ها قد مرّت على العدوان الصهيوني ١٦ يومًا كانت في كل مشاهدها ومظاهرها تمثّلُ عارًا وخزيًا وهزيمةً لم يتجرّعها الكيان المجرم طوال سنيّ نشوء سرطانه في فلسطين الحبيبة،ولمّا يزل وسيبقى يحصد وبال ما أقدم عليه.
لم يظهر الكيان المغتصب في كل أوقات وجوده المشؤوم بهذه الصورة من الهزال والتفكك؛بل والضياع كما هو الآن، ولأول مرّة يجد نفسه محاصرًا بين فكّين قاضمين،فلا المقاومة ومن يساندها تراجعوا؛بل هو في استنزاف مستمر، ولا هو ومسانديه تمكّنوا رغم فداحة ما اقترفوه من جرائم، ومن نزق وفقدان الوقار السياسي في حدوده الدنيا استطاعوا أن يستعيدوا هيبة او يستردوا نفوذًا او يسترجعوا ردعًا،بل ها هي ماكنتهم العسكرية فضلاً عن أوضاعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تُحدّثك عن أنّ القادم ربما يكون أفدح مما مرّ لحد الآن.
ولو أردنا أن نلقي ضوءًا على المشهد من وجهة نظر استراتيجية لقلنا أنّ المشهد الفلسطيني استطاع أن يفكك عقد معادلات كانت أشبه بالميتة أو هي ميتة بالفعل ويعيدها إلى الحياة مما جعل حلفاء الكيان يستشعرون مدى الخطر الوجودي الذي يتعرض له كيانهم اللقيط،وإلّا حدّثني ماذا يعني الاستدعاء العاجل لحاملتي طائرات لمنطقة صغيرة وهو لم يحصل لحد الان في أيِّ منطقة من المناطق مع اتساع بقية المناطق؟ وحدثني سرّ هذا الهلع الذي تبدّى في كل شياطين الغرب ليأتوا بطريقة فزعة لمجرد أن يصلوا إلى الكيان وليعلنوا أنهم صهاينة؟!
معادلات عدّة فرضها الفلسطينيون وحلفاؤهم لأول مرة في تاريخ الصراع، فثمّة (لا) كبيرة رُفِعت أمام المحتل وحلفائه،وهي ليست كـ {لاءات} عرفات المعروفة؛وإنّما هي لاءات معمّدة بعشرات الآلاف من الصواريخ رُفِعَت من قبل محور المقاومة الذي عُرِفَ عنه عدم المساومة،وقد اتّضح أنّ هذه اللّاءات فعلت فعلها الرّدعي إلى حدٍّ كبير،فشتّت جيوشًا للكيان، واستنزفت موازنات كبرى وهي لمّا تبدأ بالعمل الجاد في مداه المتكامل بعدُ،وهي أطاحت بخطط وسياسات يبدو أنّ بعضها على الأقل لن يعود في الأفق المنظور للوجود بطريقة سهلة؛اللّهم إلا أن يتحمّل طرفه المزيد من الخزي والعار كما هو الحال في سياسة التطبيع والتمدد الصهيوني.
كنموذج على ذلك يمكن أن تضع نُصبَ عينيك مسار الردع الصهيوني الذي كان يتبختر الصهيوني به،فمع أنّه تهشّم إلى حدٍّ كبير تحت أيدي المقاومة الفلسطينية قبل اختراق المغتصبات ومات سريريًا بعدها،وفي تحقيق سياسة التهجير بالقوة للصهاينة بدون أي حلّ يلجأ إليه الصهيوني غير أن يوقع نفسه في مستنقع قصف المدنيين من أطفال ونساء وتدمير البنى التحتية المدنية وقد بلغ به الحنق بحيث أنه قصف المستشفيات في هيستريا لم ترتكبها أي دولة او عصابة بصورة معلنة وعامدة من قبلُ،فمع أنّ تاريخ الحروب حفل بمثل هذه الأمور ولكنها كانت تحدث بصورة غير عامدة او لا تتبناها الدول الفاعلة أبدًا،وبالرغم من أنّ الكيان الزائل وحلفائه حاولوا من هنا وهناك أن يعتّموا عليها،ولكنهم أوقعوا أنفسهم في مستنقع آخر سرعان ما تبدّى هوله لهم حينما راح من كان مخدوعًا بهم يرى الصورة المخادعة ووراءها كمّ الأكاذيب وتزوير الحقائق، وهكذا يمكن القول لم ير العالم قبح الصهاينة والامريكان وقادة الاستكبار الغربي كما يراهم اليوم، وقد تبدّى ذلك عمّا يمكن أن أُعبّر عنه بمطبٍّ هائلٍ حينما خسرت وسائل الاعلام الذي عشعش الصهاينة وأترابهم على عروشها طوال السنين المتمادية،واذا بهم يكتشفون أنّ فضائياتهم ومنصاتهم وجرائدهم وإعلامييهم أصبحت أضحوكة أمام مقاطع التيك توك وأمثالها والتي تميّزت بأنّ الناس هي التي بدأت تنقل الحقيقة دون رتوش للناس عوض أن تنتظر السي أن أن والبي بي سي والفوكس نيوز وأمثال ذلك،ولن تتوقف حالة التردي في هذا المجال فكلما ولجوا إلى مهرب وجدوه ضيقًا عليهم ((كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللّه)) وهكذا…
وبالعودة إلى سياسة الردع التي يحاول نتن ياهو وزنيمه غالانت ان يستعيد بعضًا منها، نعرف أنّهم أجمعوا مهددين مرعدين مزبّدين على أنّ غزوًا بريّاً لغزة سيتحقق فورًا، وأحسَبُ أنّ أغلب من يفكر استراتيجيًّا ضحك في داخله من هذا الهراء، فإما أنّهم يريدون أن يتخلصوا من مهلكة عار الهزيمة ليقفزوا إلى الأمام لهزيمة أخرى، وإمّا أنّهم أصبحوا كالثيران الهائجة التي أعماها الغضب فلم تعد ترى أي موت يترصدها، وإمّا أنّهم كانوا كالأطفال الذين يلعبون بصاعق لقنبلة كبيرة وهم لا يعرفون، وها بعد مضي ١٦ يومًا على لغة الوعيد تراجع الجمع ليرمي العسكر المسؤولية على السياسيين وهؤلاء على العسكر،وفيما هم كذلك ارتفعت لافتة جديدة على هاماتهم كتب عليها: فاشلون.
اما ماذا جرى فللحديث تتمّة إن شاء الله.
الأحد ٢٢/ ١٠/ ٢٠٢٣
الحلقة الأولى: المعركة فلسطينية ويجب أن تبقى فلسطينية
https://x.com/alsagheeroffice/status/1716285712499106133?s=61&t=9uD0kreJGUl4WIX4-BOjtw