عبد الله البلادي (الموقع الخاص): ما هي الصفات الواجب توافرها في الفرد المؤمن لكي يكون مؤهلاً أو موفقاً للانضمام الى جيش الامام المهدي ويكون من أصحابه (أرواحنا له الفداء)؟
الجواب: مما لا شك فيه أن التوفيق للانضمام إلى هذا الجيش المبارك لن يدرك كل من يقرر ذلك دون مراعاة جملة من المواصفات الأساسية، والقرار هنا ليس قرار الرغبة الذاتية فقط، وإنما تتداخل في صناعته عوامل متعددة، منها ما يتعلق بالإمام روحي فداه، ومنها ما يتعلق بالطبيعة الذاتية لشخصية الإنسان.
وفي البداية نشير إلى أن هناك ثلاثة أنماط من الصحبة يمكن أن تنشأ في ساحة الإنتظار الشريف، فهناك صحبة ناجمة من العمل بالتكليف العام للمؤمن، وهذا بطبيعته يجعل المرء مرضياً عن الإمام روحي فداه، إذ يلقاه في المحل الذي يحبّه أو يرتضيه، وهذه الصحبة لا خصوصية فيها، إذ أن العمل بالواجب والانتهاء عن المحرم لوحده وإن كان عملاً إيمانياً حسناً وصالحاً، إلا أنه يوجد أرضية للصحبة الخاصة ولكنه لا يحققها بالضرورة، وهناك صحبة من نمط أعلى من النمط الأول وهو أن يضم الإنسان المنتظر لحالة العمل بالتكاليف العامة حالة أخرى تبتنى على علاقات الولاء الخاص والعلقة الخاصة بالإمام صلوات الله عليه، وهذا الولاء كلما تعمّق الإنسان في معارفه وأدرك أسراره كلّما أفرغ قلبه لمصاديق الولاء ومنهم الإمام روحي فداه، وكلّما تمكّن من رؤية جمال هذه المصاديق وكمالها كلّما أصبح أقدر على نكران الذات من أجلها.
وهنا أنبّه إلى صورتين من العلقة الخاصة، فهناك من يرتبط بهذه المصاديق المعظّمة حبّاً بمصالحه أو تلبية لأغراضه الشخصية، كأن يكون صاحب حاجة منهم فيقصدهم بهذه العلقة استدراراً لكرمهم، وهم صلوات الله عليهم وإن كان كرمهم فوق حد التصور الإنساني، لأنه التجلّي الاجتماعي لكرم الله تعالى، ولكن تبقى العلاقة هنا مشوبة بإرواء رغبات الذات، حتى لو كانت هذه الرغبات مشروعة، بل وحتى لو كانت من النمط الذي يستجلب رؤية كمالهم وجمالهم صلوات الله عليهم، كأن ينمّي الإنسان علقته بهم رغبة في أن يرى كراماتهم وما قيّضه الله لهم من منازل التعظيم والتبجيل، وهو أمر مع عظمته إلّا أنه لا يعبّر عن العلقة الخالصة في الولاء والحب والود، ولذلك يروى عن أحد العلماء رؤيته للإمام صلوات الله عليه فيطلب الإمام روحي فداه منه أن يطلب من الشيعة أن يدعو له، فقال للإمام بأبي وأمي إن الشيعة يدعون كثيراً لك، فقال له صلوات الله عليه: إنهم لا يدعون لي وإنما يدعون لأنفسهم، بمعنى إن الإنسان حينما يدعو بالفرج للإمام عجل الله فرجه الشريف قد يستبطن في هذه الدعوة رغبته في أن يتخلّص من الجور والظلم الذي يكلكل على المجتمع بصورة خاصة او عامة، فيأتي دعاءه بتعجيل الفرج لا لأجل الإمام صلوات الله عليه، وإنما لأجل نفسه وإن كانت واجهة الدعاء للإمام عليه السلام.
بينما هناك نمط من العلقة لا علاقة له بأي مطلب ذاتي غير حب الإمام روحي فداه وطلب التقرّب إليه دون أي شوب في هذه العلاقة بأي مطلب من مطالب الدنيا، بل وحتى مطالب الآخرة، ولو تنبّهنا إلى ما حكيناه عن كلام العالم مع الإمام صلوات الله عليه في شأن الداعاء له، فإن من مفروغ القول أن الإمام صلوات الله عليه لا حاجة له بدعائنا، ولكننا نحن بحاجة لهذا الدعاء، لأن من شأنه أن يسوقنا إلى هذا النمط من العلاقة، وهو النمط الذي يستهدف فيما يستهدف ان لا يبقى في القلب أي ولاء لأي بطانة أو وليجة، بل يكون الولاء متمحّضاً بنفس الإمام روحي فداه، وهنا تبدو لنا معالم الجندية الخالصة من أجله، وهذه هي النمط الثاني من الصحبة التي يكون الإمام صلوات الله عليه هو المسرور بها بل ولعلّي لا أبالغ إن قلت بأنها هي النمط الذي يقصده الإمام عليه السلام ويبتغيه، ولعل هؤلاء هم من وصفهم الإمام الصادق عليه السلام بقوله: إن صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه لو ذهب الناس جميعاً أتى الله له بأصحابه وهم الذين قال الله عزّ وجلّ: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين}[1].[2]
أما النمط الثالث من الصحبة فهو الذي يتوفر لأسباب موضوعية لا علاقة لها بالمحتوى الذاتي للصاحب، بقدر ما لها علاقة بطبيعة دوره في أمر يهتمّ به الإمام صلوات الله عليه، وهو أمر قد ينتهي بمجرد انتهاء الحاجة، فعلى سبيل المثال أنت تقصد رجلاً لا تعرفه ولا تمتّ له بأي صلّة ولكنه يتمتع بخبرة ببرنامج الفوتوشوب على سبيل المثال، فقد تستخدمه كصاحب، ولكن هذه الصحبة غير مبنية على المعايير الأخلاقية، وإنما على ظرف موضوعي هو معرفته بأمر أنت بحاجة إليه، وهذا الظرف ينتهي بنهاية هذا الحاجة إليه، ولعل من هذا الصنف ما نرى في بعض الروايات من الإشارة إلى أن بعض من يعين الإمام صلوات الله عليه في يوم يصدر عليه حكم بالإبعاد في اليوم الآخر، ومنه هذه الرواية التي تشير إلى أن الرجل بينا يأمر وينهي بين يدي الإمام وإذا بالنداء: خذوه واضربوا عنقه، وما لا شك فيه أن القصاص منه إنما كان لجريمة ارتكبها خفيت على الناس ولنها لم تخف على الإمام صلوات الله عليه، مما يؤكد أن صحبته لم تكن مرتهنة على طبيعة الخلوص في المحتوى الذاتي، وإنما ربما للحاجة الموضوعية المرتبطة بطبيعة عمله أو دوره.