Jawadahmed Albiaty (مجموعة حكيميون) سماحة الشيخ ...فيما يتعلق بدعاء العهد والزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء هل لها أثر في أن يكون المؤمن مورد التأييدات الربانية ليكون من أنصار الظهور المظفر...كما يروى في حال المواظبة؟؟
الجواب: لا شك أن هذه النصوص الشريفة لها أعمق الأثر في تعميق الولاء لأهل البيت عليهم السلام وتجذير البراءة من أعدائهم، وما من شك في أن تؤسس لعلقة خاصة بين الدؤوب عليها وبين الإمام صلوات الله عليه، كما أنه ما من ريب في أن هذه النصوص حينما تم التأكيد عليها من قبلهم صلوات الله عليهم، فلسبب هدف خاص يرتبط بتعميق هذه العلاقة وإدامتها، صحيح أن عملية التأكيد وردت فيها ذكر الحسنات وما يحصل عليه الإنسان حينما يقرأها في الآخرة، ولكن الصحيح الآخر أن هذه الحسنات إنما هي جزاء عمل يتم على الأرض، وفي نطاق واقع اجتماعي اعتنى الأئمة صلوات الله عليهم به أشد العناية من أجل إبقاء المؤمن في دائرة الثبات على خط الولاية وإدامة ارتباطه بإمام العصر صلوات الله عليه، لا سيما في وقت الفتن والبلاء الشديد.
ولو تأملت في النصوص الشريفة الثلاثة لوجدتها تنطوي على منظومة محكمة التماسك للمحاور الأساسية التي يحتاجها الإنسان المؤمن لتأمين حالة حسن العاقبة، ففي الزيارة الجامعة الكبرى نجد التعريف المفصّل للبنية العقائدية التي يجب على الإنسان المؤمن التمسك بها، وهذا التعريف الذي تم تنظيمه بلغة مفهومة لكل من يقرأها، فيأخذ منها ما تتيح له قابلياته الفكرية، وهنا تلحظ أن العالم العظيم يقرأها فيحار في عمق معانيها وعظمة دلائلها، والإنسان البسيط يقرأها أيضاً وهو يجد فيها جمالاً للموصوفين فيها، فلا العالم يملّ منها، ولا البسيط ينقطع عنها بل كليهما يزدادون في كل مرة، وهذه واحدة من المزايا المهمة للمنهج التربوي لأهل البيت عليهم السلام، فمع إدراكهم لطبيعة الأزمات الخانقة التي سيمر بها شيعتهم عبر العصور لذا وضعوا هذه النصوص لكي تكون منار هدى يشدّهم إليه ويبقهيم على خط الثبات، مع الحرص على إبقائها بعيداً عن أنظار الطغاة، ولذلك أحيطت بما تحاط به الأدعية من أجواء الثواب والفضائل، من دون الإشارة إلى ما يترتب عليها من آثار في الواقع الاجتماعي لمجتمع الموالين لأهل البيت عليهم السلام، ولهذا فهي تمثّل الجانب الخاص من بنيتنا العقائدية، وأعني بالخاص أن شيعة أهل البيت عليهم السلام يمكنهم أن يبرهنوا على إمامة أهل البيت عليهم السلام، ولذلك لم يتشتتوا عن أمر الإمامة رغم كل القمع الفكري والسياسي والاجتماعي الذي مورس ضدهم عبر التاريخ، ولكن أن يثبتوا الإمامة شيء، وأن يتعرّفوا على الإمامة شيء آخر، فإثبات الإمامة هو إذن الدخول إلى المعتقد الشريف، ولكن التعرف على تفاصيل الأئمة صلوات الله عليهم هي المسألة التي يجب أن يهتموا بها من بعد عملية الإثبات التي ترتبط بأصول الدين، وبمقدار قطع المؤمن شوطه في عملية التعرف هذه، بمقدار ما يكون قريباً منهم، ولذا خصّت هذه لزيارة بما لم تخص بها أي زيارة أخرى في حشد المعاني والمفاهيم التفصيلية، مع التنبيه إلى خطأ في فهم البعض الذين يتصورون أن كلماتها مكررة، وقد صيغت بلغة مسجوعة، بل أؤكد أن كل كلمة منها تنطوي على بعد عقائدي عظيم، ولأن هذه المعاني كثيرة جداً طلب من المؤمن أن يديم قراءتها ليتاح له أن يأخذ في كل مرة ما يتمكن منها، من دون أن نغفل طبيعة المشاعر التي تتأجج في قلب الإنسان حال قرائتها.
