مهند (الموقع الخاص): بالنسبة للشخص المسمى علي في النجف الدي سيكون له موقف من السفياني فيلاحقه واتباعه، والمحتمل أن له شأن ديني، هل لايعرف توصيات أهل البيت في عدم مواجهة السفياني في البداية؟.
الجواب: هذا الشخص أشير إليه وفق تحليلنا في رواية عمر بن أبان الكلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام إذ قال: كأني بالسفياني أو لصاحب (بصاحب ظ) السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه: من جاء برأس رجل من شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره، يقول: هذا منهم! فيضرب عنقه وياخذ ألف درهم.. الخبر.[1]
وقد ظاهرنا في الجزء الثاني من كتابنا علامات الظهور بحث في فقه الدلالة والسلوك[2] أن المراد بكلمة شيعة علي في هذه الرواية ليس مطلق شيعة أمير المؤمنين عليه السلام كما هو توهّم غالبية من مرّ على الرواية، بل المراد هنا شخص اسمه علي وله شيعة يتبعونه، لأن الرواية تشير إلى وجود شيعة لغير علي في الكوفة، بل يمكن القول بأن الرواية تتحدث عن أن شيعة علي هم الأقل في الكوفة، وإلا لما اضطر قائد جيش السفياني عليه لعائن الله للبحث عنهم.
وسبب عدم قولنا بأن المراد بالرواية هم شيعة الأمير صلوات الله عليه، فلإعتبارات عدة أذكر منها ثلاثاً:
الأولى: إن اسم علي ورد هنا بلا قرائن الإشارة للأمير صلوات الله عليه، فلا يوجد هناك تجليل كما هو دأب الأئمة حينما يذكرون جدهم صلوات الله عليه وعليهم، كما ولا يوجد في الرواية أيُّ ما يُشعر بحصر الكلمة بالأمير عليه السلام، وحيث أنها أطلقت بهذه الطريقة فإن مجال الحصر ينعدم، مما يفتح الباب لملاحقة القرائن الأخرى، وهي تدلنا بوضوح أن المراد هنا ليس الأمير عليه السلام كما سيتبين.
الثاني: إن الرواية لو أريد بها مطلق الشيعة، فإنها عندئذ ستشعرنا بوجود تغيير ديموغرافي هائل سيجري في الكوفة بالشكل الذي يجعل الشيعة فيها هم القلة وغير الشيعة هم الأكثرية، وهذا غير متصوّر لعدة أجيال لاحقة ربما تمتد لمئات السنين.
الثالث: إن السلوكية العامة للسفياني لن تستهدف الشيعة إلا من بعد اقتحامه لبغداد، وهو في بغداد وفقاً لروايات أهل البيت عليهم السلام لن يفتعل مجازر في وسط الشيعة، نعم يرد ذلك في روايات العامة ومسألة القبول بذلك فيه ممانعة لأننا سبق أن لاحظنا ان العامة هوّلوا أمر السفياني وأخرجوه من المظهر العادي للرجال، وحوّلوه إلى أشبه ما يكون بالسوبرمان بالصورة التي عرضنا لها في محاضراتنا عن ذلك في ملتقى براثا الفكري، ولا يوجد لدينا أي دليل على افتعاله لمجازر في الحلة أو في أي منطقة أخرى خارج نطاق الكوفة، ويساعد على نفي ذلك أن الوقت المتاح له قبل وصول اليماني والخراساني إلى الكوفة قليل جداً مما لا يتيح له المجال لكي يفتعل ذلك حتى لو أراد، وإذا ما كان ذلك كذلك فما من ريب أنه لن يذهب للنجف للإنتقام من مطلق الشيعة، وإنما سيذهب للإنتقام من رجل اسمه علي ولعله هو من وصفته رواية عمار بن ياسر رضوان الله عليه بأن السفياني يقتل: أعوان آل محمد صلى الله عليه وآله، ويقتل رجلاً من مسّميهم[3] وهو امر طبيعي إذ من غير المتصوّر ان يكون علياً هذا من مجاهيل الناس، بل لا بد من أن يكون له بروز ديني او سياسي كبير جدا، ولعل ما جاء في وصف رواية عمار بأنه يقتل أعوان آل محمد ما يعطينا ثقة كبيرة بأن الرجل له بروزه الديني المتميز، وإلا ما وصف شيعته بانهم أعوان لآل محمد صلى الله عليه وآله، ويؤكد ذلك انتفاضة أطراف الكوفة على السفياني ووقيعته بهم يبرز لنا بأن العشائر المحيطة بالكوفة والمراد بها النجف، ستهاجم السفياني ثأراً لعلي هذا، ولكن ابن آكلة الأكباد سيفتك بالمهاجمين ويلاحقهم إلى منطقة القادسية النجفية مما يسبق نهر الفرات، ولذلك قيل بأن أحسن الناس حالاً يومئذ هم من يعبرون الفرات، كما هي فحوى رواية أبو حمزة الثمالي رضوان الله عليه.[4]
أما هل أن هذا الرجل لا يعرف بتوصيات الأئمة عليهم السلام بعدم مواجهة السفياني حال هجومه على الكوفة؟ فالأمر ليس كما تتصورون، لأن التكاليف العامة قد لا تنطبق على كل الأشخاص بحكم منزلتهم وشأنيتهم، كما هو حال التطليف العام بالحج للمستطيع، ولكن هذا التكليف لا يشمل غير المستطيع، وهكذا الأمر هنا فقد يكون من له منزلة عظيمة لدى الشيعة محرم عليه أن ينسحب أمام السفياني لأن انسحاب قد يفسّر بأنه فرار لكل الشيعة، ولهذا فالمتصوّر الطبيعي أن الرجل يعمل بمقتضى ما يراه من التكليف الشرعي المناط به بالرغم من إحساسه بالخطر الداهم الذي قد يكلّفه حياته وهذا مقتضى المقام العالي للمتقين، ولا يوجد أي مجال للقول بأنه لا يعرف بهذه التوصيات.
[1] غيبة الطوسي: 450 ح453.
[2] علامات الظهور بحث في فقه الدلالة والسلوك 2: 268.
[3] غيبة الطوسي: 464 ح479.
[4] سرور أهل الإيمان في علامات انتظار صاحب الزمان عجل الله فرجه: 45.