عمار الولائي (منتظرون ٥): هل ما يجري من عملية (نبع السلام) هو النزول التركي المقصود في الرواية؟؟
الجواب: من المعلون أنه أشير الى مسالة نزول الترك الجزيرة كأحد العلامات البارزة على عصر الظهور الشريف، وهي من جملة العلامات التي تنتظم مع غيرها في سلسلة كنظام الخرز يتبع بعضها بعض، وقد تحدثت رواياتنا بحديث موثق وبطرق عدة عن ذلك، وماثلتها روايات أهل السنة وبنفس السياق، وخلاصة ما ورد فيها من رواياتنا هو ما ورد على لسان الإمام الباقر عليه السلام بعدة طرق بقوله عليه السلام: ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها هرج الروم، وسيقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وسيقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة. (غيبة النعماني: ٢٨٧ ب١٤ ح٦٧، وقريب منه في غيبة الطوسي: ٤٦٢ ح٤٣٤) ولا تبتعد الروايات الواردة عند اهل السنة وهي كثيرة عن مفاد هذا الموضوع كثيرا وفي هذا المجال تلاحظ الروايات التي ذكرها نُعيم بن حماد في كتابه الفتن: ٤١٢-٤١٦، وكذا ما رواه عبد الرزاق في المصنف ١١: ٣٨٠ ح٢٠٧٩٨، ومثله الحاكم في مستدركه على الصحيحين ٤: ٤٧٥ وقد تابعه الذهبي في تلخيصه، كما ويلاحظ الداني في كتابه السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة واشراطها: ٩٣٦ ح٤٩٧. ولهذا فاصل الخبر بحكم المتواتر.
ولكي نطلع على التفاصيل علينا ان نؤكد في البداية على امر منهجي، من خلاله يمكننا أن نفرق بين الحدث الذي له علاقة بعلامات الظهور وبين الحدث الذي لا علاقة له بهذه العلامات، اذ في العادة يمكن ان تتعدد الاحداث عبر الزمن عدة مرات، ولكن كي نحدد الزمن المشار اليه ي الروايات بدقة، علينا ان نراقب ان هذا الحدث ياتي وسط احداث عديدة، تتقدمه تارة وتترافق معه أخرى وتتأخر عنه ثالثة، مما يعني ان الحدث الذي نقول بانه من العلامات هو الحدث الذي ترافقه كل الأحداث التي ذكرت معه، وفي علامتنا هذه نحتاج لكي نقول بان الحراك التركي المعاصر هو من العلامات الى ان نرى حراكاً كرديا في منطقة محاذية للأتراك في سوريا يخرج عن المألوف السياسي ويشكل لنفسه كيانا في وسط ظروف عالمية معقدة تنتهي الى صراع بين الروم أنفسهم وفي أعقاب ذلك سيتحرك الأتراك لتنفيذ ما اشارت اليه الروايات، وقد اعطي للحراك التركي صيغتان اولها انه ينزل إلى الجزيرة وثانيها انه يمتد حتى يصل في بعض نطاقه إلى نهر الفرات، ولهذا نحتاج للتاكد من ان ما نتحدث عنه هو العلامة التي وردت على لسان اهل البيت عليهم السلام الى ملاحظة ساحة الحراك وامتداداتها اولا ثم ملاحظة هذا الحدث بمعية بقية الاحداث.
وفي هذا الصدد يتوجب ان نحدد المراد بكلمة الجزيرة في هذه العلامة، إذ إن الجزيرة في مناطقنا لا يراد منها المعنى الاصطلاحي الذي يتحدد بالارض المحاطة بالماء من جوانبها، وانما عادة ما تعني الارض التي يحفها نهران او اكثر من دون ان يعني ذلك احاطة الماء بكل بقعة منها، وبدلالة حديث الرواية عن وصول الاتراك الى الفرات فإن المراد هنا محكوم بالجزيرة التي تتشكل بأحد اطرافها بنهر الفرات، وبالنظر لاشارة رواية اخرى الى وجود الترك في قرقيسيا، فإن المراد بالجزيرة سيكون حكماً بالاراضي التي تمتد بين نهري الخابور والفرات وهي من الناحية العملية يمكن تحديدها في المثلث لممتد بين الحسكة ودير الزور والرقة، ولهذا من ناحية المبدأ لا يمكن ان نحكم على الحراك التركي الحالي بانه هو المعني بما اشارت اليه الرواية الشريفة الا بعد ان نراه يتمدد في هذه المنطقة فنلمس معه التطابق الاول مع الرواية في بعدها المكاني، ولكنه ليس بكاف لوحده لتحقيق التطابق التام، وانما يجب ان نلاحظه في بعده الزماني ايضاً، فالرواية وضعت الحدث بين حدين، الاول وجود المارقة على الحدود التركية، وقد سبق ان عرفنا ذلك بانه يعني الكرد السوريين وتشكيلهم لما يشبه بالكيان السياسي الذي له نمط من الاستقلال عن سوريا، وما يعقب ذلك من هرج الروم واقتتالهم فيما بينهم، وقد عرفناه بالحرب العالمية، وفي تصوري ان التداخل التركي الحالي لن يتمكن من التغلغل اكثر باتجاه الجزيرة وباتجاه موارد النفط بسبب الروادع الدولية ولكن هذا سيكون ممكنا بزوال هذه الروادع بسبب اقتتال الروم انفسهم وانشغالهم بحروبهم ولهذا جاء ذكر نزولهم الى الجزيرة بعد هذا الاقتتال وليس قبله، واما الحد الثاني فهو نزول الروم في فلسطين.
وعليه فان الحدث بصورته المباشرة لا علاقة له بالرواية، ولكنه يحمل معه بوادر علامة اخرى مهمة للغاية، فالاتراك معهم حلفاءهم وهؤلاء جلّهم من المسوّدة والذين ينطبق عليهم وصف بني العباس، ولهذا الحديث عن اقتتالهم الشديد مع القوى الكردية، وما سيتبع من تطورات الموقف المعلنة فعلا والتي تتعلق بجلب ما يقرب من مليوني نازح ولاجئ سوري الى المنطقة، وما يلحق بها من تداعيات ديمغرافية، وما يعني ذلك على المستوى الامني، يعطينا دلالات ضخمة على التفاصيل الاولية على قتال الاكراد وقائدهم المرواني مع بني العباس والتي تنطبق في ملامحها العامة على نفس مواصفات معركة قرقيسياء الاولى، والله العالم.