أما في زيارة عاشوراء فتجد إن المشاعر العظيمة المفعمة بها والمهيمنة عليها إنسابت معها منظومة وجدانية ركّزت على البعدين الأساسيين في المنظومة الوجدانية للحركة الإيمانية، وأعني بذلك بعدي الولاء والبراءة، وكليهما حشّدا بشكل مكثّف فيها، بصورة قد لا نجد لها مثيلاً في بقية الزيارات، وكلا البعدين ركّزا على أحقية أهل البيت عليهم السلام ومظلوميتهم في آن واحد، بالشكل الذي يمتلئ فيه قارئها بالكثير من الغضب الممنهج من الأسباب التي أدّت إلى تضييع حقّهم بأبي وأمي وتقتيلهم بالطريقة التي عرضتها عرصات كربلاء، وتجعل المرء حاضر التفكير في كيفية النصرة لهم والثأر مما جرى عليهم، ولهذا السبب نجد أنها عرّضت بالأسباب التي سبقت فاجعة كربلاء (اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد)، ولم تكتف بالتوقف عند ما جرى في كربلاء وإنما طرحت سبيل الانتقام والتنفيس لمشاعر الغضب، فطرحت فكرة المنصور من آل محمد صلوات الله عليهم المنتقم لما جرى (أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من اهل بيت محمد صلى الله عليه وآله)، وأطّرت هذا الطرح بجعله أمنية يطلبها المؤمن وهدف يعمل من أجله (وأن يرزقني طلب ثاري مع إمام هدى ظاهر ناطق بالحق منكم)، ولك أن تعرف الدور العظيم الذي يمكن لهذه المعاني أن تؤديه في مجال التعبئة للقضية المهدوية، مما جعلها دون بقية زيارات الإمام الحسين عليه السلام مستحبة في ان تقرأ كل يوم.
وحينما تتكون لدينا البنية العقائدية والمنظومة الوجدانية لا نمتلك إلّا من تاكيد الإلتزام العملي بهما، فكان دعاء العهد الذي يستحب قراءته يومياً لتأدية هذا الغرض، فهو يوثّق الالتزام يومياً، ولا يكتفي بذلك بل يديم التذكير به، ومثل هذا الأثر نتلمسه أيضاً في المناجاة الوجدانية المطلوبة في كل يوم جمعة والمتمثلة في دعاء الندبة.
وبناء على كل ذلك نلاحظ إن الاستعداد للإمام روحي فداه تارة ينظر إليه من جهة الاستعداد الموضوعي وتهيئة مستلزمات نصرته في وقت ظهوره، وهذه الاستعدادات وإن أخذت صورة مادية في التهيئة، ولكن مخطئ تماماً من يتصور أن الاستعداد المادي يمكن أن يؤدي مهمة النصرة، من دون الاستعداد المعنوي الذي يوجّه ذلك الاستعداد، فأي قيمة لسلاح لا يمتلك صاحبه الشجاعة؟، وفي هذا الحال نجد مثل هذه الزيارات أو الادعية راسخة التأثير في إيجاد هذا النمط المطلوب من الاستعداد، أو أن الاستعداد يكون ما قبل الظهور عندئذ نجد أن هذه النصوص تؤدي نفس الغاية وتوصلنا إلى نفس البغية وي مرضاة الإمام صلوات الله عليه عنا، وهذا هو المطلوب سواء ظهر الإمام روحي فداه أو لم يظهر..