أحمد الشيحان: (منتظرون ٤) ما رأي سماحة الشيخ بهذه الرواية؟
حدثنا محمد بن أبي عمير - رضي الله عنه -، قال: حدثنا جميل بن دراج، قال: حدثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال:
استعيذوا بالله من شر السفياني والدجال وغيرهما من أصحاب الفتن.
قيل له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما الدجال فعرفناه وقد تبين من مضامين أحاديثكم شأنه، فمن السفياني وغيره من أصحاب الفتن، وما يصنعون؟ قال عليه السلام: أول من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس، يخرج من بلاد الجزيرة له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم.
ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبينا هم كذلك يخرج عليهم السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، وهذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه ويتقشف، ويتقنع بخبز الشعير والملح الجريش، ويبذل الأموال فيجلب بذلك قلوب الجهال والرذال، ثم يدعي الخلافة فيبايعونه، ويتبعهم العلماء الذين يكتمون الحق ويظهرون الباطل فيقولون:
إنه خير أهل الأرض، وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة، فأول من يقاتل السفياني القحطاني فينهزم ويرجع إلى اليمن ويقتله اليماني، ثم يفر الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني فيتبعهما ويقهرهما، ويقهر كل من ينازعه ويحاربه إلا اليماني.
ثم يبعث السفياني جيوشا إلى الأطراف ويسخر كثيرا من البلاد، ويبالغ في القتل والفساد، ويذهب إلى الروم لدفع الملك الخراساني ويرجع منها منتصرا في عنقه صليب، ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شره، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة ومقاتلات شديدة، فيتبع اليماني فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في نهر اللو مع ابنه في الأسارى فيقطعهما إربا إربا، ثم يعيش في سلطنته فارغا من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوض الملك بابنه السعيد ويأوي مكة وينتظر ظهور قائمنا عليه السلام حتى يتوفى فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريبا من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا عليه السلام.
قال زرارة: فسألته عن مدة ملك السفياني، قال عليه السلام: تمد إلى عشرين سنة.
الجواب: هذه الرواية من روايات رسالة منسوبة الى الشيخ الفضل بن شاذان رضوان الله تعالى عليه، وقد ناقشناها تفصيلياً في الجزء الثاني من كتابنا علامات الظهور، كما وتحدثنا عنها عدة مرات، وسأجيب هنا مختصراً.
من أجل اثبات صحة صدور الرواية عن المعصوم صلوات الله عليه، فان الروايات تناقش من جهات عدة، ولكن أولى هذه الجهات هي معرفة الطريق الواصل بين المعصوم الذي تنسب اليه الرواية، وبين الكتاب الذي يحوي هذه الرواية، بمعنى اننا نجد رواية ما في الكتاب الفلاني تنسب الى (س) من المعصومين صلوات الله عليهم، وصاحب الكتاب بينه وبين المعصوم عليه السلام فاصلة من الاجيال، ولذلك يقول في هذا المجال اخبرنا فلان عن فلان عن فلان الى ان ينتهي الامر بالراوي الاخير عن المعصوم صلوات الله عليه، وهذا ما نسميه بسند الرواية، ولذلك يجري المحققون في هذا المجال سبراً شخصياً لهؤلاء الرجال من جهات متعددة للتأكد من وثاقتهم ودقتهم في نقل كلام المعصوم عليه السلام، ولأصحاب الاختصاص آليات معلومة للتعامل مع هذا الامر.
وقد سار مع هذا الامر تدقيق علمي اخر هو التأكد من ان الكتاب الذي ينسب لزرارة بن اعين قدست اسراره، وقد وصل الى العهد الذي ابتعد عن عهد زرارة، هل هو لزرارة او لغيره، ولذلك تجد في كتاب الفهرست للشيخ الطوسي ومن قبله رجال النجاشي ومشيخة الفقيه وهم يبحثون في طرق الوصول الى كتب الاصحاب الذين سبقوهم، ومع تباعد الازمان بين اصحاب الكتب وبين الاجيال التي لحقت بهم، اصبح هذا الأمر مهم للغاية، ولا يمكن الاستغناء عنه في مبحث التأكد من صدور الرواية عن المعصوم عليه السلام، وهذا المبحث يتعلق بالتأكد من صحة الطريق بين الاجيال المتاخرة وبين صاحب الكتاب، بمعنى اننا نتفق ان كتاب الكافي الشريف لثقة الاسلام الكليني اعلى الله مقامه، وطريقه لاصحاب الائمة عليهم السلام وكتبهم واضح، ولكن ماذا بشأن عهدنا الحالي كيف يمكن أن نثبت أن كتاب الكافي الذي بأيدينا هو عين كتاب الكافي الذي ألفه الشيخ الكليني قدست أسراره؟ ولهذا يدقق المحققون بجوانب لا تظهر امام من لا خبرة له في هذا المجال.
