بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ جلال الدين الصغير

200: ما وجه الإنتفاع بالإمام عليه السلام في غيبته؟

4792طباعة الموضوع 2013-07-02

200: ما وجه الإنتفاع بالإمام عليه السلام في غيبته؟

أبو هادي العاملي ـ لبنان (الفيسبوك): وردت بعض الأحاديث عن انتفاع المسلمين الإمام عليه السلام في غيبته، كيف نفهم ذلك؟

الجواب: من المسلّم أن غيبة الإمام صلوات الله عليه ليست إنزواء عن المسؤولية الملقاة على عاتق الإمام روحي فداه، ولا تنصّلاً عنها، كما وأنها ليست تخليّاً عن دور الإمامة، بل هي نمط من أنماط ممارسة دور الإمامة في التعامل مع الشأن السياسي والاجتماعي بصورة غير ظاهرة بعد فترة كبيرة من تعلّم الناس على الدور الظاهر لممارسة هذا الدور، مع احتفاظ الإمام صلوات الله عليه بممارسة أدوار الإمامة في الساحات التي لا دخل لها بهذا الشأن، أي أن الإمام صلوات الله عليه في عهد الغيبة أبدل ممارسة مسؤولياته من النمط المعلن الظاهر كما كان يفعل بقية الأئمة صلوات الله عليهم إلى نمط غير معلن خاصة وأن العديد من الممارسات المعلنة التي كان الأئمة من آبائه وأجداده عليهم السلام اجمعين قد اتموا فيها القيام بمهماتهم، وأنجزوا المطلوب منهم كأئمة ناطقين بالهدى، مما لا يستدعي اجترار الدور والسكون عند نفس الممارسة، فالقاعدة الشهبية تم تأسيس قواعدها وانطلقت ضمن مؤسسات راعية إن بدت بسيطة المظهر في البداية إلا أن التاريخ وواقع اليوم يشهد أنها كانت ابعد غوراً مما تصوّره الناس، وما تحتاجه هذه القاعدة من تنظير عقائدي وتشريع فقهي ونظم سلوكية قد تم اطلاقه بشكل مكثف مما يكفيهم في ان يعتمدوا عليه دون الاعتماد على وجود ظاهر للإمام صلوات الله عليه، وقد جاء نظام الوكالة والذي تطور لاحقاً إلى نظام المرجعية ليرعى عملية تأطير القواعد الشعبية بالأطر التشريعية والعقائدية وفق معطياتهم اليومية المعاشة، وما شكى الشيعة طوال فترة الغيبة من ذلك أبداً، بل يشعر المدقق والمحقق أن ما تم اطلاقه في النصوص الشرعية من الأئمة صلوات الله عليهم في مختلف الشؤون أعطى الشيعة قدرة كبيرة ولا زال في ايجاد أعظم مؤسسة تشريعية لم تشذ اطرافها عن قواعدها، ولم تختلف أصولها عن تفصيلاتها منذ اليوم الأول للغيبة وليومنا هذا، كما وأن تحميل المرجعية مهمة إخراج التفاصيل من الأصول التي أطلقها الأئمة صلوات الله عليهم وفقاً للقاعدة التي أشاروا إليها مراراً من أن عليهم إلقاء الأصول وأن علينا التفريع، أتاح حركية مذهلة للفقه الإمامي كما وأتاح كشف أعماق ما سبق للأئمة صلوات الله عليهم أن تحدثوا عنه بعبارات مبسطة، صحيح أن الفقهاء اختلفوا دوماً في بعض الاحكام والتشريعات، ولكنها من النمط الذي لا يضر بالأصل ولم يتخلف عن الأصل، مما حوّل هذه الخلافات بدورها إلى عملية شحذ للهمم العقلية وتطوير وتشذيب لفهم النصوص عند هؤلاء الفقهاء.

