محمد عزت الخالدي (موقع جامع براثا): السلام على الإمام علي والإمام الحسين وعلى جميع أهل البيت. أيها السادة: تقولون بعصمة الإمام علي، ولقد خرج إلى البصرة بجيش نصفه قتلة، وهو يعلم، فأين العصمة؟
وخرج الإمام الحسين إلى الكوفة بعيون اهل البيت، وكان خروجه لنفي الباطل وإحقاق الحق، وهو مقصد عظيم، ولكن بدون وسائل، وقد علم أن الناس خذلوه واستمر في خروجه إلى أناس قتلوا أباه وطعنوا اخاه، فأين العصمة..؟
أيها السادة سألت هذا السؤال في بعض المواقع الأخرى فلم يأت جواب، فهل أجد عندكم الجواب كي اخرج من مرتبة الشك في هذا الموضوع؟
الجواب: بالنسبة للسؤال الأول فلا يوجد دليل على ما تقولون بأن الإمام علي صلوات الله عليه خرج بجيش نصفه قتلة إلى البصرة، بل الدليل قائم على خلافه، فحينما نتهمهم بهذا الأمر الخطير يجب أن تكون هناك ممارسة عملية لعملية القتل التي تزعمونها، خاصة وأنك لا تتحدث عن أفراد وإنما تتحدث عن نصف الجيش، فأين مارسوا عملية القتل التي تزعمونها كي نسمهم بهذه السمة، ولو قدّر أنكم تشيرون إلى أنهم سيشتركون في قتال جيش عائشة وسيمارسون القتل عندئذ، وهو ما اعتقد أنه غير ظاهر من سؤالكم، ولكن لو قدّر ذلك فإنما هو قتال تحت راية شرعية وببيعة شرعية وبقائد شرعي ولذلك لا يتم تسميتهم بالقتلة بل ينعتون بمن يؤدي الحق الجهادي الشرعي عليه، وما من ريب أن جيش عائشة كله بما فيهم قائدته قد ارتكبوا خروقاً كبرى للأحكام الشرعية البديهية وكل دم أريق بهذه الحرب إنما يتحملون وزره كاملاً، لذلك أعتقد أن السؤال فيه اضطراب في مقدماته، وبالتالي إما ان توضحوا مقصودكم وإما أن أن نقول بأن المعلومة التي أسستم عليها السؤال باطلة.
أما بالنسبة للسؤال الثاني فهو أيضاً ينطوي على مغالطة تاريخية فهو لم يخرج إلى الأناس الذين قتلوا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ولم يخرج إلى قتلة الإمام الحسن عليه السلام ولا إلى طاعنيه، نعم جرى قتل أمير المؤمنين بأبي وأمي بالكوفة من قبل الخوارج، وجرى طعن الإمام الحسن عليه السلام أيضا بالكوفة ولكن هذا لا يعني تعميم الأمر على جميع من في الكوفة، فالرسول صلى الله عليه وآله خذله أصحابه في احد وفي الأحزاب وفي حنين وما من مدعاة للقول بأن جميع أصحابه من خذله، بل فيهم من هم فعل ذلك وفيهم من وقف موقفاً معاكساً لذلك، أما لغة التعميم فهي تسطيح في تحليل المعلومة.
