هناك أمر يجب أن ينظر إليه بإمعان وإنتباه شديدين في مجال دراسة الظواهر الاجتماعية:
في امريكا كانت هناك تجمعات انتخابية كبيرة ولكنها متفرقة في المدن والولايات.
التجمعات الأمريكية هذه لم يتشارك فيها الناس بالمأكل والمشرب وانما مارسوا الاختلاط كل بطريقته، مع ملاحظة انتشار الكمامات بشكل واسع.
كانت نتيجة هذه التجمعات من اصابات الكورونا من يوم ١/ ١١/ ٢٠٢٠ الى ٦/ ١١/ ٢٠٢٠ هي: (625378) اصابة.
الى ذلك كان في العراق تجمعات كبيرة تفوق تلك التي في امريكا، ففي الاربعين تجمع ١٤ مليون ونصف، وفي شهادة الرسول الاعظم صلوات الله عليه وآله كان التجمع العراقي يتجاوز خمسة ملايين والنصف، ومن بعدها كانت زيارة الامام العسكري عليه السلام قد جمعت ما يزيد على خمسة ملايين.
وقد تميزت هذه التجمعات بعدة فوارق مع تلك التي حصلت في امريكا، منها ان الاختلاط في العراق كان كبيراً وفي كل المجالات فالاكل والشرب واماكن المنام والاستراحة كان الاختلاط فيها مكثفاً، كما أن تركيز التواجد في مكان موحد هو أحد المزايا التي تميز الزيارات، فالكل يتجه إلى الضريح المقدس، وأقلهم همة هو الذي لا يدخل الضريح المبارك ويكتفي بالوصول الى الباحة الخاصة بمرقد الزيارة، مما يجعل التواجد في بقعة محددة صغيرة يتميز بالاكتظاظ الشديد، وفي الغالب يخوض الزائرون في داخل المرقد المشرّف حالة من التداكك الشديد بغية الوصول إلى الشباك المطهر، وفيما يتميز التجمع في امريكا بانه ينفض سريعا ويعود كل المتجمعين الى اماكن سكناهم، غير أن الزائر في العراق هو وافد من مكان يعسر عليه في الغالب العودة إليه مبكراً، مما يشكل سبباً إضافياً للتزاحم الشديد في منطقة صغيرة جداً، وما يترتب عليه من اختلاط بشري.
ولكن مع أن الفيروس البغيض في العراق هو عينه في امريكا، ولكن أي سر يجعل الفايروس يفترس بالأمريكيين ليصيب منهم هذا العدد الهائل خلال ستة أيام، وهو مهما كان لا يرقى الى العدد الواقعي، لان الغالبية تعالج في البيوت، بينما نلاحظ أن نسبة الفايروس بقيت تتراوح في العراق بين النقصان وبين موازاة الارقام قبل الزيارة، فيما يلاحظ ان نسب الشفاء ارتفعت بشكل ملحوظ؟
فالفايروس هو الفايروس، والناس هم الناس، والاجراءات الوقائية هي نفسها في البلدين!
من لا يرى الغرابة في هذه المفارقة لا شك أن لديه رمد في العقل قبل العين.
ومن يعزوها إلى العوامل الطبية او الوقائية فحسب، فهو الآخر يعاني من عشو مركب في الألوان، مع الإقرار بأن إجراءات الوقاية في امريكا هي أكثر وأشمل مما في العراق! ومع تنبيهنا المشدد بضرورة اتخاذ كل إجراءات الوقاية المعقولة.
لو فتشت عن السبب في عوامل المادة ومعايير الأرض فلن تصل إلى أي نتيجة، وإلى أي جواب مقنع، أما لو أضفت إلى الفوارق وجود المرقد الذي يزوره الناس وطبيعة الشخص الذي يثوي فيه في العراق، وإنعدام وجود ذلك في أمريكا، لوجدت أن الفارق الوحيد بين النموذجين يكمن في هذه الإضافة النوعية…
ما سر هذا الشخص الذي ثوى في هذه المراقد؟
الجواب عندنا سهل ويسير فمثل هذا الشخص هو مصداق الرحمة الإلهية وتجلياتها على الأرض، وهذا ما يحملنا مسؤولية الإنتباه لهذه النعمة، ومعرفة واجبات الشكر لله على ما خصّنا به، فمن لا يشكر النعمة ولا يقدرها ترتفع عنه، وما بعد ارتفاعها إلا العناء والشقاء، فأهل البيت عليهم السلام لم يقل الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله عنهم عبثاً: مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى، ومن تركها غرق وهوى. ومثل الحسين عليه السلام لم يقال عنه من قبل الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله اعتباطاً: الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة…
ولهذا فالفرق الحقيقي بين النموذجين يكمن في كون العراق فيه سر يكمن في كون #أهل _البيت_رحمة_الله، أما في #أمريكا_فمرتع_الشيطان.
وحسبك هذا التفاوت بيننا… فكل إناء بالذي فيه ينضح
جلال الدين علي الصغير
في العشرين من ربيع الاول ١٤٤٢