وإذا ما علمنا أن تقديرات الأئمة صلوات الله عليهم علّقت عملية النهوض بالمسؤولية السياسية لإحلال العدل والقسط وإقامة حكومة العدل الإلهي على وجود القاعدة الشعبية التي تحتضن ذلك، فلا عدالة من خلال وجود الحاكم العادل والمشروع العادل من دون وجود المجتمع الذي يتحمل ويقبل بالعدل، ولعل مثال أمير المؤمنين عليه السلام يكشف لنا هذه الحقيقة بجلاء، فلقد كان أعظم مشروع عدالة عرفه التاريخ، ولم ينقصه التنظير للعدالة ولكنه كان محتاجاً إلى المجتمع الذي يعينه على هذا الأمر، ولكن إعداد المجتمع يحتاج إلى مقومات وازمان لم تتح للامير صلوات الله عليه، مما أدى إلى أن لا يرى مشروعه النور، وإن لمس الناس في شخصيته النموذج التطبيقي للحاكم العادل، ولذلك فإن جلّ مبررات الغيبة كانت تتعلق بالعملية التربوية لهذا المجتمع سواء طرحت بصيغة قلة الناصر أو طرحت بصيغة كثرة الظالم، والحديث عن الأصحاب الثلاثمائة والثلاثة عشر في واقعه حديث عن هؤلاء الذين سيتحملون أعباء هذه العملية، ولذلك طرحوا في إطار من التفضيل لكي يستفزوا همم المؤمنين والمحبين للإمام صلوات الله عليه لكي يسيروا بهذا الاتجاه، ومن الواضح أن العملية التربوية التغييرية لا تحتاج إلى القائد بصورة ظاهرة، خصوصاً مع وجود أضرار جادة على حياة هذا القائد، بل لربما أثر وجوده الظاهر بأضرار على نفس دوره، لأنه سيطالب بالقيام في وقت يكون المجتمع غير قادر على تحمل المسؤولية الاجتماعية والسياسية لهذا القيام، فإن قام وئد المشروع وقتل كما حصل مع أجداده الطاهرين، وإن لم يقم به ملّ الناس منه ومن مشروعه، بل لربما كذّبوه واعتبروا الأمر مجرد دعوى والواقع يكذّبها، مما يجعل خيار الغيبة هو الخيار الوحيد المتاح لذلك، ولكن هذا الخيار الذي التجأ الإمام روحي فداه إليه مضطراً لا ينفي ولا يلغي عنه مسؤوليته تجاه هذه العملية، ولكن هذه المسؤولية حينما تنفّذ فبطريقة غير معلنة وغير منسوبة لأحد، ولكنها وجود يتحرك وظاهرة تنمو، فمن جهة أعلن هو بأبي وأمي بأنه غير مهمل لرعاية شيعته، بل التزم بذلك كما نلحظ ذلك في التوقيع المشهور الصادر للشيخ المفيد أعلى الله مقامه: إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء،[1] واصطلمكم[2] الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم[3] من فتنة، قد أنافت[4] عليكم، يهلك فيها من حمّ[5] أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف[6] حركتنا، ومباثتكم بأمرنا ونهينا.[7]

ومن جهة أخرى هناك الحالات التي نعبّر عنها بالتأييد والألطاف والتشديد والتوفيق، وهي وإن لم نر من المسبّب لها، ولكننا نحسّ بآثارها العملية، هذا بالنسبة لما ننتبه إليه، فما بالك بما لم ننتبه إليه، وكل هذه الأمور موكولة إليه بأبي وأمي، وهذه القضايا سيّان بين أن تتمظهر بصورة أعمال ترتبط بأشخاص أو بآحاد الناس، أو ترتبط بالمجموع أو الجماعات كبرت أو صغرت.