أما كونه قد خرج وهو يعلم انه سيخذل؟ فإن هذا الكلام دقيق، ولكن أيضاً لا يمكن تعميم الخذلان على جميع الناس، ولكن هل ان محض الخذلان عائق عن التقدم باتجاه ما كان يسعى إليه الإمام الحسين عليه السلام؟ سيكون كذلك لو كان مشروع ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي قصة الحكم، ولكن من يصرّح لعبد الله بن عباس ولمحمد بن الحنفية وهو لما يزل في المدينة حينما جاءاه لكي يثنوه عن عملية الخروج وقد عرض عليه نفس ما ذكرتموه في سؤالكم، ولكن كان جوابه: شاء الله أن يراني قتيلاً، فطلب منه ان لا يخرج بالنساء فكان جوابه: شاء الله أن يراهن سبايا! ولهذا اعتقد ان من يصرّح في بدو حركته بطبيعة النتيجة المادية المباشرة التي سيصل إليها فإن الحديث عن كونه كان طالب حكم أو سلطان أو ما إلى ذلك سيكون منافياً للدقة، بل هو إلى الخرق أقرب منه إلى التعقّل والتفكّر في أعمال رجل سمّاه الله ضمن من أذهب عنهم الرجس اهل البيت وطهرهم تطهيرا، وأنت تعرف ان عوامل فقدان البصيرة تكمن في الذنوب، والرجس اصغر الذنوب، فما بالك برجل لم يقارف ذنباً فهل ستخطؤه البصيرة؟
إذا كان الجواب بالنفي فعلينا إذن أن نفتش عن السبب في مجال آخر غير مجال الأسباب المادية العاجلة، ولو فعلنا ذلك فعلينا اولاً ان نقرّ بحقيقة أن تقدير المصالح يختلف من شخص لآخر، فقد تحب كسب المال وتعتبر عملية الكسب هي من أعظم المصالح، وقد لا أفعل أنا، وقد أحسب النساء ةأعتبر التمتع بهن من أعظم المصالح بالنسبة لي، وقد لا تعتبرها كذلك، في نفس الوقت فإن تقدير الخير والشر يتفاوت هو الآخر بين شخص وآخر كما ونوعاً، فقد تجد ان الخير هو في التصدّق على زيد من الناس، وقد أرى أن الخير في عدم التصدّق على زيد هذا، لأني امتلك معلومات تؤكد لي أن زيداً هذا سوف ينفق الصدقة في ما يحرم، وفي تقديري أن سبب التفاوت يعود لطبيعة رؤية الإنسان للخير، فما من شك أن الناس تحب الخير، ولكن مشكلتها الكبرى تكمن دوماً في مصداق الخير، وكلما احاط المرء بهذا المصداق كلما أمكنه إدراك موضع الخير بشكل أدق، ولو رجعنا إلى قصة العبد الصالح مع نبي الله موسى عليه السلام لوجدنا أن العبد الصالح أصاب إدراك الحقيقة لأنه نظر إلى جوهر الأمور ولم يكتف بالصورة الظاهرية ولهذا أصدر احكاماً ونفذ أمراً يبدو خالياً من الحكمة مما أوجب نكير النبي موسى عليه السلام والذي كان مأموراً أن لا يحكم بناء على حقيقة الأمور، وإنما يكتفي بالحكم على الحدث الظاهر، مما لم يجد مسوّغاً في شريعته لارتكاب ما ارتكبه العبد الصالح، بالرغم من علمه بأن الحكم على حقيقة الصورة وكواليسها يستدعي احكام العبد الصالح، ولذلك لم ينكر عليه حينما أباح له أنه حكم عليه بحكم الواقع لا حكم الظاهر، كذلك الإمام الحسين عليه السلام فلقد تحدّث عن الصورة الظاهرية فأشار إلى أنه سوف يقتل بأبي وأمي وسوف تسبى حرائر رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكنه كان ناظراً إلى طبيعة تأثير هذا الحدث بمرارته على هدفه كإمام مكلّف بعملية الهداية الربانية، ولذلك لم يجد إلا أن يمضي بالرحلة إلى آخرها كي يستطيع أن يعرّي كل ما حاول بنو أمية أن يزيّفوه من أوضاع الشريعة ولكي يسقط عنهم كل الخداع الذي تلفّعوا به، ويؤسس لنمط من الوعي في التعامل مع الأمور كانت الأمة بأمس الحاجة إليه بعد أن حاولت أجهزة السلطة أن تعمم وعياً سطحياً لدين هو الأعمق في الوجود، وعي يقوم على أساس تقديس الظاهر وتمزيق المحتوى الباطن له، وأي سبر لعملية ما أستطاعت هذه الثورة أن تحدثه في الأمة في الماضي ولا زالت تحدثه في حاضرها يعطينا اليقين بأن قرار الثورة وبالطريقة التي سلكها الإمام الحسين عليه السلام كان قراراً اكبر من العصمة.