ADEL ALTAEE (الموقع الخاص): سؤالي إذا ما افترضنا أن الأحداث الجارية حالياً هي مقدمات حقيقية لقرب الظهور، فما هي مسؤولية وتكليف المنتظر أو اتباع آل البيت الآن؟ وأثناء معايشة العلامات الحتمية وحتى الخروج الفعلي للامام الحجة عليه السلام لمن يعيش كمثلنا في البلاد البعيدة كأستراليا وغيرها، فمثلاٍ يقتضي منا الرجوع للمناصرة، فمتى نتحرك لذلك؟ وأي حدث في العلامات يستوجب علينا معه التحرك؟ هل إذا خرج اليماني نحن مشمولون مثلاً بوجوب نصرته؟ وكيف يكون عن بعد؟ إلى غيره من الواجبات..
الجواب: في تصوري أولاً يجب على المؤمن في مجال الاستعداد أن يتحقق من مقدار عمله بالتكاليف الإيمانية العامة، فهذه بوابة الاستعداد الجاد.
ثم عليه أن يختبر نفسه بشكل جدي في مجالات الولاء، بمعنى أن لا يكتفي من نفسه في أن يكون موالياً للإمام صلوات الله عليه، فالتجربة التاريخية لا تساعدنا على الاكتفاء بذلك، بل لا بد من تجارب متعددة يتثبت فيها الإنسان المؤمن أنه ولاءه للإمام بأبي وأمي ولاء لا مجال للتلاعب به أو لتقديم خيارات ولائية أخرى عليه، ولا أقصد هنا الجانب العقائدي فحسب، بل يجب تعريض القلب والمشاعر لمثل هذا النمط من التجارب بحيث يتم التأكد من أن خيارات القلب في حال تعارض الخيارات بين المال والجاه والأهل والولد وما إلى ذلك من أعراض الدنيا وأغراضها، لن تعادل خيار الولاء للإمام صلوات الله عليه ولن تضاهيه، وهنا يجب الالتفات أن الحديث هنا عن خيارات المال والأهل والولد وما إلى ذلك، لا اقصد منه الخيارت المحرمة، فهذه مرفوضة في كل زمان وأوان، وإنما أقصد الخيارات المباحة لا بل الخيارات الضرورية في بعض الأحيان، ويمكن تربية هذه الخيارات وتنميتها باتجاه الإمام صلوات الله عليه كلما اقتربنا من تخلية القلب له ولأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين لا لغيره، وهذه المسيرة وإن كانت مما يمكن للمؤمن الكلام فيها بعنوانه متأكداً، ولكن التجربة التاريخية التي قلبت مثل عبيد الله بن العباس على الإمام الحسن عليه السلام، ومثل المغيرة بن سعيد العجلي وابن أبي مقلاص الأسدي على الإمام الصادق عليه السلام، ومثل الواقفة على الإمام الرضا عليه السلام، ومثل ابن أبي عزاقر الشلمغاني وعشرات غيره على الإمام العسكري عليه السلام وغيرهم من مئات النماذج تجلعنا نتردد في القناعة بأن القلب قد بات مستعداً لمجرد الإدعاء أو مجرد بعض من الممارسات هنا وهناك في مجال الولاء، فهؤلاء كانوا يتحدثون مثل ما نتحدث اليوم، لا بل ربما بعضهم أكثر مما نتحدث اليوم، كما هو الحال في شأن الواقفة الذين كان بعضهم وكلاء خاصين للإمام الكاظم عليه السلام.
