قال سماحة الشيخ جلال الدين الصغير في خطبة الجمعة :
للأسف الشديد بالأمس رزءنا ببعض أخوتنا من مصلي هذا المسجد المبارك وآخرين من أهالي منطقة العطيفية الثانية بحادث التفجير الأجرامي الذي حصل مساء يوم أمس وذلك ضمن لعبة الأمن المخترق وضعف الأجهزة الأمنية وضعف الوعي الأمني . وقصة العبوة اللاصقة التي في كل يوم تأخذ أنفسا وتختطف أرواحا في مدينة بغداد وربما أكثر من عشرة عبوات تنفجر يوميا في مدينة بغداد لتعرب أن قصة الأمن لا زالت كما كانت . فلا زال التخاذل ولا زال الأختراق ولا زال الأداء السيء ولا زالت السياسات السيئة ولا زال الوعي السيء .
إن كان الحديث عن الأجهزة الأمنية وسياساتها التي لم تتبدل رغم الشعارات التي ترفع والخطابات الرنانة التي قد يتحدث المسؤولون عن الأمن وعن وضع سياسات وستراتيجيات كلها عبارة عن خرافة تتساقط مع كل أنفجار يحصل ويقتطف أرواح المواطنين العراقيين . لو أغمضنا غير النظر عن السياسات السيئة التي أثبتت أنها غير قادرة على أن تلاحق أصحاب العبوات والكواتم وعصابات الأختطاف وهذه الأمور وللأسف الشديد تحصل يوميا في شوارع بغداد . ولو غضننا النظر أيضا عن طبيعة الأختراق الحاصل في الأجهزة الأمنية وعن الفشل إنفجارات وتتكرر نفس القصة قصة العبوة اللاصقة في منطقة لا تتجاوز الثلاثة شوارع وأهالي المنطقة يتذكرون أماكنها اما أمام المحكمة وأما خلف المحكمة وأما بجوار المحكمة ويقتل الناس ولكن الأجهزة الأمنية لم تصل الى قناعة بأن عصابة واحدة تصنع هذه القضايا فأي جهد إستخباري لا يستطيع أن يصل الى عصابة واحدة تصنع العبوات وتصنع الكواتم .
ولو غضضت النظر عن كل ذلك أقول ( ما بال المواطن الذي يستهدف بالعبوة اللاصقة ) ؟ ، ماذا سيحصل لو ان كل مواطن قبل أن يصعد الى سيارته يعطي لنفسه واجب فحص السيارة لمدة دقيقتين وليس أكثر وهو مجرد فتح غطاء المحرك والنظر تحت السيارة ؟ . فقصة العبوة اللاصقة ليست قصة عجيبة غريبة ولكنها تحكي قصة سوء وعي وعدم تحمل مسؤولية من قبل المواطن المستهدف ، ولا أدري ماذا أقول لو قلت أن غالبية المستهدفين هم نفس من يجب أن يعلمنا هذه القضايا فكثير من هؤلاء ضباط أو مسؤولون أمنيون وما الى ذلك .
وأضاف سماحته :
خلال الأسبوع الماضي قتل العديد من ضباط المخابرات وضباط الجيش وضباط الشرطة وإستهدفوا بشكل مباشر فأين الأجهزة الأمنية التي تقول أنها تريد أن تحفظ الأمن وضباطها ومسؤولوها مستهدفون ولا أحد يحميهم . أي سياسات هذه ويقولون أنهم حققوا أمنا والعبوات تنفجر والكواتم تنطلق والعصابات التي تسرق وتخطف وتعربد وتنشر اللا أمن تنتشر في كل المكانات . نستهدف في كربلاء فيقال لدينا أمن ونستهدف في النخيب ويقال لدينا أمن ونستهدف في النجف ويقال لدينا أمن ونستهدف في ديالى ويقال لدينا أمن والأمن لا وجود له . إذن من الذي يستهدف ؟ ، وإذا كان لدينا أمن فهذا الكلام كان يمكن أن يقال في سنة 2006 أو سنة 2007 ويمكن أن يكون مقبولا ، أما بعد كل هذه الخبرات التي تراكمت والأجهزة التي تكونت والأموال التي صرفت فمن المفترض أننا تحررنا من هذه الجرائم وإذا بها تعود فتنمو وتكبر وتنتشر وها نحن اليوم أمام إستحقاق جديد من إستحقاقات الفتنة الطائفية التي تحاول بعض الأجندات أن تعيدها . وهذه مناطق ضواحي بغداد تشهد عودة التفجير والتفجير المضاد وتشهد عودة تفجير البيوت مرة أخرى فأين الأمن الذي يتحدثون عنه وإلى متى يبقى المواطن يقتل ثم ينتظر بعد يومين أو ثلاثة أو بعد أربعة ليقال له بأن الأجهزة الأمنية إستطاعت أن تقبض على العصابة التي قتلتك ؟ ! .