والكتاب الذي حوى الرواية التي اشرتم اليها يسري عليه نفسهذا الأمر، فهي موجودة في رسالة منسوبة الى الشيخ الجليل الفضل بن شاذان وهو من أعلام الرواية عندنا، وقد أشار مؤلفها الى انها موجزة عن كتاب اثبات الرجعة للشيخ الفضل بن شاذان، وقد وجدت منسوخة وعليها كتب الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي رضوان الله عليه صاحب الوسائل بخط يده مشيرا الى التالي: هذا ما وجدناه منقولا من رسالة (إثبات الرجعة) للفضل بن شاذان، بخط بعض فضلاء المحدثين) كما أشار الى ذلك صاحب كتاب الذريعة الى تصانيف الشيعة وهو من أعاظم الموسوعات البيبلوغرافية التي بحثت في شأن الكتب الشيعية. (انظر الذريعة الى تصانيف الشيعة ٢٢: ٣٦٧ رقم٧٤٧٢)، وكان الشيخ أقا بزرك الأصفهاني قدست اسراره قد ذكرها مع مختصر الغيبة واحتمل اتحادها مع المنسوب للسيد علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي النجفي قدس سره الزاكي (انظر الذريعة الى تصانيف الشيعة ٢٠: ٢٠١ رقم ٢٥٧٤) ولا سبيل للقول باتحادهما لان بعض روايات هذه الرسالة ومنها هذه الرواية لم تحتويها اي من كتبه التي تحدثت عن قضية الامام المنتظر روحي فداه.
وكيفما يكن فان لدينا هنا عدة ملاحظات
أولاً: إن كتاب الفضل بن شاذان لم يصل الينا ولذلك دعوى الاقتباس منه او اختصاره وايجازه، تبقى مجرد دعوى نحتاج الى الدليل عليها، خاصة ان من ادعى اختصاره منها غير معروف، اذ ان وصف الشيخ الحر العاملي لمن اختصرها بانهم بعض فضلاء المحدثين، لا تثبت اي هوية لهؤلاء، ولا توحي الكلمة انه كان يعرفهم، لانه لو كان يعرفهم لذكر اسمهم مع ان الرسالة لا تحتوي الا على عشرين رواية ولا تحتاج في ايجازها الى عدة من المحدثين، ومهما كان وصفه لهم فانه لا يرقى الى توثيقهم باي حال من الاحوال، ولذلك فان أول ما يسجل على هذه الرواية انها جاءت في كتاب مجهول المصدر، والطريق اليه مجهول ايضاً، وبالتالي فإن كل رواياته تحتاج الى شاهد على وثاقتها من مصادر أخرى.
ثانياً: من المؤكد ان كتاب الفضل بن شاذان قد نقل عنه الشيخ ابن عقدة لكثرة ما رووا عنه، والشيخ النعماني في الغيبة، والشيخ الصدوق في كمال الدين، والشيخ المفيد في الارشاد، والشيخ الطوسي في الغيبة، ومن المتأخرين السيد النيلي في منتخب الانوار المضيئة، وفي سرور اهل الايمان، ولعلي لا اخطأ الظن ان قلت ان نعيم بن حماد قد نقل عنه في كتاب الفتن، ومن المسلم انهم جميعا كما غيرهم لم يرووا هذه الرواية ابداً، مع ان سندها من جياد الاسانيد، ومما لا يمكن لمهتم بقضايا الامام عليه السلام وعلاماته ان يفوّتها، مما يلقي بضلال كبيرة من الشك في صحة نسبتها الى كتاب الفضل.
***
وبعد الانتهاء من التدقيق في شأن الكتاب الذي يروي عن الرواة بطريقهم الى المعصوم صلوات الله عليه يأتي كلام اهل التحقيق بالبحث عن الطريق بين صاحب الكتاب وبين المعصوم عليه السلام، واعني بذلك البحث في سند الرواية والتدقيق في طبقات الرواة للتأكد من اتصال سلسلتهم بشكل سليم، وما لا شك فيه ان الرواية التي نحن بصددها رويت باسناد صحيح، فكل رواتها من اعلام الطائفة، ولكن صحة الرواية مخدوشة في كون راوي هذا السند مجهول الهوية واعني به من وردت الرسالة من طريقه، ولذلك يعود ضعف الرواية الى محله الاول، ولا يشفع اسنادها في تصحيحها.
