أحلام وردية من الحجاز (منتديات براثا): ماهو المقصود بمعرفة الإمام في قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ( من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميته جاهلية)
هل المقصود معرفة اسمه؟ أو مكانه؟ أو ما هي نوعيه المعرفه المطالبين نحن بها؟
الجواب: معرفة الإمام صلوات الله عليه المُشار إليها في الرواية الشريفة على عدّة أنماط، الأول منهما هو المعرفة بصورتها البسيطة، والمراد بها الإيمان بأن فلاناً هو إمام الزمان من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، من دون ضرورة في أن يكون هذا الإيمان مبني على أدلة تفصيلية، وإنما يكفي فيه الإيمان الارتكازي الذي يُشعر بإرتباط هذا الإنسان بهذا الإمام، ويشعر هذا الإنسان بأنه دينه يجب أن يؤخذ من هذا الإمام، أما النمط الثاني من هذه المعرفة فهو المعرفة التاريخية، وأعني بذلك التعرف على حياة الإمام وسيرته ومراحل حياته وطبيعة ما مرّ به في هذه الحياة، وأما النمط الثالث من المعرفة فهو المعرفة العقائدية والمراد به هو التعرف على نفس الإمام صلوات الله عليه، من حيث ما طرحته عقائد أهل البيت عليهم السلام للإمام من مواصفات ومؤهلات ومن أدوار وأهداف، أي لا يكتفي بمعرفة الإمام من خلال هويته الشخصية وسيرته الذاتية، وإنما من خلال مواصفاته الذاتية، فهو يبحث عن علم الإمام وما يعنيه وما يترتب عليه، ويبحث في عصمة الإمام ومصادرها وخصائصها، ويبحث عن ولاية الإمام ومنشؤها ومداها التكويني والتشريعي، ويبحث عن شهادة الإمام وخصوصياتها ويبحث عن طهارة الإمام بصورتها التشريعية والتكوينية وهكذا بقية التفاصيل المتعلقة بشخص الإمام من حيث المؤهلات الذاتية، ومثلها يبحث عن دوره في عملية الهداية الربانية تارة كخليفة لله في الأرض، وكمؤتمن على ما استخلف عليه، وكمرتبط بالميثاق الرباني وكملتزم بالعهد الإلهي وكناهض بمهمة الهداية الربانية، وكعابد مستوفٍ لشريطة الخلقة وهكذا بقية الأمور التي تتعلق بدوره ومسؤولياته، ومما لا شك فيه إن هذا النمط من المعرفة هو أشرف وأعلى الأنماط، وهو الذي يفهم من قول الرسول صلوات الله عليه وآله في بعده الأعمق، فالمعرفة تسير في مسار تكاملي، ولا تتوقف عند حد بحيث يمكن للإنسان أن يقول بأني اكتفيت، فكلما تعرّف على أمر كلما زاد نهمه لكي يتعرف على ما هو أدق منه وأعمق، وفي تصوّري إن الزيارة الجامعة التي نصّ عليها الإمام الهادي صلوات الله عليه قد طرحت النمط الثالث بصورة رائعة ولكن بإيجاز ينسجم مع نص زيارة أطلقت لعامة الناس وأريد لهؤلاء جميعاً أن يغترف كل واحد منهم بمقدار ما عنده من قابلية علمية من بحر هذه المعرفة، فمنهم من يردد النص ولا يفهم فيه إلا صورته الإرتكازية الأولى ومنهم من يغوص في أعماقه ليكتشف طبيعة الدرر الكامنة فيه، ومن المؤكد أن النمط الثاني كل ما توغل في العمق أكثر كل ما تفتحت له آفاق المعرفة بشكل أكبر مما يجعله يزداد حاجة للتوغل بصورة أعمق مما كان وهكذا، وأنا أنصح الأخوة والأخوات الكريمات أن ينشدوا هذا النمط من المعرفة، ودليلهم في ذلك نفس كلام المعصوم صلوات الله عليه عن نفسه، فهو الوحيد الذي يعرب عن مكنونات هذه النفس القدوسية، إذ أن غيره فاقد لها وجاهل بخصائصها ولا يمكن لفاقد الشيء أن يتكلم عنه لأنه لا يعرفه، وكلامي هذا أطرحه لكي يتجنّب الأخوة والأخوات إتجاه بعض أنصاف المثقفين الذي نصّب نفسه حاكماً على هذه المعرفة، فبدأ يشكك بهذا او ينكر ذاك بناء على معطيات ذوقية، بينما مهمة المعرفة يجب أن تقترن بوجود المعرّف، والمعرّف عن النفس المعصومة لا بد وأن يكون معصوماً، وإلا شطّ بعيداً عن هذه المعرفة، هذا وقد حاولنا في كتبنا الأربعة التي نشرت: الولاية التكوينية، والإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدس، ومن عنده علم الكتاب؟ وعصمة المعصوم، وكذا في كتبنا التي لم تر النور بعد: علم المعصوم والخلافة الربانية والأمانة الكونية أن نوضّح آفاق هذه المعرفة، ولكن بشكل عام أنا أنصح الأخوة أن ينظروا إلى الزيارة الجامعة بهذا المنظار وأعتقد أن شرحاً روائياً لمكنوناتها وتضيحه قد حواه كتاب بصائر الدرجات الذي ألّفه تلميذ الإمام الهادي صلوات الله عليه، بالرغم من أن الروايات التي وردت فيه وأعمّها صحيح وموثوق فيه لم يهتم بشرحها وتوضيحها العلماء وأصحاب الإختصاص.