قال سماحة الشيخ جلال الدين الصغير في خطبة الجمعة :
لا شك ان حديث السياسة مرتبط بتشكيلة الحكومة والملاحظات الكثيرة التي تقال هنا وهناك وهي كثيرة جدا ، وكثير من الناس ربما اصيب بالوجوم والاحباط وربما اصيب بحالة من حالات الذهول لطبيعة ما يجري ولكنني اشير الى جملة من المباديء التي يجب ان نلتزم بها ويجب ان نعيها حق الوعي .
المبدأ الأول هو انه لابد للعراق من حكومة وفي بعض الاحيان لا تشتهي انت الخيارات وانما تفرض عليك بطريقة او باخرى فعليك ان تسلك درب تخفيف الضرر وتخفيف المحنة . تارة يستطيع الأنسان ان يحقق المكاسب ، ولكن اذا لم يستطع تحقيق تلك المكاسب فعليه ان يتجه باتجاه سياسة تقليل الضرر ودفعه عنه . كان العراق محاطا بأخطار متعددة ن وهذه الأخطار لم تتم ازالتها بتشكيل الحكومة ولكنها ولا شك ولا ريب قد قلت بشكل كبير . والحكومة شأن داخلي اكثر مما هي شان خارجي ولكن المؤامرات تاتي من طبيعة ارضية معينة ، وهذه الرضية اذا ما وجد المتآمرون او الحاقدون على هذا الشعبب قبولا لهم فيها يمكن ان تكون الأخطار اكبر بكثير مما لو اتجهت الامور بطريقة اخرى . لذلك انا اعتقد ان ما حصل وبرغم كل الملاحظات التي تقال هنا فان فيه ايجابيات كثيرة وعلينا ان ننظر الى هذه الأيجابيات ونتمسك بها . نعم هناك سلبيات كثيرة لا تخفى على الكثيرين ولكن مهما يكن فهناك ايجابيات في سلامة العراق ووحدته اعتقد انها تحققت بتشكيلة الحكومة وبغض النظر عن من الذي شكل الحكومة ومن الذي دخل فيها ومن لم يدخل . فالأصل هو ان تكون هناك حكومة تدير الشأن الحكومي وترعى ما يمكن ان ترعاه من مصالح الناس ، وبالنتيجة فالآن لدينا تركيبة في العملية السياسية كاملة ولا يوجد فيها نقص حتى نقول انها حكومة لم تنتخب او ان حكومة مؤقتة حصلت خصوصا واننا كنا مهددون بحكومة انقاذ وكنا مهددون بتدخل أممي وكنا مهددون بكثير من الأمور والآن قد زيلت هذه القضية .
وأضاف سماحته :
وهنا انا استغرب من ان بعض الناس متذمرون من حصول النتائج والتشكيلة الوزارية بهذه الطريقة . ان طبيعة الأستحقاقات الانتخابية وطبيعة الخيارات الديمقراطية تؤدي الى امور تحمل الانسان مباشرة المسؤولية عما يحصل . هناك مسؤولية حصلت لا تلقى على عاتق السياسي ، فالسياسي يحتاج الى امكانات حتى يستطيع ان يترجم مبادءه وقيمه ، ولكن هذه المكانات اذا لم تحصل في يده يصل الى الدرجة التي عبر عنها امير المؤمنين (ع) ( لا راي لمن لا يطاع ) . فالرأي موجود والفكرة موجودة ولكن الأمكانات حينما لا تعطى بيد هذا السياسي او بيد ذاك عند ذلك لا تعتبوا عليه واعتبوا على من تسبب بهذا الوضع فالنتخابات هي اصوات ، والاصوات هي اصواتي واصواتك ولم تاتي اصوات من خارج معادلتنا وانما هي معادلتنا ونحن صنعناها . فالآن انا اعطيت لهذا مقدار معين واعطيت الى ذاك مقدار آخر فلا قيمة للحديث عن هؤلاء لم ينتبهوا وان اولئك قد غفلوا وما الى ذلك فقد انتهت المور والآن الحديث حديث واقع اسمه وجود كيانات محددة ووجود وضع محدد والأنسان ترسم خارطه بناءا على طبيعة الامكانات التي يضعها امام الرسام ، فمرة يعطيه ورقة وقلم اسود ، ومرة يعطيه ورقة واقلام ملونة فهذا يرسم خريطة بشكل معين وذاك يرسم خريطة بشكل آخر .
