيمة السند الذي يتقدم الرواية وثالثها مطابقة متنها مع المتون الصحيحة وعدم اضطرابها، وفي هذه مباحث متعددة تتعلق بطبيعة محتواها العقائدي وما إلى ذلك مما يطلب في محله، وقد استرسلت في ذلك لأقول وأنبه الأخوة الذين يحاولون البحث بأن البحث في الروايات ليس امراً سهلاً، بل هو من أشقّ ما يكون خصوصاً لمن يعرف أنه لا يتعامل مع نصوص بشرية وإنما يتعامل مع نصوص معصومة، ومن هنا كان نعينا على الكثيرين من الذين بحثوا في العلامات انهم اخذوا الروايات خبط عشواء دون احترام لخصوصيات حديث المعصوم صلوات الله عليه، ولم يفرقوا بين ناقة الرواية وفصيلها، ولا بين صحيحها وسقيمها ولا بين خاصها وعامها.
أيعقل على من يصفون أنفسهم بأنهم من الباحثين اللامعين أن يعتمدوا على رواية كعب بن الحارث في ما رواه عن كاهن في كتاب مشارق اليقين وهو غير معتمد ليقولوا للناس بأن اليماني اسمه حسين أو حسن وانه من صنعاء؟ أي علم هذا الذي يجعلنا اتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام نأخذ رواياتنا وأفكارنا من كاهن لا يعرف له أصل والأنكى ان صاحب المشارق الذي نقل عنه بقية المؤلفين ومنهم مؤلفين معاصرين ينقل الرواية بطريق مرسل عن شخص مجهول، بينما ينقلها أهل العامة عن عبد الله بن عباس عن سطيح الكاهن، فما لكم كيف تحكمون؟
أيعقل أن يتقدم من يتقدم لرواية ضعيفة جداً وردت في البحار عن أن المهدي يخرج من قرية اسمها كرعة في اليمن،[1] ليحوّر ذلك ويقول بأن المقصود به اليماني وليس المهدي، اهكذا يتم بحث الروايات؟ أما كان الأجدر رده لرواية وردت على لسان عامي وهي مخالفة للإجماع الذي عليه بقية رواياتنا في شأن الإمام المنتظر صلوات الله عليه، من دون اقحام اليماني في موضوع اجنبي عنه بالمرة، وليس ذلك إلّا بسبب أنه يريد أن يثبت يمنية اليماني!!
نحن لا يهمنا من أين سيخرج هذا العبد الصالح؟ فإن خرج في الصين أو في الهند أو في اليمن أو في العراق فسنواليه إن أدركته عيوننا وأعمارنا، ولكن حينما ينسب الأمر لأهل البيت عليهم السلام فلدينا حساب عسير، وأنا أعود وأقول أن هناك ثقافة حشوية سار عليها وانتهجها الكثيرون وتقحّموا في عالم العلامات من دون ادنى تمحيص وتدقيق، ولا أدعي العصمة في ما أتحدث عنه، ولكن هذا دليلنا فليأت من يأتي بأي دليل معتبر فسنتبعه دون أدنى غضاضة أو حرج، فكما نوهّت من قبل لسنا في صراع للكسب السياسي، ولا في خضم جدل للحمية الوطنية أو القومية أو العشائرية فهذه جاهلية نربأ بأنفسنا وبإخواننا أن نتخبط بها، كما اننا لسنا عبّاد الرجال لامعين كانوا او مغمورين، فمع جل احترامنا لهم جميعاً نبقى نتحاكم إلى الأدلة التي تقودنا إلى رأي المعصوم صلوات الله عليه، لا إلى غيره. والله المستعان.
[1] بحار الأنوار 52: 380.