حينما ترى مريضاً وتذهب إليه وأنت تحمل فاكهة وتجلس معه وتسامره، فإنك قد تدخل السرور على قلبه ولكنك لا تعالجه من الأزمة التي وقع فيها، إذ سرعان ما سينتهي شعور السرور ليحلّ نداء الألم بدلاً عنه.
وحينما يذهب الدكتور له ويعطيه مسكّناً فإنه يعطيه راحة وقتية من الألم، سرعان ما ستزول ليتغلّب عليها واقع الألم وعذابه.
وحده الذي يقدم علاجاً يستأصل به الداء وإن كان مؤلماً هو الذي يقدّم البرّ لهذا المريض...
لقد اجتهدت الحكومات في الغالب وفي أحسن الأحوال على لعب دور من يجلب الفواكه لهذا المريض أو الذي يقدم مسكّناً وقتياً حينما تحاول لعب دور التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته، ولم تفكر في مرة أن تقدم له العلاج الناجع الذي يستأصل آلامه ومعاناته هذا إن لم تتآمر عليه وتشطبه من لائحة اهتمامها كما يفعل بعضها الآن، لا بل نرى بعضها اهتمت بالسعي للتربيت على أكتاف قاتلي هذا الشعب ومصدر آلامه معتذرة عن معاكسة وإزعاج هذا الشعب للقاتل الذي بدءوا يطلقون عليه ابن العم الذي عاد لدياره بعد غربة ليستقبل بالأحضان…
لا حلّ لآلام فلسطين ولا لصراخات أطفالها وصرخات المثكولات من نسائها إلّا بإزالة مصدر الأوجاع ومسبّب هذه الصرخات، بدلا ً من أن ترسلوا لهم أكياس الطحين لتمنّوا به عليهم! أرسلوا لهم سلاحاً يردعون به عدوهم، وإن كانت لكم متبقى كرامة أعينوهم سياسياً … لا أقول افتحوا الباب لشعوبكم كي تهب لتقدم لهم الوقفة المنشودة على سواتر العز والكرامة فهذا سيحرجكم إلى حد الموت أمام أسيادكم الذين نصّبوكم حكاما ً عليهم، ولكن أين شعارات النفط سلاح المعركة فاقطعوا النفط عن العدو الذي يتغذّى به لكي ينتهش لحومهم، وإن لم تستطيعوا أوقفوا التطبيع الذي يريد أن ينسي الأجيال القادمة مجازرهم وجرائمهم.
وإن لم تستطيعوا كل ذلك وأنتم لن تفعلوه فلا أقل افسحوا المجال لثقافة الجهاد والشهادة ضد الصهاينة في أن تتربى عليها الأمة التي تتحكمون بها عوضا من ثقافات الميوعة والانعزال والعدمية والسعي وراء التفاهة التي تحيطونهم بها…
كاذب من يدعي الوصل بفلسطين من دون أن يعمّد وصله بصاروخ يردع، أو مسيّرات تمنع، أو خبرة لقتال، أو سياسة لمناورة، أو معلومة لأمن، أو قلم لوعي وبصيرة…
جميل أن تفكروا بالنازحين ولكن قبيحا ً أن تعملوا على نسيان الشعوب لمن تسبب بنزوحهم وظلمهم وقهرهم…
جميل أن تبكوا على الأبرياء الذين قتلوا بأسلحة الصهاينة والأمريكان ومن سواهم من حلفائهم ولكن قبيح ان لا تبادرون لردع القتلة وأقبح منه أن لا تسمونهم بالقتلة…
جميل أن تخففوا الآلام بالمستطاع، ولكن قبيحاً جداً أن يلعب إعلامكم ومنصاتكم دور المرجفين العاملين على إحباط مسعى الناهضين ضد الظلم والمجاهدين ضد الطغيان …
سيكون جميلاً جدا ً أن تكرموا الشعوب بسكوتكم وتوقفوا نفاقكم فهو مكشوف حتى وإن غطيتموه بنشيد زهرة المدائن أو بنشيد: والله زمن يا سلاحي، واتركوا هذه الأمة فهي كفوءة بمداواة جراحها وعلى رأسها جراح القدس التي لا تعني الفلسطينيين فحسب بل هي جراح كل الأحرار في هذا العالم سيان في ذلك المسلم أو المسيحي بل حتى بعض اليهود الأتقياء الذين تشرفوا بالوقوف ضد الصهيونية وكيانهم اللقيط…
واعلموا أن وعد الله آت لا محالة فالله لا يخلف وعده ورجال الآية الكريمة: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) سورة الإسراء: ٧ قد غدوا على مشارف الفجر القادم!
جلال الدين علي الصغير