النتائج التي حصلت فاعتقد اننا سبق وان نبهنا اليها وانا لم استغرب من كل النتائج اطلاقا ولا من اي قضية من القضايا واعرف ان بعض الناس مصابون بالذهول ولكن صناديق الأقتراع قد تكلمت بهذه الطريقة . فالأنسان واجبه ان ينبه وواجببه ان ينتبه لما سيأتي ولم تنتهي القصة فبعد ثلاث او أربع سنين وتعود المعادلة من جديد وتعود الخيارات مرة اخرى بيد الناس وهذا الكلام ذو بعدين . بعد يوجه الى الناس ونقول لاتلوموا الآن من أوجدوا هذه الطريقة من المعادلة ، فهناك بعض الناس فرحون ومبارك عليهم فرحهم ، وبعض الناس كما اعرف انهم مذهولون فهذا الذهول اختزنوه الى يوم الأنتخابات القادمة ، فالعيب ليس في الأنتخابات وانما العيب بطبيعة الأختيار . فطبيعة الأختيار كان لتلك الجهة تقدمت خيارات معينة ، واذا لم يحدث الى تلك الجهة تأخرت خيارات معينة ، وغدا تتغير المعادلة ايضا تتغير الخيارات وهذه قواعد سياسية بسيطة جدا وبديهية جدا .
والبعد الاخر هو الكلام الذي يوجه الى المسؤولين ، فالآن نرى تشكيلة الحكومة في الصورة التالية : ( احد عشر وزيرا للقائمة العراقية ، وسبع وزراء الى التحالف الكردستاني ، وسبعة الى التيار الصدري ، والأخوة في حزب الدعوة احتفظوا برئاسة الوزراء ووزارتين او ثلاثة ، ومنظمة بدر وزارتان ، وحزب الفضيلة أخذ وزارة ، وحزب الوسط أخذ وزارة ، وأيضا أحدى الكتل الأخرى أخذت وزارة ) هذه هي الصورة الموجودة .
وعن الأداءات المستقبلية للحكومة الجديدة قال سماحته :
انا اعتقد انه تارة كل الاحزاب تريد تحسين خياراتها في الحكومة القادمة وتحسين الخيارات يأتي من خلال الناس ، وتعب الناس خلال السنوات الماضية نتيجة التلكؤ في الخدمات سيختلف عن تعبها الذي سيحصل لو تردت الخدمات وتردت الأداءات في الوزارات القادمة . وانا اهنيء الوزراء الجدد جميعا ، ولكن اعزيهم في نفس الوقت فقد اعطيتم فرصة لكي تكونوا نجوما كبيرة في سماء هذا الشعب ، او شياطين كبرى في سماء هذا الشعب . فأما ان تشكروا لهذا الشعب صنيعه ولا شكر بالكلمات وانما الشكر من خلال تحسين الاداء وتحسين الخدمة للناس ونحن نتوقع الخدمة من كل الأطراف ولا يوجد طرف دون آخر يمكن له ان لا يقدم الخدمة ونأمل من جميع الأطراف ان تقدم هذه الخدمة فتنافسوا من اجل تقديم الخدمة الناس لحضوا باصواتهم وبقلوبهم . ولكن ان تردت الأوضاع مالذي سيحصل ؟ ، ستفقدون هذه الامكانات التي جعلتكم اليوم وزراءا وقبل ذلك نوابا وجعلت كتلكم تصعد وتنزل وما الى ذلك ولكن الناس اذا لم تجد الخدمة غدا فستتحول الى شيء آخر وسيكون اعداءكم على مقربة اكثر من اعناقكم خصوصا وان هناك اعداء لا يهمهم طبيعة شكل الكتل السياسية وانما يهمهم هو العملية السياسية بأصلها . لذلك الله الله وانتم في باكورة دخولكم الى الوزارات الجديدة في النظر الى من نصبكم في هذه المقاعد وفي هذه الكراسي . ان الكراسي لم تدم لغيركم حتى تدوم لكم ، والكراسي لم تذهب من غيركم حتى تذهب منكم ، غاية ما هنالك تعالوا والتزموا بها ضمن المعايير الموضوعية وهو اقناع الناس بطريقة الخدمة التي تقدموها اليهم .
