الحاج مازن أبو مهدي ـ السويد (البريد الخاص): قلتم بأن اليماني من العراق. ألا يمكن أن يكون من غير العراق، ويأتي مثلاً الى العراق في زيارة (لزيارة العتبات المقدسة مثلاً) ونتيجة لظروف معينة لا يستطيع الرجوع الى بلده، ويبقى في العراق، ثم يقود الجموع المؤمنة المنتظرة من العراق.
الجواب: من الواضح أن هذا الأمر ممكن من الناحية العقلية، ولكن من حيث الإمكان العملي تكتنفه صعوبة أساسية، وهي أننا حينما نتحدث عن قائد عسكري، فإننا نتحدث عن لازمه وهو القاعدة التي تؤمن به وتقاتل من أجل مشروعه، مما يجعله حكماً ممن يجب أن تتوفر فيه القابليات القيادية والعملية المعروفة التي تجعل هذه القاعدة تقبل عليه وتؤمن به، وهذا وإن بدا من الممكن تحققه، إلا انه قطعاً سيحتاج إلى وقت طويل لأن هذه المعروفية لا تتأتي عبر يوم وليلة، خصوصاً مع اطروحتنا التي تتبنى القول بأنه ما من دليل لكي يعرف اليماني نفسه بأنه هو الموعود الذي جاء ذكره في الروايات الشريفة، لأننا لم نجد في الروايات ما يمكن لنا أن نقول بخلاف ذلك، وكل قول يشير إلى أنه يتلقى أوامره وتوجيهه مباشرة من الإمام المهدي صلوات الله عليه قبل ظهوره الشريف مما لا يستند إلى أي دليل شرعي عليه.
لذلك سيتوجب علينا الركون إلى مقولتنا في البروز الطبيعي لقيادته في المجتمع العراقي والانبثاق من الواقع الطبيعي العراقي، وهذا البروز لا شك أنه يحتاج إلى وقت طويل وإلى تجربة سياسية وأمنية مديدة تمكّن الناس من الوثوق به وتتعرّف عليه منه، لأننا نتحدث عن أمرين خطيرين هنا، الأول هو مقامه المنصوص عليه من قبل المعصوم صلوات الله عليه، والثاني هو أن القبول به يستلزم القبول بعملية التضحية بالنفس من أجل مشروعه، وكلاهما أمر لا يمكن التهاون بهما من الناحية الشرعية.
ففي المقام الأول لا يمكن التصديق بمدّعيه أيّاً كان ما لم يكون مشفّعاً بحجة من المعصوم عليه السلام نفسه، فالمعصوم هو الذي حدّثنا عن هذا العبد الصالح، وهو بالتالي الذي يكشف لنا بأحد طرق الكشف المعتادة عن هذه الشخصية، وحيث أن الأمر يتم في عهد الغيبة الكبرى، فإن الحديث عن أن المعصوم صلوات الله عليه سيتصدى بشكل مباشر للكشف عنه، سيكون أمراً عسيراً جداً خاصة في ظل الرواية الشريفة الواردة في التوقيع الصادر عن الإمام المنتظر بأبي وأمي: "فمن ادعى المشاهدة قبل السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر"، لأن المعصوم روحي فداه إما أنه بنفسه الشريفة سيكشف الأمر لنفس اليماني الموعود، وعندئذ لن يتمكن الرجل من الإدعاء بأنه هو اليماني لأنه سيكذّب لوضوح ما في دلالة الرواية المارة آنفاً مما يجعل رؤياه للإمام صلوات الله عليه في حال حصوله من سنخ العلم الشخصي ليس إلا، ولا يعوّل عليها في مسألة التعميم لقبول قيادته للمجاميع المنتظرة، وكذلك سيخلّ باحد شروط يمانيته وهو أن لا يدعو لنفسه لطبيعة ما في الرواية بانه يدعو إلى صاحب الأمر صلوات الله عليه ولا يدعو لنفسه، فتنبّه!!.
وإما أن يكشف الإمام روحي فداه أمر هذا الرجل لأحد الشخصيات التي يصدّقها الناس عادة كالمراجع أو ما شاكل، وعندئذ سنلاحظ أن المرجع أو غيره لن يتمكن من التحدّث عن أن هذا الرجل هو اليماني، لأنه لن يتمكن من القول بأن الإمام صلوات الله عليه هو الذي قال ذلك لوضوح مستلزمات الرواية المارة، ولأن علمه بالأمر هو أيضا من نمط العلم الشخصي الذي ربما يوجد حجية على الشخص المطلع ولكن لا حجية فيه على الاخرين ممن لا يقبلون إلا بحجة موثقة.
مما يدفعنا إلى القول بأن أي دليل يحكم على أن اليماني سيكون معروفاً بواحدة من هذه الإمارات لن يتمتع بأي غطاء روائي، الأمر ينحو بنا إلى القول بأن عمل الرجل المتناسق مع طبيعة الخارطة الزمانية والمكانية المشخّصة من قبل المعصوم صلوات الله عليه هو الطريق الوحيد الذي سيكشف النقاب عنه.
أما في المقام الثاني فإن عمل هذا الرجل هو عمل عسكري، وبالتالي فإن العمل معه سيتضمن دماءً تبذل من قبل المؤمن به، وتراق بأمر منه تجاه أعدائه، والمؤمن لا يمكن ان يسلم نفسه في هاتين القضيتين إلا لجهة شرعية موثوقة تماماً أو تتمتع بغطاء شرعي مؤكد، لوضوح قدسية شان الدماء عند المؤمنين المنتظرين، ولذلك يجب أن يكون شأن التوثّق من أن هذا الرجل هو نفس الذي طرحته الروايات الشريفة هو نفس الشخص الذي نراه أمامنا، مما سيعيدنا إلى نفس المسار الذي أشرنا إليه آنفاً في طبيعة التعريف عنه، ولن يكون عندئذ بين أيدينا إلا معروفيته في السياق الأمني والسياسي في الوقت الذي تدلهم فيه خطوب المحن والفتن المتسبب بها السفياني عليه لعائن الله، مما يجعل اللجوء إليه بعنوانه خيار الضرورة العملية المرتبطة بالتكليف الشرعي، لا بعنوانه الشخص الذي ورد ذكره في الروايات المباركات.
وعليه فمحض أن يأتي من الخارج ليس دليلاً وحده، نعم يمكن لشخصية لديها كل المؤهلات القيادية الموجودة في شخصيات الخارج العراقي ممن له انتماء في الأصل إلى اليمن، وممن تتوافر فيه صفات اليماني العقائدية والتشريعية والوجدانية، ويفد إلى العراق آنذاك، فإنه يمكن أن يحظى بالمقبولية القيادية لدى مجتمع المنتظرين.