وبمعزل عن أن هناك بالفعل إلقاء قبض على هؤلاء أو لا ولكن الشيء المتيقن هو أن المواطن ماذا يفعل بعد أن قتل ثم يقال له بأن قاتله قد تم إلقاء القبض عليه . أنا أريد أمنا قبل أقتل وقبل أن يعتدى علي أما أمن بعد قتلي ماذا أصنع به ؟ . والحمد الله فهذا الذي نراه حيث أن آلافا يعتقلون ولكننا لا نسمع حركة عقوبة توازي حركة الأجرام التي يؤديها هؤلاء وإذا ما دخل هؤلاء المجرمون الى السجون فعند ذلك يكون لديهم الكثير من موارد الفرج أثناء وجودهم في السجن . وحادثة النخيب وإطلاق سراح القتلة في نفس اليوم رغم شهادة المفجوعين والناجين من المجزرة الذين قالوا بأن هؤلاء هم من مارس عملية القتل ولكن يطلق سراحهم تحت هذا الشرط أو ذاك ويبقى المواطن يعاني القتل ويعاني الأرهاق الأمني ويعاني كل ما يعاني لكي تبقى الحكومة ويخرج ناطقها ويقول أن الأمن مستتب وأن العصابات موجودة في كل بلد . يقال بأن البعثيين هم الذين ينفذون وأنهم هم الذين إخترقوا ولكننا لا نجد إجراءات لأخراج البعثيين من هذه الدوائر بل بالعكس فإننا نجد في كل يوم تحكما أكثر من قبل هؤلاء . ويقال بأن هناك إختراق ويتحدث عنه المسؤول عن هذه الأجهزة ! ، طيب تفضل بسم الله وقل في يوم من الأيام ودعنا نسمع ولو كذبا أن الوزارة الفلانية أو الجهاز الفلاني قد تم إكتشاف عشرة أو مئة من المخترقين وأخرجناهم .
وقال أيضا :
الكل يتحدثون اليوم عن الأختراق وعن الفساد ولكن أين الأجراءات الحقيقية التي تتجاوز مجرد الشعارات ؟. فلم تسمع آذاننا في يوم من الأيام أن أحد كبار المفسدين قد تم إلقاء القبض عليه وتم إثبات سرقته لمئات الملايين ؟ . نعم الذي يسرق مليون ومليونين دينار يقولون أن هذا مفسد ولكن نحن لدينا خسارات بعشرات المليارات من الدولارات فهؤلاء من الذي يقاضيهم ومن الذي يحاسبهم ؟ . متى من أولئك الذين يتحدثون بأنه يجب محاربة الفساد ويجب أن تكون مؤسسات الدولة شفافة في تعاملها مع نزاهة موارد الصرف وما الى ذلك ؟ . متى نسمع في يوم من هؤلاء أنفسهم عن أنهم تمكنوا من الوصول الى أصحاب الكروش المنتفخة وسارقي جيوب الناس . لا زلنا كما كنا وسنبقى وللأسف الشديد طالما أن السياسات إستمرت بهذه الطريقة ونبقى نستمع سوف نفعل وسوف نضرب وسوف نتحرك ويبقى المواطن يجوع ويحرم وتبقى الجيوب التي إنتفخت وتكرشت البطون على أموال الناس وعلى حقوقهم هي التي تشهد عزا يوما بعد آخر ، فأسأل الله أن يحول هذا العز الى نار تحرقهم في الدنيا قبل الآخرة .
ولكن أيا ما يكن ما بين هذا الواقع المتردي في وضع الأمن وأنا أناشد الأجهزة الأمنية التي تقول بأن لديها جهدا إستخباريا فهل يعقل أن منطقة بثلاث شوارع تستهدف بنفس الأسلوب لأكثر من عشرة مرات والمنطقة محاطة بأجهزة تفتش عند الدخول وعند الخروج ! . وأنا أتحدث بإسم أبناء العطيفية وأدعو الأجهزة الأمنية أن تفتش كل البيوت والناس سترحب بذلك ولكن خلصوا أرواحهم من الأرهاب .
أيا ما يكن وللأسف الشديد مع هذه الأستحقاقات ومع الرسائل التي تأتينا بين الحين والآخر عبر المتفجرات والجرائم التي تحصل من هنا وهناك لتقول بأن الأوضاع تتجه بإتجاه الخطر والتأزم لم أكن لأستغرب فشل إجتماع الكتل السياسية يوم أمس الأول بل بالعكس كنت متوقعا ذلك وأقول لو عقدت عشرات الجلسات فإنها لن تؤدي إلا الى مزيد من التشنج والقطيعة بين الكتل السياسية لأن القواعد المشتركة للحوار لا وجود لها ولأن الرغبة الصادقة في الوصول الى نتيجة لأخراج البلد من حالة التأزم لا وجود لها وسبق لي أن قلت بأن الموجة العاتية ستأتي ولن تبقي كرسيا لهذا الطرف أو ذاك . أما آن لكم لترعووا لمطالب الناس وتقولوا يكفي ما حصلنا عليه ولنبتديء بصفحة جديدة من التعاون ومن التحاب .