وقال الشيخ جلال الدين الصغير :
الكثير من الناس الآن مرتعبون من كيفية تقدم حزب البعث في هذه المسيرة وكيف اوجد لنفسه موطيء قدم وكيف وكيف ، نقول لهم كل هذه التسساؤلات اتركوها ، فالسياسة بنت الواقع واصبحتم امام واقع انتم من تسببتم ببه واقصد نحن جميعا من تسببنا به . فالذي مكن البعث عليه ان يحاسب وعليه ان يساءل وببالنتيجة اخواني الأعزاء اعتقد ان الفرص تأتي لكي يختبر بها الناس ، تارة من قبل الله سبحانه وتعالى ، وتارة من قبل هذا الشعب فالفرض تذهب وتاتي ، ولكن الأحباط والاكتئاب واليأس طريق يريده اعداؤكم ، والكن الطريق الي يريده الله سبحانه وتعالى هو ان تثبتوا على مواقفكم مواقف الحق .
بيني مابين الله نحن كجهة لم نتألم قيد انملة والكثيرون يتحدثون عن الغبن لان هدفنا الحقيقي هو بقاء وحدة هذا الشعب . والكثيرون قد عتبوا وقالوا لو كنتم قد سلكتم طريقا آخر ، ولو كنا نريد وزارات لكنا حصلنا عليها بسهولة ولكننا لم نطالب بها وكنا من اوائل المبادرين رغم اننا غبنا غبنا كبيرا في هذه الحكومة ولكننا لسنا مبتئسين لما حصل ، ونحن نعتقد ان الغنيمة التي حصلنا عليها هي الحفاظ على العراق الواحد وعدم افساح المجال للفتنة الطائفية بالعودة مرة أخرى للتحكم بمصير هذا الشعب . ان هذا الطريق نعتقد انه طريق السلامة رغم انه كبدنا زوال بعض الفوائد ولكن هذه الفوائد لا قيمة لها قياسا الى الأرباح الكبيرة التي حصلت وتم تامينها من خلال تثبيت وحدة الشعب العراقي . فلو ان الشيعة كلهم منحازون الى جهة ، والسنة كلهم ينحازون الى جهة أخرى وبالتالي ياتي الأرهاب ليستفيد من الصراعات السياسية وترجع المحنة الى عام 2004 و 2005 .
قيل ان هناك وزارات ونريد ان نعطيكم ولكن بيني ما بين الله مرة اخرى ان الأغراءات كانت هائلة ولكن لم ننظر اليها بأي عين وقلنا ان الأصل ان ننظر الى الشيعة والسنة وان لا يعودوا الى الأحتراب الطائفي والحمد لله على هذا الأنجاز .