وبالرغم من أن خيارات القلب واختباراته متعددة، ويمكن لكل إنسان أن يكتشف ذلك وفقاً لظروفه، ولكني لم أجد أفضل من إثراء الفهم العقائدي والمقامات العقائدية الخاصة لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام في داخل العقل وتنميته، وتمرين القلب على التعامل مع هذه المقامات وفق استعدادتها، بحيث يتم تلمس أثر ما نعرفه على ما نحس به في شأن مقاماتهم، ولنا هنا في الزيارة الجامعة الكبرى وفي كتاب بصائر الدرجات معينا خصباً جداً لمثل ذلك، ولكن شريطة أن لا نمر على النصوص كما نمر على أي نص آخر بل لا بد من إدراك المعاني الخاصة بذلك، ثم تنمية هذه الإدراكات، فمن بعد كل عمق في هذه المعاني ثمة أعماق أخرى لما يدركها العقل بعد، ولعل الشعائر الحسينية في مختلف أشكالها ما يمثل ميداناً خصباً لمعرفة المران القلبي في هذا المجال، وخاصة في مجالات الولاء والبراءة، وهنا لا أقصد بالشعائر الصورة الأولية لها، ولكن ما أقصده هذا النمط الذي يتبدى فيه طبيعة ممارسة المعصوم عليه السلام لهذه الشعائر والتي أشار إليها صلوات الله عليه ووصفها تارة بالجزع، والجزع ليس هو الحزن، وإنما هو الخروج بالحزن واستعظام المصيبة إلى الدرجات التي تخرج عن الإرادة المعتادة للإنسان، أو ما عبّر عنها بقوله: لأبكين عليك بدل الدموع دماً، أو ما عبّر عنها بقوله صلوات الله عليه في دعاء الندبة: فليبك الباكون ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون ويضج الضاجون ويعجّ العاجون، أو ما تفيده عبارة الإمام الصادق عليه السلام في دعائه لزوار الحسين عليه السلام: اللهمّ إن أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم (أي إلى زيارة الحسين عليه السلام)، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلب على حفرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، وأمثال هذه النصوص العظيمة التي بادر فيها المعصوم صلوات الله عليه لكي يضعها مدرسة لعشاق الحسين عليه السلام وتحديداً للمدى الذي يريد منا أن نبلغه في حالات الموالاة والبراءة، أو على الأقل نقترب منه.
كما أن على الإنسان أن يبادر لتوفير المستلزمات الموضوعية للنصرة ويستعد لها، فالذي يتحدث عن القتال في مجال النصرة، أنى سيتوفر له ذلك من دون ان يمرّ بتجربة قتالية أو أكثر ليكتشف معالم قلبه شجاعة وجبناً، تردداً وإقداماً، خوفاً وثباتاً، نكراناً للذات وإيثاراً لها، تضحية في كل شي او التصاقاً بكل شيء، فمثل هذه المعايير لا تكتشف إلا من خلال التجربة العملية وليست مجرد ادعاء، وليس ضيراً كبيراً على الإنسان أن يكتشف جبنه او تردده او إخلاده للدنيا اليوم لكي يبدأ بالمعالجة وتحصين النفس من هذه الشرور التي تجعل الإنسان يصاب بموارد سوء العاقبة، ولكن الضير كل الضير في الذي سيجبن أو يتردد في الوقت الجدي للنصرة، واعتقد أن مثل هذه المعايير يجب أن لا تكون مورد مغامرة للإنسان لكي يتكلّ على الغد أدّعاءاً دونما دليل، فكثيرون في صفين وفي غير صفين من وهنت بهم إراداتهم في اللحظة المطلوبة لثباتها، فاشتركوا في خذان المعصوم صلوات الله عليه، بل لا بد من أن يتقين من موقفه في فدائيته من أجل نصرة شيعة الإمام صلوات الله عليه وقواعده، أو في إقدامه ضد النواصب وعدم تردده من مجابهتهم.
أما من الناحية العملية لحركة الهجرة إلى مواطن النصرة فاعتقد أن المقياس يجب أن يكون هو عدم الوقوع في مهالك الحرب العالمية القادمة، وما دام أنها تأتي من بعد الاحتلال التركي لسوريا، فيجب أن يكون هذا الاحتلال هو صفارة الإنذار الجدية للرحيل عن المواطن التي ستكون مجالاً لهذه الحرب التي وعدنا بوقوعها والتي ستكون مهالكها مما يفوق الوصف، ولكن عدم حيان ذلك لا يعني أن يتواكل الإنسان في عدم تفكيك منظومة الارتباطات الموضوعية التي قد تكون من العمق في تلك المناطق بحيث لا يتمكن من التحرر منها في الوقت الذي يريده في هذا المجال.