Salam Ali: (مجموعة حكيميون) بودي لو يتم قراءة الاحاديث بشان الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف قراءه معاصره وإزالة بعض اللبس والغموض الواضح في بعض منها، أو لنقول عرض الفكره المهدوية بطريقة معاصرة، فلو تناولنا موضوع الخوف والدعاء له بالأمن ـ وأنا أجد نفسي غير مستوعبة هذا الموضوع ـ فهل يعقل أن الإمام الذي أمدّه الله بكل أسباب البقاء لأكثر من ألف عام وجعله شاهداً على أفعال العباد وتعرض عليه الاعمال، وكثيراً ما يكون منقذاً ومخلّصاً لقوم ندبوه، أو طالب حاجة يريد قضاؤها، ولا يخلو منه مكان بإرادة الله وتوفيقه، ليكون قريباً من المؤمنين، وهكذا تكثر الصور والعبارات التي تظهره حزيناً خائفاً يتخفّى أو يضع رأسه بين ركبتيه، متكىء على سيفه إن هذا لايتناسب ومقام الحجه أرواحنا له الفداء، فهو ربما خائفاً على دين جدّه المصطفى محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، نطلب المزيد من الإيضاح ولكم جزيل الشكر والتقدير.
الجواب: مع تقديري لدقة ملاحظتكم، إلّا أن الخوف المطروح في هذه الروايات ليس الخوف الذي تذهبون إليه، فالإنسان حينما يخاف تارة يكون خوفه على ذاته، وأخرى خوفه على غيره سواء كانت عائلته أو عشيرته أو طائفته أو أمته أو ما إلى ذلك، والخوف على الذات إما أن يخاف أمراً خشية أن يؤدّي الأمر المخوف به إلى الموت أو الهلاك والضياع أو ما شاكل، وإما أن يلحق بمصالحه الخاصة ضرراً فيخاف لذلك، ومع ملاحظة أن الخوف هو أمر نسبي يختلف من شخص لآخر، فقد تجد إنساناً يخاف من صرصار صغير ويهلع بسببه، وقد تجد آخراً لا يخاف من الأهوال العظيمة، ويبقى رابط الجأش أمامه.
وفي التقييم المعياري، فإن الخوف يعدّ أولاً نزعة ذاتية أصيلة في الإنسان، وبسببها تمكن الإنسان من تحقيق مصالح كبرى كما في حال تحصينه لقومه لأنه يخاف العدوان عليهم، وتحصينه لبيته لأنه يخاف غيلة عدو أو ما إلى ذلك، وهذا النمط من الخوف يؤدي إلى الحذر والتأهب، ولهذا ليس العيب أن يخاف الإنسان، ولكن المعيب يبقى مرتبطاً بطبيعة الأسباب والدوافع التي تؤدي به إلى الخوف، وكلما ابتعدت هذه الأسباب عن ذاته كلما ابتعد المحذور الأخلاقي من الخوف، وكلما اقتربت من الذات كلما كان الوقوع في المحذور الأخلاقي أكبر.
وبناء عليه حينما نريد أن نحلل ما تحدثت عنه الروايات في شأن الخوف، وفق المواصفات الموضوعية للخوف تارة، ووفق المواصفات الذاتية للخائف أخرى، حتى نستطيع أن نحلل طبيعة الخوف ونحكم عليها، وإذا كان مورد الخوف هو المعصوم صلوات الله عليه، فيجب علينا سلفاً أن نستحضر كل المواصفات الذاتية للمعصوم حتى نستطيع أن نفهم المقصود بخوفه.
ودعني أضرب لك مثلاً من القرآن الكريم، فلقد تحدّث فيما تحدّث عن نموذجين من الخوف في حادثتين منفصلتين، إذ تحدّث مرة عن خوف موسى عليه السلام فقال على لسانه في قصة إرساله إلى فرعون: ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﭼ سورة القصص: 33ـ٣٤ ومن الواضح أن موسى عليه السلام هنا وإن تحدث عن الخوف من القتل، ولكن خوفه ليس لأنه سيقتل، بل لأنه لن يستطيع أن يبلّغ الرسالة التي أمره الله أن يبلّغها لفرعون كما في قوله تعالى: ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ سورة طه: ٢٤ ولذلك قدّم التهمة التي اتهمه بها قوم فرعون بقتله للقبطي، مما يعني أن ذهابه لن يؤدي إلى نتيجة لأنه سيقتل قبل الوصول إلى فرعون، مما جعله يطلب أن يقدّم أخيه هارون لأنه هو الذي سيفتح الطريق له لإبلاغ الرسالة، ومن الواضح هنا أن الحديث وإن كان عن الذات فهو يخاف على نفسه من القتل، ولكن الهدف هو الرسالة.
أما النموذج الثاني من الخوف فهو ما يتمثل بوصف القرآن الحالة مجتمع الصحابة في معركة الأحزاب، فمع أن الرسول صلوات الله عليه وآله معهم ويمكن أن تكون حياته في خطر شديد، الفتية في خطر أكيد، ومع أن العدو يهاجمهم في عقر دارهم مما يجعل أعراضهم على المحك، إلّا إن بيعة التوصيف لحالة الذعر وهو الحالة المترتبة على الخوف الشديد إذ عبّر عن أن العيون قد زاغت، والقلوب قد بلغت الحناجر وبلغ الأمر أن بدأوا يسيؤون الظن بنفس الله تعالى فقال ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