وتحدث سماحته :
نحن في الوقت الذي نشكر فيه الكتل السياسية على حالة الانضباط التي ضبطت فيها الأمور ، رغم انه كان في بعض الأحيان شد وجذب وتصاعد نبرة الخطاب في احيان اخرى وارتفاع نبرة الانتقاد السياسي ولكن مهما يكن اعتقد ان الأداءات مكنت العراق بشكل عام من التخلص من أزمات كبيرة . ولكن يبقى المهم هو ان المواطن يترقب والكتل السياسية الآن في سلطتين ، سلطة اسمها البرلمان ، وسلطة اخرى اسمها مجلس الوزراء والحكومة فعلى السلطتان ان لا تعيدا الناس الى التجربة السابقة .فلا البرلمان كان بالصورة المثلى ، والحكومة كانت اداءاتها مخيبة للآمال وقد اعترف من كان قبل ذلك يتكلم بطريقة مغايرة واعترف بأن التجربة لم تكن مسرة ولكي لا يقال مرة اخرى انها لم تكن مسرة يجب ان تبنى على اسس ثابتة وعلى اسس قوية . هذه الأسس حاولنا في جلسات الطاولة المستديرة ان نؤسس لها ولكن في صخب الصراع للأسف الشديد ضاع الكثير من هذه الثوابت وأنا اتمنى على اخواننا قادة الكتل السياسية الى العودة مرة اخرى الى الطاولة المستديرة ، فالآن كل واحد قد حصل على مناصب ولا وجود للهلع ولا وجود للفزع فتعالوا وابنوا الحكومة بطريقة موضوعية ، واعتقد ان التوازنات الموجودة الآن توازنات رغم انني استطيع القول انني قلق جدا من ان تؤدي اي حالة من صراع مع واحد من هذه المكونات عندئذ ستتعطل الحكومة ، وانتم انظروا الى الأعداد التي ذكرتها والتركيبة الموجودة فإن اي فرق من الفرقاء يتصارع مع الآخر سيؤدي الى نكبة في داخل المسيرة الحكومية ، ومطبات التصارع هي الأكثر نتيجة التجربة التاريخية الموجودة ولكن لدينا افق من الأمل يتحدث عن قدرة السياسيين على تجاوز الصفحات الماضية وبدء صفحات جديدة تبنى على اسا بناء الحكومة الموضوعية حكومة خدمة الناس .
الان حصلتم على المناصب ( بالعافية عليكم ) واسأل من الله عز وجل ان يهنئكم ويشرفكم بهذه المقاعد من خلال حسن الأداءات اما الناس وامام الله سبحانه وتعالى ، ولكن تعالوا لنغير الطريقة السابقة التي بنيت بطريقة خاطئة والطريقة الصحيحة ان نجلس لنتحاور ونتفاهم على كل قضية من القضايا وأجواء البؤلمان الآن تساعد على ذلك فحالة الهلع والخوف من التهميش والأقصاء قد زالت بصورة نسبية وان شاء الله تكون الأداءات معضدة لعملية الزوال بحيث يتم تامين الثقة مابين جميع الأطراف .
وختم سماحته الخطبة بكلمات الشكر والامتنان قائلا :
يبقى علي ان اقدم فائق شكري وامتناني الى جميع الأجهزة الحكومية وأهم من ذلك جميع مواكب نصرة الأمام الحسين (ع) على حسن الأداء في العشرة الأولى من محرم رغم ان المؤامة كانت كبيرة ولكن والحمد لله استطاع هؤلاء الكرام ان يؤمنوا خدمة مرضية واسأل من الله تعالى ان يتولى الأمام الحسين (ع) شكر كل من ساهم بأرساء هذه المسيرة وتثبيتها .
ولا يفوتني ان اعرب عن تثميني العالي للخطوة النبيلة التي قام بها رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب اردوغان في يوم العاشر في اسنطبول ورعايته ذلك التجمع الحسيني الهائل والكبير الذي جلس معهم يناديي ياحسين ولبيك ياحسين ليفتتح مسيرة فيها الكثير من الأمل الواعد بأن تكون مسارات التقارب بين السنة والشيعة وهي مسارات حقيقية . ولننظر ماذا فعل مؤتمر النواصب في تركيا في سنة 2005 من ازمات للشعب العراقي ، وماذا حقق السيد اردوغان رئيس وزراءء تركيا من امل لتكريس واقع الوحدة مابين السنة والشيعة ليس في العراق فحسب وان كانت الأنعكاسات في العراق كبيرة بل ربما هي الأكبر من نوعها لطبيعة هذه المشاركة ، ولكنني اعتقد ان الأنعكاس الطيب يشمل جميع الدول التي نظرت الى السيد اردوغان جالس بين المعزين تارة متكلما وتارة هاتفا بإسم الامام الحسين (ع) وهذا هو الحسين (ع) عنصر الوحدة وعنصر الضمان لحرية الشعوب وعنصر الكرامة والمجد والثبات على المباديء والقيم .ٍ