بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ جلال الدين الصغير

68: ماهي الأسباب التي تجعل العراق عاصمة للإمام صلوات الله عليه؟



أبوسارة العطواني (مجموعة حكيميون): تذكر الروايات أن مقر أو مركز أو عاصمة الدولة المهدوية سيكون في العراق، ماهي الأسباب والمؤهّلات والصفات التي تجعل هذا الاختيار قائماً؟

الجواب: مما لا شك فيه أن العراق سيكون مركز انطلاق حركة تحرير العالم من الظلم والجور على يد الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف، ولا يأتي ذلك اعتباطاً، بل من يرقب علاقة الأئمة صلوات الله عليهم بالعراق يعرف أن عناية كبرى بذلت من قبلهم عليهم السلام منذ البداية بالعراق، فما كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد نقل عاصمته من المدينة إلى العراق عابثاً، وما كان ليغيب عنه بأبي وأمي أن الحصاد في العراق لن يكون سريعاً وسط كل ما يعرفه عن مخاضات عسيرة تواجه المشروع الرباني، كما أن الإمام الحسن صلوات الله عليه لم يغب عنه ما يمثله العراق، ورغم نكبة الخوارج وتخاذل المحاور لمشروع الأمير صلوات الله عليه إلا أنه لم يستبدل العراق أيضاً وبقي فيه، ورغم النكبة التي تعرض لها من قبل خاذليه، وهم ليسوا بالضرورة من العراق، إذ فيهم بعض الصحابة والتابعين، بل فيهم من بني هاشم كما هو الأمر بعبيد الله بن العباس، ولكننا نجد أن الإمام الحسين عليه السلام أصر على إدامة انتخاب العراق لمشروع الأئمة صلوات الله عليهم، ومع أنه بأبي وأمي كان متيقناً أنه سيقتل، وأن نساءه عليهن السلام ستسبى ولكنه أصر على انتخاب العراق لمسرح أحداثه ولاطلاق ثورته برغم العروض التي تقدمت له من مناطق عدة، ولو لحظنا المئات من الروايات التي تحدثت عن خصوصية زيارة الحسين عليه السلام وفضلها وفضل من يقوم بها وبكيفيات متعددة، لعلمنا أن حثّاً جاداً يكمن في داخل هذه الروايات من أجل استيطان العراق وتحويل وضعه الديموغرافي بالشكل الذي ينسجم مع مشروعهم صلوات الله عليهم، واستمر هذا الاهتمام من خلال بقية الأئمة صلوات الله عليهم يعبر بشكل معلن تارة وأخرى بشكل كامن عن أهمية العراق أرضاً ومجتمعا لهذا المشروع الإلهي، ولك أن تنظر لماذا كل هذا الحشد من قبورهم صلوات الله عليهم، ولماذا كانت ولادة الأئمة عليهم السلام فيما خلا الأمير صلوات الله عليه كلها في ريف المدينة ، إلّا الإمام المنتظر صلوات الله عليه فكان في العراق، كل ذلك وغيره من عشرات الشواهد تظهر أن العراق جرى انتخابه مبكراً لكي يكون هو الحاضنة لمشروع أهل البيت عليهم السلام، ومن يعرف مجريات التاريخ يعرف أن التشيع كانت انطلاقته الحضارية من العراق، مما يظهر أن مشروع الأئمة صلوات الله عليهم نجح في إيجاد المجتمع الحاضن، وبدوره فإن هذا المجتمع كان قابلاً ومتحملاً لمسؤولية هذا الاحتضان، وليس أدل على ذلك من التحول العقائدي الذي مر به المجتمع العراقي، وتحوّل كفته المذهبية بشكل واضح بالاتجاه الذي يخدم المشروع المهدوي، فما بين الوقت الذي رأينا فيه المجتمع العراقي في أعمّه الأغلب بعيداً عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام من حيث الانتماء، وما بين الوقت الذي نجد هذا المجتمع في غالبيته الأساسية هو أحد أهم الناهضين الأساسيين الذين يحملون لواء هذه المدرسة، ويذبّون عنها، نجد أن التحول الديموغرافي الالحاصل قد قطع شوطاً كبيراً في أهلية هذا المجتمع للدور الحاضن، ولهذا ما من غرابة أن يجري حديث علامات الظهور بشكل مكثف حول العراق وما يحفّ به من بلدان، وبالتبع ما من غرابة في أن تؤكد الروايات على اصطفائه لكي يكون هو عاصمة الإمام صلوات الله عليه دون غيره من البلدان.

ولاشك أن سر الانتخاب يعود لعاملين أساسيين، أولهما ما يرتبط بالأرض وما تعنيه على المستوى الجيوسياسي، وثانيهما بالمجتمع وما يعنيه من قدرة على تحمل الأعباء الناهضة بمشروع حضاري هائل بمستوى المشروع الذي يحرر العالم كل العالم من الظلم والجور إلى العدل والقسط، وما عاد خافياً على أحد طبيعة ما يعنيه العراق على المستوى الجيوبوليتي إن على مستوى المنظومة الأمنية الاقليمية والدولية، أو على مستوى موقعه في منظومة المواصلات العالمية، أو على مستوى مركزه في الاقتصاد العالمي، أو على مستوى توسطه بين التجمعات البشرية الفاعلة في التاريخ، وكل ذلك في منطقة هي الأهم عالمياً من الناحية الجيوبوليتية، ناهيك عن تموضعه ضمن نفس دائرة الأمن القومي لأعداء الإمام صلوات الله عليهم وهم اليهود والنواصب، وهذه كلها عناصر أساسية في أي مشروع حضاري لديه الطموح الذي نراه في المشروع المهدوي.

كما أن مثل هذا المشروع يحتاج إلى مجتمع صبور ومتمرس على القتال والجلد وصدوق في حمل ما يعتقد به ولديه اللغة التي تمكنه من أن يكون مخاطباً لغيره من الشعوب بطريقة أسلس، كما وأنه يتمتع ببعد تاريخي يمكنه من لعب الدور الحضاري المطلوب، وما من شك أن المجتمع العراقي من خلال كل المخاضات العسيرة التي مر بها أصبح أكثر تأهيلاً للعب هذا الدور، وأحسب أن الانتظار في واحدة من مهماته الأساسية كان بانتظار عملية التأهيل هذه، ومن ملاحظة سريعة للمجتمع العراقي نجد أن نكبته كانت دوماً في أنه لم يحض بقيادة مقبولة لديه وتفي بحق تطلعاته وآماله، ولهذا فإن وجود قيادة الإمام صلوات الله عليه بين ظهرانيه تعني الشيء الكثير في مجال تفتيق قابلياته التضحوية والفدائية من أجل ديمومة هذا المشروع، وأكتفي إلى هنا من الحديث عن ذلك ويبقى التفصيل للجزء الثالث من كتابنا علامات الظهور الذي نأمل ان يرى النور قريباً.

التعليقات
الحقول المعلمة بلون الخلفية هذه ضرورية
مواضيع مختارة
twitter
الأكثر قراءة
آخر الاضافات
آخر التعليقات
facebook
زوار الموقع
35 زائر متواجد حاليا
اكثر عدد في نفس اللحظة : 123 في : 14-5-2013 في تمام الساعة : 22:42
عدد زوار الموقع لهذا اليوم :11336
عدد زوار الموقع الكلي: 27027034
كلمات مضيئة
الامام الباقر عليه السلام: أما ترضون أن عدوكم يقتل بعضهم بعضا وأنتم آمنون في بيوتكم