أبو جود الربيعي (التلگرام): هل هنالك رجعة قبل الظهور الشريف أم بعد الظهور فقط؟
الجواب: الرجعة على مستوى الإمكان الفلسفي ممكنة في أي وقت، فالعزير عليه السلام (كنموذج) حينما أماته الله ثم أحياه وأرجعه لم يحتج في رجوعه إلى توقيت معين، فما دامت الامكانية الفلسفية بالرجعة قائمة فإنها يمكن أن تتم في أي وقت.
ولكنها على مستوى الإمكان الموضوعي وحتى يتحقق الغرض منها فإنها مشروطة بمن يدلل عليها، بمعنى إن الرجعة حينما تتم لأمر يرتبط بالرسالة وشؤون الهداية مثلاً فإنها تحتاج إلى من يؤكد أنها تمت بالفعل، وهنا تارة يموت الإنسان ويتيقن أهله وأرحامه بموته ويدفنونه، ثم يعود فإن أهله وأرحامه يجدون الدليل بأنفسهم فكلهم شهود على ذلك لأنهم شهدوا حالة الموت، وهم يعرفون الميت، ولذلك يعتبر الرجوع يقيني ولا مجال للتشكيك به، وهذه حالات تحصل بين الفينة والأخرى وقد شهدنا نموذجاً على ذلك فيما حكاه السياسي الفلسطيني صائب عريقات مؤخراً بأن الدكاترة سجلوا له موتاً ثم عودة للحياة، وهو بنفسه يقول بأنه مات ورأى عالماً غير العالم الذي كان يحيا فيه ولكنه عاد، ولكن حينما نتحدث عن رجعة أموات نعرفهم بأسمائهم ولكن لا نعرفهم بأشكالهم، ويعودون لغرض رسالي في زمن تختلط فيه معالم الحق والباطل ويتداخل الصدق فيه مع الكذب، فإن هذه العودة كي تحقق أغراضها يجب أن تقترن بوجد من يؤكد حصول الرجعة ويشهد على أن هذا هو فلان وذاك فلان، وبدون ذلك فما الدليل على أن هذا الذي يقول بأني أحمل اسماً مات منذ مئات السنين كالصحابي فلان الفلاني هو بالفعل الشخصية التي ترتبط بعصر الصحابة؟
ولذلك قلنا بأن الرجعة الموصوفة بالروايات والتي تتعلق بالإمام المنتظر روحي فداه لا يمكن أن تكون من علامات الظهور، لان العلامة يفترض بها أن تدلّ على الإمام روحي فداه، فإذا كانت هي تفتقر إلى من يدلّ عليها، بات القول بأنها من العلامات من الدور الفلسفي وهو باطل لا محالة، بل هي من علامات الإمامة، ولهذا لا تتم إلا بعد ظهور الإمام صلوات الله عليه، لوجود من يدلل عليها ويؤكدها وهو نفس المعصوم، وإلا سنشهد أشخاصاً قد يدعون بأنهم فلاناً الفلاني أو العلاني ممن كانوا قبل مئات السنين، من دون أن تكون أي حجة عقلية لدينا أو لديهم مما يمكننا أن نعتمد عليها للقبول بزعمهم، وهذا بطبيعته يفتح باباً للأدعياء والأفاكين لا يسدّه أحداً أبداً.
وقد ورد في الروايات ما فيه تأكيد على أن الرجعة إنما تتم بعد ظهور الإمام صلوات الله عليه، ولكن مع ذلك لدينا اوهام قد تجعل البعض يحتار في توقيتها، وأول هذه الأوهام ما هو متعلق بحديث الروايات عن نداء رجب الذي يرويه الطوسي باسناده للإمام الرضا صلوات الله عليه وفيه: قال ثلاثة أصوات في رجب، إلى أن يقول: والصوت الثالث - يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس: هذا أمير المؤمنين قد كرّ في هلاك الظالمين، قال: وفي رواية الحميري والصوت الثالث بدن يرى في قرن الشمس يقول: إن الله بعث فلانا فاسمعوا له (غيبة الطوسي: ٤٦٠ ح٤٣١)
وقد روى الشيخ الخزاز القمي في كفاية الأثر قريباً من ذلك ولفظه مقارب للفظ رواية الحميري رض قال: والثالث ترون بدرياً بارزا مع قرن الشمس ينادي: الا إن الله قد بعث فلان بن فلان حتى ينسبه إلى علي فيه هلاك الظالمين (كفاية الاثر في النص على الأئمة الاثني عشر: ٢٥٣ ح٩٧) اي ان عبارة: (كر في هلاك الظالمين)، تفرد بها احد رواة الشيخ الطوسي، اذ روى الرواية بطريقين، ولا يبعد وقوع تصحيف سببه الناسخ، وهو أمر كثير في نسخة الغيبة، ويقويه ان الطريق الاخر لم يحوي كلمة كر، وهو نفس ما عليه رواية الشيخ الخزاز، ومهما يكن فإن عبارة كلمة كر في الظالمين لا تمثل دليلاً على ان المراد بالكر هنا الرجعة الفعلية، وإنما يمكن أن يقال بأنها تعني البعد المعنوي للرجوع لا البعد التنجيزي الفعلي، فهذا ما يتعارض مع البديهية التي اشرت اليها سابقاً اي عدم وجود من يدلل على الراجعين، ويمكن القول بان الكر المشار اليه انما يعني حيان الوقت العام لرجوع سبيل امير المؤمنين عليه السلام وصراطه، والمراد به هنا هو الامام المنتظر روحي فداه، إذ إن رجعة الأمير عليه السلام متأخرة وقتاً عن ظهور الإمام روحي فداه.
وقد يتوهم البعض حينما لا يفرق بين يوم خروج الامام روحي فداه وبين يوم ظهوره، فيحمل الامر في الروايات التي تتحدث عن ان الرجعة تتم في حال قيام القائم عليه السلام، ويستظهر من ذلك انها لا تحتاج الى الضابطة التي أشرنا اليها، والحال ان الظهور الشريف يتم مع الصيحة في ليلة القدر، اما قيام الامام عليه السلام فيتم في وقت لاحق لها وهو يوم عاشوراء، وكيفما يكن فإن الإشكال يرتفع بأن يوم قيام الإمام يكون الإمام عليه السلام موجوداً، مع ان الروايات ليست حاسمة بتلازم موعد الرجوع بموعد القيام، اذ يمكن الحديث عن القرن بين الحدثين على القرب الزمني، لا على الاتحاد الدقيق في زمنيهما، بمعنى انه يمكن ان يتم القيام ويلحق به حدث الرجوع بايام او اكثر، وعلى اي حال لا يوجد اشكال هنا على امكانية الرجعة طالما ان المعصوم صلوات الله عليه موجود وهو الذي يقضي بشان تحققها من عدمه.