اشرنا في حديث سابق ان محمد بن سلمان تحرك وبدأت حرب الامراء بطريقة يمكن ان يتلمسها كل انسان، صحيح ان المُدّعى هو مكافحة الفساد وما الى ذلك، لكن مكافحة الفساد المعلنة فعلاً هي كمن يتحدث عن امر خيالي لا يمكن ان يصدق به احد، لان الفاسد هو من يتحدث عن مكافحة فاسدين اخرين.
من يراقب الحدث يجد ان الضربات التي وجهها محمد بن سلمان الى البيت السعودي والى بيوت الامراء تتضمن ثلاثة خطوط هي التي تم استهدافها بشكل شرس جداً؛ تم استهداف محور الامن ومحور الاعلام ومحور المال.
حينما تسيطر على هذه الامور الثلاثة تعني انك قد رحلت بعيداً في مهمة السيطرة على النظام او اضعاف الخصوم الى درجة كبيرة، وكل الاسماء المعتقلة في العلن والتي اعتقلت في السر والتي هي مرشحة ايضاً الى ان تعتقل من بعد هذه الموجة تمثل امبراطورية هائلة من الأموال، هذه الإمبراطورية هي نفسها التي تسيطر على مساحة كبيرة من التحالفات القبائلية والعشائرية في داخل العربية السعودية وهي نفسها تسيطر على المساحة الاكبر من الاعلام العربي والعالمي والمسالة لا تتوقف عند مجموعة الام بي سي او مجموعة الاي ار تي او مجموعة الاوربت وما الى ذلك وانما تمتد الى مجاميع اخرى لم يعلن عنها فعلاً، لكن القدر المتيقن ان الضربة كانت استباقية، بمعنى لم تكن القصة قصة مكافحة الفساد وانما قصة استهداف قوى كان محمد بن سلمان يستهدفها لأسباب متعددة، قد يقال انه يريد ان يجمع المال وهو لا شك فعل ذلك، لكن القصة لا يمكن تصورها مقصورة على المال من دون ان تمتد الى الامن والى السياسة، القصة في اصلها سياسية ومحورها يرتبط بطبيعة استيلاء محمد بن سلمان على نظام الحكم في السعودية.
ليس مهماً كل هذه التفاصيل التي حصلت، ما يهم هو المسألة الاستراتيجية في هذا الموضوع وهي ان محمد ابن سلمان تمكن وبجدارة عالية ان يُسقِط كل هيبة لبني سعود في الشارع السعودي ومزق الهالة التي كان ينظر اليها الجميع بعنوانهم ولاة الامر وبعنوانهم اصحاب الحق وبكل العناوين التي كان يسير عليها هذا القطيع الكبير الذين يسمونهم بأمراء البلاد وولاة الامر وما الى ذلك.
استطاع محمد بن سلمان ان يمزق وحدة الامراء ووحدة الاسرة وان يمزق هيبة الدولة، فاذا كان صادقاً تبين ان قيادات الدولة هم الفاسدون الكبار وإن لم يكن صادقاً فهو نفسه الكاذب الكبير، بمعنى انه وضع العائلة في مأزق لا يمكن لها ان تتخلص منه.
هذا المُعطى الاستراتيجي الاساسي الذي يمكن ان يُرصَد في مستوى العقلية السياسية الرصينة لتكشف من بعد ذلك ان اسس الشرعية التي كان يقوم عليها هذا النظام قد تلاشت بشكل كبير جداً، ومحمد بن سلمان قد فعلها بإتقان كبير في بلد تحتدم فيه عقلية السلفية التي تتعامل مع الحاكم بطرق من الاندكاك الكبير وفي بلد فيه روح القبائلية والعشائرية التي تترابط مع مشاعر الثائر ومشاعر الانتقام ومشاعر الغضب والحقد وما الى ذلك.
محمد بن سلمان تمكن من ايصال رؤية اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم الى حكم سياتي الى هذه البلاد لن يُبقي حاكماً على حكمه وانما ستستمر عملية التصارع بحيث ان ملكاً يقتل اخراً وهكذا حسب ما تُرينا الرواية الشريفة التي تتحدث عن ذهاب ملك السنين وتعاقب ملك الشهور والأيام، لا نريد ان نقول بأن الرواية تتحدث عن هذا الوضع بالذات ولكن ما يجري اليوم يعطينا صورة قريبة جداً مما اشارت اليه روايات اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، قبل ذلك كان التساؤل عن كيفية حدوث ذلك واليوم حدث الصراع وقد يكون الان الامراء في فندق يُبتزون وربما الارقام المشار لها بجمع اكثر من ترليون دولار من هؤلاء تكون صحيحة لكن الاصح من ذلك ان نيران هائلة تغلي في الصدور ولا يمكن لها ان تطفأ بسهولة ولا يمكن ان يتم تجاوزها الا ببحار من الدم، ما الذي سيبرره بن سلمان وما الذي سيفعله بعد ذلك لأن هؤلاء بعد مدة يجب ان يخرجوا مثلما حصل مع سعد الحريري.