عبد الله (الموقع الخاص): في الأخبار أن السفياني في وجهه أثر جدري، وأنه لم ير مكة قط، ماصحة ذلك؟ وإذا كان الخبر صحيحاً، فهل ذلك وصف مجازي، أم وصف صحيح؟ وهل من الممكن أن يكون التشخيص المبكر لشخصية السفياني أو اليماني أو الخراساني ضاراً بالمسألة المهدوية؟ مثلا إن عندي شكوكاً حول من يكون السفياني من صفاته، هل يكون نشر شكوكي عنه ضاراً أم أن هناك منفعة بالنقاش مثلاً؟
الجواب: في رواية الشيخ الصدوق رضوان الله عليه عن الإمام الصادق عليه السلام جاء وصف السفياني بأن في وجهه أثر جدري،[1] وفي رواية الشيخ النعماني رضوان الله عليه يرد عن الإمام الباقر عليه السلام قوله بأنه لم يعبد الله قط، ولم ير مكة ولا المدينة قط،[2] ولا يمكن المزج بين الروايتين من حيث وحدة الإسلوب فمن الواضح أن الرواية الأولى تتحدّث عن أثر في الوجه بصورة حقيقية، ولكن كون هذا الأثر من مرض الجدري المعروف، أو مما كانت ثقافة تلك الأيام التي أطلق فيها النص، أو ثقافة المتلقي في وقتها تتعارف على وصف بعض الآثار بأنها من الجدري أو من أنواع الجدري، فإن الاحتمالين مما يمكن اعتمادهما.
أما بالنسبة للرواية الثانية فإن حملها على التعبير المجازي أقرب في نظري من الحمل على الحقيقة، خاصة وأن التعبير بأنه لم يعبد الله قطّ يتسع للمعنى المجازي، وعسير في المعنى الحقيقي، لأن العبودية لله أمر مفروغ عنه للبشر مهما كانوا بعيدين عنه، إلّا أن شمّة من العبودية بنمط ما هو أمر متيقن في نفس الملحدين، ولكن الأقرب هو الحمل على المعنى المجازي وهو أنه لم يعبد الله في أعماله قط، وتعبيره عن عدم رؤية مكة والمدينة ليس بالضرورة مما يمكن حمله على عدم الرؤية المكانية، لأن هذه الرؤية باتت متحصّلة حتى لمن لم يذهب إليهما عبر الصور والأفلام وما إلى ذلك، ولكن يبدو لي أنه لم ير مكة والمدينة من خلال ما ترمزان إليه من بعد عقائدي، وهذا ينسجم مع قوله عليه السلام بأنه لم يعبد الله قط، فنحن حينما نتحدث عن رؤية الله تعالى لا نعني الرؤية الجسمية مكانية كانت أو زمانية، إذ أن ذلك مما تتنزّه عنه صفاته سبحانه وتعالى، ولكننا نتحدث هنا عن طبيعة ما يصل الإيمان بالشخص من درجة لرؤية الله في قلبه وإدراكه، وهو ما عناه الأمير عليه السلام بقوله حينما سئل عن رؤية ربه، فقال: ويلك ما كنت لأعبد رباً لم أره؟ فقيل له: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.[3]
أما مسألة التشخيص المبكّر أو غيره فيجب أن يقترن بدليل علمي، وهذا الدليل لا يتسنى في تصوري إلا من خلال التطابق الزمني والمكاني بين العلامات التي تأتي هذه الشخصية أو تلك فيها، ولا يمكن الاعتماد على المواصفات الشخصية أو المعنوية للشخص أن تكون كاشفة لوحدها، فمثل هذه الأمور يمكن أن تنطبق على الكثيرين وفي كل الأزمنة، ولكن حينما نلاحظ أن الروايات أشارت إلى هذه الشخصية أو تلك ضمن سياق من الأحداث الزمانية والمكانية، فإن التشخيص يجب أن يجمع ما بين كل ذلك.
وفي اعتقادي أن التشحيص المبكّر لا طائل من ورائه، فلئن طولبنا باتباع اليماني، فإنما طولبنا بفترة حمله للراية الموعودة وليس قبله، ولئن طولبنا بالتحرك حال خروج السفياني، فإنما طولبنا حال خروجه، وليس قبل ذلك، مما يجعل عملية التشخيص المبكّرة مقرونة دائماً باحتمالات خطر كثيرة على المسألة المهدوية، خاصة وأننا لا نمتلك أي دليل على ذلك إلا من خلال وقوع الأحداث المتعلقة بهم، ومن حصل على هذا الدليل نتيجة لرؤيا صادقة أو ما شاكل وهو أمر ممكن في حد ذاته، فليعلم أن هذه الرؤيا متعلقة به، وليست متعلّقة بغيره، مما يجعل التحدّث عن ذلك مفتقر دوماً إلى الدليل الذي يمكن الاعتماد عليه.
نعم يمكن للإنسان أن يشخّص في نفسه، ولكن عليه أن يعتبر هذا التشخيص منقوصاً حتى يأتيه الدليل اليقيني في هذا المجال.
[1] كمال الدين وتمام النعمة: 651 ب57 ح9.
[2] غيبة النعماني: 318 ب18 ح18.
[3] الكافي 1: 98 ح6.