قال سماحة الشيخ جلال الدين الصغير في خطبة الجمعة والتي خصص معظمها للحديث عن مراسم زيارة الأربعين :
في مطلع شهر صفر اعتاد ابناء المحافظات الجنوبية ان يتدؤا مسيرتهم بإتجاه الأما الحسين (ع) لأحياء مناسبة الأربعين . وأنا في الوقت الذي أدعو فيه جميع ابناء هذا الشعب الكريم أن يعيدوا الكرة كما فعلوها في كل سنة بأبهى منها في هذه السنة بل وأعظم للمشاركة بالمسيرة المليونية العظيمة في ركب نصرة الأمام الحسين (ع) وتلبية لنداء الركب الخالد الذي نادت به حوراء أل محمد (ص) عصر يوم العاشر من بعد قتل الأمام الحسين (ع) وهو ( ألا من ناصر ينصرنا أهل البيت ) . هذه المسيرة التي ربما لا يحس الكثيرون من الذين يسيرون فيها عمق ما يترتب عليها من آثار ، ولكن من ينظر الى المشهد من أكثر من زاوية لهذه المسيرة يدرك تماما أهمية تقوية هذه المسيرة وتعظيم شانها والإعلاء من مقام السائرين . وأنا لا أتحدث هنا عن الشأن الديني إذ يكفي لهؤؤلاء الزوار حجم الأجر الذي سيحصلون عليه من خلال الروايات التي تحدث تارة عن من سار خطوة لزيارة الأمام الحسيين (ع) اعتبرت له كغزوة بدر وأحد أو لا تمس النار جسما عليه غبار زوار الحسين ع) وهو لا يزور فقط وانما ياخذ أيضا من وعثاء زوار الأمام الحسين (ع) ولا يفعل ذلك فقط وانما يقويي من عزيمة وإرادة سائر الزوار ويخلد الذكرى لكي تاتي الأجيال من بعد الأجيال ليحصد من اجرهم ومن ثوابهم وربما هو ميت منذ عشرات او مئات السنين ولكن من يسير اليوم إنما يسير بسنة من أسس لهذه المسيرة .
وانتم تعرفون ان في كل سنة تكبر لدينا أرقام الزائرين بالشكل الذي يؤرخ ويشير الى تنامي الوعي وتزايد الأدراك لحجم وأهمية ما يفعله أبناء هذا الشعب الكريم . وسأشير الى طبيعة الأثر لدى الناظرين من غير مدرسة اهل البيت ، فالكثيرون في العالم يتسائلون ماذا بال هؤلاء ولماذا يفعلون ذلك وهي مسيرة لايوجد لها نظير في العالم وكل تأريخ الدنيا لم ولن تحصل فيه مسيرة بهذا العدد وبهذه المسافات . لقد كنا سابقا نتحدث عن أقصى البصرة وأقصى الموصل ممن ياتون لزيارة الإمام الحسين (ع) . واليوم لدينا زوار يسيرون منذ أسابيع حتى يصلوا الى حدود العراق ، فلابد أن الكثيرين يتسائلون ما بال هؤلاء وستأتيهم الأجوبة شيئا فشيئا وبطرق مختلفة بالشكل الذي يؤسس لعالمية حب الحسين (ع) . فإذا كان الكثير من المستشرقين والناظرين من غير المسلمين بدؤا يذرفون دموعا في ذكرى الأمام الحسين (ع) حتى قالت احدى الكاتبات المرموقات في بريطانيا وهي ليست بمسلمة ( ماقرأت هذه القصة إلا وبكيت بسبب قرائتي لها وقد قرأتها عشرات المرات ) فهي تعتبرها قصة وللكن طبيعة المعاني التي تأخذها منها التي تثير حفيظتها وتثير احاسيسها . ومن بعد غثارة الحفيظة والأحاسيس تاتيي الأسئلة الفكرية ( لماذا قتل الإمام الحسين ، ولأي سبب ، ومالذي جرى ) ؟. وشيئئا فشيئا تتضح معالم القضية وتتضح طبيعة المشهد ويتحقق الهدف الذي ينشده اهلل البيت (ص) من خلال شعار ( أحيوا امرنا رحم الله من أحيا امرنا ) .
الأحياء هنا في هذه المناسبة من أعظم الأمور وانا شاهد على جملة من القضايا التي كنت أسمع فيها الأجانب كيف يتحدثون عن هول المنظر الذي رأوه . فهم ياخذون الصور من الأقمار الصناعية ليس كما ننظرها انا وانت ونحن موجودون في الشارع ولا نرى إلا بمقدار ما تره عيوننا ، فمن ينظر من صور الأقمار الصناعية ويرصد الأنهر البشرية الزاحفة من كل المحافظات ويرصدها يبدأ بتقدير جملة من القضايا .
واحدة من تلك القضايا ، قول أحد القادة الأمريكيين أن الجموع بكفة وان العمر الشاب لغالبية هؤلاء بكفة اخرى ، والعمر الشاب يعني أنهم بناة الأمة القادمين زلز قدر لهم قيادات صالحة يمكن لهم ان يعمروا العراق بل وغير العراق أيضا ، ويمكن لها ان تبني وتقيم عزا وكرامة لا يمكن ان يحظى بها أحد آخر غير هذا الشعب . شعب بهذه المسيرة يعطي رسالة الى القادة السياسيين ، شعب توحد بإسم الحسين (ع) يساءل قادته لماذا لا يتوحدون ؟ ، ولماذا مصالحهم هي الأعلى من مصالح هؤلاء الناس ؟، ولماذا ينقادون لمآربهم أكثر من انقيادهم الى رغبات الناس ؟ . أيها القادة انظروا الى هؤلاء هل طالببوكم بمال ؟، هل طالبوكم بإنفاق ؟، هل طالبوكم بشيء؟ .
