ابو طالب بن عبد المطلب عليهما السلام من اعاظم الصحابة الذين ناصروا وفدوا بأنفسهم وانكروا ذواتهم من اجل رسول الله صلوات الله عليه واله، ومن أجلّ الذين مجد الله تعالى اعمالهم وخلدها في قرانه المجيد كي لا يطفأ اثره مع انه هو فاتحة المظلومين في هذه الامة من بعد رسول الله صلوات الله عليه واله، فلم يكتف ظالموه من ظلم الحياة الدنيا فتعقبوه من بعد مماته، ليعلنوا اشراكه وانه مات مشركاً، فيكون في عرف ظلم هذه الامة من قضى حياته في سبيل هذا الدين ورسوله صلوات الله عليه واله مشركاً يستحق النيران، بينما يكون الذي قضى كل حياته معاديا لرسول الله ومحاربا له ومتزعما لجيوش الشرك والكفر والحقد وما اسلم اذ اسلم الا من اجل ان ينجو من سيف رسول الله صلوات الله عليه واله كابي سفيان وابنه وزوجه من المؤمنين المحسنين.
هذا هو منطق التاريخ الظالم وهذه شرعة الحياة فحينما يعم الغباء وسط الناس ويكون الجهل رائدهم والحاكم وما يهواه دينهم فلا تستغرب ان يصل الاستحمار الى هذا المستوى الذي يتحول الصادق الى كاذب والمؤمن الى مشرك والامين الى سارق والعكس بالعكس، وحقيقة مهما قيل في شان نوابغ استحمار الشعوب في الحروب الناعمة التي تشن عليهم الا اني لا اجد اعظم نبوغا واكثر خبرة من حزب قريش وظلمتهم في الاسلام وما قبله، فهم من اعاظم من زوروا التاريخ وخلطوا الامور على الناس بحيث باتوا لا يميزون بين حق ولا باطل بل بات الباطل هو الحق وتحول الحق الى باطل في عقول المستحمرين من هذه الامة، وما اكثرهم!
واقولها لمن يحسن الانصات الى كلام الله تعالى والى الباحثين الجادين في طلب الحقائق: انتم تقرؤون القران وتمر بكم سورة الضحى وقد قراتموها ولا شك مئات المرات ان لم تك آلافا، وقد مرت بكم ولا شك الاية الكريمة التي يمن الله تعالى بها على رسوله صلوات الله عليه واله: ألم يجدك يتيماً فآوى؟ فهلا تساءلتم عن السر في هذه الاية ومن هو شاخصها الاوحد؟ فمن المعروف ان فعل الايواء انما كان خصيصاً بابي طالب عليه السلام دون سواه، ولكن لماذا نسب فعله لله ولم يعنون باسم ابي طالب صلوات الله عليه، ألا تجدون ان محتوى الاية العقائدي هو نفس محتوى الاية الكريمة: وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى؟ ففعل الرمي الاجتماعي وفعل الايواء الاجتماعي او التاريخي انما كان من قبل شواخص الايتين دون غيرهم ولكن في المرتين تم نسبة الفعل لله تعالى، وهي ولا شك تعطي نفس الدلالة العقائدية في شان الاية التي تلتها: ووجدك عائلا فاغنى، ففعل الاغناء التاريخي انما كان منحصراً بخديجة سلام الله عليها، ولكن تم نسبة الفعل لله ايضا، وفي هذا المقام العديد من الايات.
ما من شك ان فعل الايواء والرمي والاغناء كانت مورد تمجيد الله تعالى والا لما منّ بها الله على رسوله صلوات الله عليه واله، وهنا لا يمكن توجيه الاية الى ان كل الافعال التاريخية تنسب من حيث الاصل الى الله فهو من اعطى هذه القدرة وبالنتيجة ترجع الامور الناجمة عنها اليه، اذ ان هذا الكلام لا يبقي اي قيمة موضوعية او تشريعية لاي فعل بشري، فكل الافعال ستكون محكومة اما بالجبر وهو خلاف معتقدنا، اما تفضي الى سلب العدالة والحكمة من الله جل وعلا لانه ان مجد بفعل هو الذي اوجده واستنكر فعلا هو ايضا من اوجده، فما الذي يبقى من عدالته ومالذي سيبقى من حكمته؟ ومعه سينسحب الامر على اصل الوجود فان كان فعل العبودية الذي جعله غاية خلق الجن والانس، وكان هذا الفعل هو الذي ينشؤه فعلام خلقهم؟ ومن بعد ذلك علام يعذبهم او يثيبهم؟ وكل ذلك محال لدينا.
ان من البديهي ان التمجيد لهذه الافعال انما يبقى لاصحابها وخياراتهم التي اختاروها، وهي لانها كانت تمثل عين ما اراده الله تعالى من صفوة عباده اصبحت افعالهم افعاله وارادتهم ارادته، وهذا من اعظم التمجيد الذي يمكن لصحابي ان يناله من الله تعالى بحيث يبقى مخلدا ليكون قدوة للعباد الى ابد الابدين.
وحقيقة كلما فكرت بهذا الامر على طريقة لم لم يذكر الله تعالى ابا طالب بفعل يمجده وذكر مؤمن ال فرعون وهو يثني عليه، وجدت ان افضل اسلوب واحكمه لذكر ابي طالب صلوات الله عليه وابقاء هذا الذكر في اطار العمل وبعيدا عن ذكر الاسم، لان من قلب حقائق ايمان ابو طالب وحولها الى اشراك ماذا سيفعل لو وجده مذكورا بالقران الكريم؟
ان التحريف وحذف التسمية سيكون هو الحل بيد حزب قريش ولا شك، ولذلك تم الابقاء على ذكر الفعل وهو امر لا يشكك فيه صاحب اي مسحة من لب، وهو نفس الامر الذي حصل مع كل الذين مجدهم الله تعالى في القران من صحابة رسول الله صلوات الله عليه واله، بل وهو نفس الامر في الذين استنكر افعالهم ايضا، اللهم الا في مثال ابي لهب، ولا تذهبن بك المذاهب للاكتفاء بالقول بان القران يهتم بالافعال ولا يهتم بالاسماء، فهو مردود لانه سبق ان ذكر اسماء كثيرة ممجدا تارة ومستنكرا اخرى وميزة المذكورين كانت دوما هي انهم ليسوا من امة رسول الله صلوات الله عليه واله فلا خشية من ذكرهم من الاعيب السياسة واغراضها، واستثناء ابو لهب من ذلك لان عشيرته مأمونة الجانب على سلامة القرآن كيف لا وهي المستودعة على حفظه وابلاغه؟.
صلوات الله عليك يا ابا طالب يا ايها المظلوم الاول رغم انك الناصر الاول، وسلامه عليك يوم ولدت حجة من حجج زمن الفترة من الرسل، ويوم ارتقيت الى علياء الايمان وانت تقف في طليعة الناصرين والمناصرين لدين الله تعالى، والى الله المشتكى من قوم ظلموك ومن امة نصرتها فما رعت حقا ولم تبر بعهد وانما كان دأبها هو ظلمك وظلم ابنائك المطهرين صلوات الله عليهم
ولا حول ولا قوة الا بالله
جلال الدين الصغير
26 رجب المرجب يوم وفاة ابو طالب بن عبد المطلب عم رسول الله وناصره