***
ثم بعد البحث في سندها نأتي الى ان نتحدث عن متنها، واعتقد أن متنها لوحده كاف في رد الرواية حتى وان كانت في كتاب صحت نسبته، وذلك لأسباب منها:
اولاً: إن الرواية فيها عبارة لا يمكن نسبتها للمعصوم عليه السلام، فالمعصوم لا يتكلم عن العلم بلغة التردد كما في النص التالي: "وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة" اذ ان كلمة وقد يكون لا يمكن نسبتها للمعصوم، مع وضوح ان الروايات المعتبرة تتحدث عن حراك مؤكد للرايات الثلاثة، وقد اهمل هنا ذكر الخراساني واضيف الى الرواية المشهورة عبارة الرايات البيض.
ثانياً: ان الرواية تتحدث عن موعد خروج اليماني بطريقة مختلفة تماماً عن بقية الروايات، فاليماني في هذه الرواية يخلف ابوه، بعد ان يقتل الاب السفياني وابنه، ثم يعيش والده ثلاثين عاماً في مكة منتظراً للامام عليه السلام، وبعده يخلفه اليماني الابن ويمتد سلطانه لاربعين سنة، ثم يموت الابن، وحينما يخرج الامام صلوات الله عليه يحيهما ويرجعان الى الدنيا!! قال: "فيتبع اليماني فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في نهر اللو مع ابنه في الأسارى فيقطعهما إربا إربا، ثم يعيش في سلطنته فارغا من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوض الملك بابنه السعيد ويأوي مكة وينتظر ظهور قائمنا عليه السلام حتى يتوفى فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريبا من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا عليه السلام".
ومن الواضح جداً ان كل هذه التفاصيل تخالف ما في معتبر رواياتنا، فالسفياني لا يقتل قبل الامام روحي فداه، والامام هو الذي يقتل السفياني بينما هنا نرى أن السفياني يقتل وابنه بمدة طويلة تنيف على السبعين عاماً بل واكثر قبل ظهور الامام روحي فداه! وبهذا الوصف ستسقط رواية الخسف بالبيداء وقبلها قتل النفس الزكية، وقبلهما رواية الخروج المتزامن للرايات الثلاثة، وقبلهما رواية خروج السفياني من درعا وقصة الكور الخمس وقرقيسياء والاشهر التسعة بين السيطرة على دمشق وظهور الامام روحي فداه، وهكذا الكثير من التفاصيل التي في كل قصة السفياني ناهيك عن التفاصيل التي تكون عن السفياني بعد خروج الامام روحي فداه وسيطرته على العراق ثم مسيره لحرب السفياني من بعد سنين من بدء حكمه على العراق، ثم قتله للسفياني.
ثالثاً: إن الرواية تتحدث عن مدة حكم السفياني فتقول: "قال زرارة: فسألته عن مدة ملك السفياني، قال عليه السلام: تمد إلى عشرين سنة." فلو قدرنا ان السفياني يقتل قبل ظهور الامام بأبي وأمي بما يزيد على السبعين سنة واكثر قبل خروج اليماني بثلاثين سنة، فان مقولة الخروج المتزامن لرايات اليماني والسفياني والخراساني ستكون منتفية من اصل، لان السفياني يقتل واليماني لما يمسك براية بعد، ولما قال الراوي ان اليماني نفسه يموت قبل ظهور الامام روحي فداه، ثم يخرج الامام ويعود اليماني من الموت الى الدنيا بدعاء الامام عليه السلام، فما معنى هذا الخروج المتزامن قبل اشهر قليلة جدا من ظهور الامام روحي فداه؟
كل ذلك ان كان المراد باليماني هنا هو اهدى الرايات، والسفياني هو أضل الرايات الموعودان في غير هذه الرواية، اما ان اريد بهما غيرهما، فمن الممكن تعدد الشخصيات عبر الزمن.
هذا جانب من واقع الرواية في صورتها العلمية، وما كنت اريد التوسع اكثر من ذلك، وان كنت اعتقد اني توسعت اكثر مما يتعلق بالسؤال، غير اني لما وجدت البعض يحاول ان يستغل هذه الرواية لاثارة الجهل بين الناس، عمدت لكل هذا الايضاح، عصمنا الله واياكم من ان نكون من الممترين.