ولو أضفت إلى كل ذلك حالات الاستغاثة والتوسل والاستشفاع مما نلمسه لمس المجرب، ونعدّ ذلك من المجربات التي لا تحتاج إلى دليل، لكون حصولها هي بنفسها دليل عليها، وعليه فإننا نجد أن بعض الأحاديث التي تنطلق هنا وهناك بأن الإمام صلوات الله عليه ليس من شغله قضاء حوائج الناس أو تلبية طلباتهم أو ما إلى ذلك، هي أحاديث غير مسؤولة فلئن فعل هذه الأمور غيره من الأئمة صلوات الله عليه، وهي كثيرة جداً، فما الذي يمنع من أن يقوم بها روحي وأرواح العالمين له الفدا؟!!، نعم لا يمكننا أن نختزل دور الإمام صلوات الله عليه بهذه الأمور، هو كلام صحيح، لأن دور الإمامة هو أعظم من ذلك.

هذا من جهة الدور الاجتماعي والسياسي، ولكن من الواضح أن الإمامة لا يتلخّص دورها في هذا المجال، فثمة مهام للإمام لا علاقة لها بهذا الدور، وخذ مثالاً على ذلك بدوره في إمامة الوجود، فحينما يقول الإمام صلوات الله عليه بأن خلو الأرض من الحجة مدعاة لأن تسيخ الأرض بأهلها، نفهم أن هناك دور يمارس خارج الساحة الاجتماعية، إنه يتعلق بدوام الوجود وهو ما أطلقنا عليه وصف: (إمامة الوجود) في كتابنا الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدّس، وماذا عن دور الخلافة الربانية؟ ونحن ممن يرفض ان تكون الخلافة الربانية قد أوليت لعامة الناس، بل هي أوليت لخاصة من وصل إلى درجة التسبيح المطلق والتقديس المطلق بدرجة فاقت نفس درجة كبّار الملائكة وأعظامهم، وهذا الدور هو أعظم من دور إمامة الوجود، وماذا عن دور حمل الأمانة الربانية المعروض على السماوات والأرض والجبال فأبوا أن يحملوها؟ وماذا عن دور الإمامة الشاهدة؟ وكذا عن دور إمامة التسخير؟ المعروضة في قوله تعالى: سخّر لكم ما في السماوات والأرض وما إلى ذلك من مقامات الإمامة والتي أشرنا بأحاديث مفصلة لكل منها في كتابينا الإمامة ذلك الثابت وكذا الخلافة الربانية، فراجع إن شئت.

إن كل ذلك هو من تجليات الإنتفاع بوجوده الشريف بأبي وأمي في غيبته، وهو المصداق لقول الإمام صلوات الله عليه في التوقيع الصادر لاسحاق بن يعقوب: وأما وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما ان النجوم أمان لأهل السماء.[8]

 

[1] اللأواء: الشدة.

[2] الاصطلام: الاستئصال.

[3] الانتياش: التخليص والانقاذ.

[4] أنافت: بلغت.

[5] حمّ: دنا واقترب.

[6] أزف: دنا واقترب.

[7] الاحتجاج: 497ـ498.

[8] كمال الدين وتمام النعمة: 485 ب45 ح4.

التعليقات
الحقول المعلمة بلون الخلفية هذه ضرورية
مواضيع مختارة
twitter
الأكثر قراءة
آخر الاضافات
آخر التعليقات
facebook
زوار الموقع
14 زائر متواجد حاليا
اكثر عدد في نفس اللحظة : 123 في : 14-5-2013 في تمام الساعة : 22:42
عدد زوار الموقع لهذا اليوم :12915
عدد زوار الموقع الكلي: 27028613
كلمات مضيئة
قال الإمام الصادق عليه السلام: من أحبنا كان معنا أو جاء معنا يوم القيامة هكذا ثم جمع بين السبابتين ثم قال واللَّه لو أن رجلا صام النهار وقام الليل ثم لقي اللَّه بغير ولايتنا أهل البيت للقيه وهو عنه غير راض أو ساخط عليه