وعن أساسيات العمل السياسي قال سماحته :
وفي قضية السياسة فأن أعود وأذكر بمبدأ ذكرته هنا عشرات المرات وهو أن في السياسة لا يوجد ما أحبه وما لا أحبه ، فهناك استحقاقات موجودة لأنسان أحبه أو أبغضه ولكن لديه إستحقاق مادام الأنتخابات قد أعطته صوتا وقدرة فيجب أن أتلائم وأتكيف معه وأن أعمل معه فالسياسة ليس التعامل مع الأصدقاء فالأصدقاء هم أصدقاء ولا حاجة للسياسة معهم ولكن السياسة الحقيقية هي كيفية موائمة حركة الأضداد بالشكل الذي يخدم الناس . لدينا صراع يكاد أن لا ينتهي وبالرغم من محاولة البعض الرقي بهذا الصراع الى صراع مباديء وصراع أستحقاقات لهذه الطائفة أو تلك فدعوني أقول أن كل ذلك هراء وكذب فهؤلاء يتصارعون على مصالحهم الخاصة . وأقول بأنه من قال بأنه يريد أن يحصل على حصة المكون الفلاني فقد حصل عليها ولكنه لم يعطها لأصحاب هذا المكون . ومن قال بأنه يريد أن يحصل على حصة الشيعة أو حصة الشيعة أو حصة السنة أو حصة غيرهم فقد حصل عليها ولكن هل أعطى للشيعة حصتهم وهل أعطى للسنة حصتهم وهل أعطى للتركمان حصتهم ؟ . لو كانوا قد أعطوا لما بقي هذا الحرمان في المحافظات وتحولت المكاسب التي أخذت بإسم هذا المكون أو ذاك الى إقطاعيات خاصة يعملون بها ما يريدون .
يوم أمس كنت في مجلس محافظة ميسان وكان المتحدثون السيد رئيس مجلس المحافظة ونائبه وبعض أعضاء المجلس وكانوا يقولون بأن لديهم موازنة جيدة فقلت لهم كم هي الموازنة فقالوا إنها مئتان وخمسة وثمانون مليون دولار . فإذا دهوك أصغر من العمارة وأقل منها محرومية وتقبض من ميزانية الدولة ثلاثة مليارات ونصف ، فكيف يقول إبن العمارة انني أحصل على رقم جيد . وللحق أقول فأنا قد مررت خلال الأسبوعين الماضيين على محافطتي واسط وميسان وبيني ما بين الله قد وجدت حركة إعمار جيدة وحرصا إخلاصا وتعاونا بين المسؤولين ، فإذا كانت المئتان والتسعون يحصد الناس منها بعض الخير فأنا أقول أن المئتان والتسعون ليست هي إستحقاق العمارة فالعمارة صاحبة النفط الكبير وأهلها قانعون بهذا المبلغ وهذه دهوك وأربيل والسليمانية على مقربة منا يأخذون المليارات ونحن كل محافظاتنا تأخذ أرقاما هزيلة المستوى .
وختم سماحته الخطبة بالقول :
أنا لا أدري الى متى يبقى أهل السياسة يقنعون بما يوجد اليوم ولا يفكرون بطبيعة ما يجب أن يوجدوه ، ولا أدرى الى متى صاحب السياسة يفكر بأنه معني بغرفته فقط من دون أن ينظر الى بقية الدار وماذا يجب عليه أن يؤسس له ، وعلى أي حال فإن المشتكى الى الله تعالى . وأنا لا أنصح الأخوة السياسيين أكثر مما نصحت من وجوب تجسير العلاقة بينهم ولكن لدي رجاء وهذا الرجاء سأتحرك به بالمقلوب اذا صح التعبير ( أرجوكم لا تجتمعوا مرة أخرى لأنكم كلما إجتمعتم إفترقتم أكثر من قبل ) ، وأرجوكم أنهوا الحديث عن اجتماع الكتل السياسية رغم أنه ضرورة من ضرورات كبرى من ضرورات بناء الوطن ولكن الوطن لا يبنى بإجتماعات المتناحرين والمتصارعين سلفا فيذهب أحدهم وسكينه وربندقيته معه ولا توجد ورود فيما بينهم . وقبل ذلك كنت أتوسل لتجتمعوا والآن أتوسل بكم لا تجتمعوا رحمة بهذا الشعب لأنكم في كل مرة تجتمعون فيها تزيدون الناس إحباطا على إحباطهم .
وفيما يلي التسجيل الكامل لخطبة سماحته :