إطلاقا بل هم من ينفق ، وققد سبق ان ظربت مثالا وأأمل ان يتعظ وينظر اليه القادة السياسيون ومديري هذا البلد لو أن أجروا مناقصة لأرواء مئة ألف انسان لمدة اسبوع فكم تحتاج الى قناني ماء وكم شهرا تحتاج لتأمين هذه المناقصة وهذه المقاولة ؟ . والآن لدينا الملايين من قناني مياه الشرب توزع مجانا فمن يأتي وبأي طريقة تأتي ؟. الدولة لم تحرك ساكنا في هذه القضية والناس هم من تصدى لها .
مسيرة تستمر لأكثر من اسبوعين ولا يجوع فيها أحد ولا يعطش فيها احد رغم الضر الشديد الذي يلاقوه وهم في أشد الفرح والسرور في داخلهم . هؤلاء هم أبناء اولئك الذين كانوا في زمن النظام الطاغي يتلهفون للزيارة حتى وإن ادركهم القتل او السجن في تلك الأيام . وهؤلاء أبناء من نادوا بشكل جدي ليطبقوا ما قاله أنصار الأمام الحسين (ع) ( لو قطعوا ارجلنا واليدين ناتيك زحفا سيدي ياحسين ) ، أولئك قالوها وتقدموا وهؤلاء أيضا طبقوها بعد أن سمعوها .
وأضاف سماحته :
إن مسيرة الأربعين قامت على ماذا ؟، أنه تقليد لمجيء جابر بن عبد الله الأنصاري من المدينة الى كربلاء ، ومجيء الأمام زين العابدين (ع) وزينب الحوراء (ع) من الشام الى كربلاء . لقد كان بالأمكان ان يتوجهوا من الشام الى المدينة ولكن القضية ليست قضية أربعين وإنما هي قضية زيارة وهنا أنصار الحسين (ع) كيف ينظرون الى هذا المشهد العظيم ولا يقلدوه . وانا اتعجب من بعض الحمقى والمغفلين الذين يقولون لا يوجد عندنا شيء اسمه زيارة الأربعين ، إن زيارة الأربعين الواردة من ضمن علامات المؤمن الخمسة أن المقصود بها زيارة اربعين مؤمن !!! .
نحن بالنسبة لنا نرى إمامنا زين العابدين (ع) والحوراء زينب (ع) رغم ما بهم من الألآم ومع ما بهم من جسامة المحنة ولكنهم أبوا الى ان يؤسسوا لهذه الزيارة . لقد انطلققت أقدامهم فإنطلق التاريخ من وراءهم . وهنا انا أنبه وإن كانت مواكب الإمام الحسين (ع) نصرها الله وأعزها وكثرها واعلى شأن كل من يخدم قيها قد إتخذت للأمر عدته ولكني أنبه الى طبيعة البرد التي تتميز به هذه السنة وما يمكن أن يتعرض للبرد عدد من الزوار وخصوصا المنطقة ما بين البصرة والسماوة ، فهذه المنطقة ربما تقل فيها الخدمة للزوار فأنا أشدد على الوقف الشيعي تحديدا وعلى مجالس المحافظات المعنية أن يعينوا المواكب لتدفئة الزوار من خلال توفير البطانيا والوقود اللازم للتدفئة وأن تتحمل الدولة مسؤوليتها في هذا المجال . فجهودها مشكورة ، جهود وزارة الصحة وجهود الهلال الأحمر وجهود وزارة النقل والقوات الأمنية جهودها مشكورة وعظيمة جدا ، ولكن نحتاج الى جهد اضافي وهي أن تلتفت مجالس المحافظات في المناطق التي يمر فيها الزوار الى هذا الأمر والسهر على خدمة زوار ابي عبد الله الحسين (ع) ، فهؤلاء الزوار هم الذين نصبوا اعضاء مجالس المحافظات في المكانات التي جلسوا فيها .
وفي الشأن الأمني تحدث سماحته قائلا :
وفيما يتعلق بالجانب الأمني وما نشاهده من كثرة الأغتيالات ، فقد سبق لي أن أشرت لأكثر من مرة الى الأجهزة الأمنية أن تفتش في داخلها قبل ان تفتش في خارجها . فمن يقوم بأعمال الأغتيالات وخصوصا الأغتيالات المقننة التي تستهدف الضباط ومسؤولي الدولة وموظفيها ، هذه الاغتيالات إنما تحصل من خلال مجاميع في داخل الدولة أكثر من المجاميع الموجودة في خارج الدولة خصوصا وإننا نجد عملا منظما في هذه القضيية لا يمكن ان تقوم به مجرد عصابة . فالكثير من الموظفين تم اغتيالهم والوصول الى عنا وينهم ومنازلهم وهذا الأمر لا يمكن ان يحصل .
ولكني مع ذلك أثير قضيتين واحمل فيها قبل الدولة هؤلاء الأفراد الذين يتعرضون او يمكن ان يتعرضوا للأغتيال . فأنا لا أفهم كيف ان ضابطا يغتال بعبوة لاصقة توضع في سيارات وهو الذي ينبه الناس الى ضرورة تفتيش سياراتهم قبل ان يركبوها وإذا هم بأنفسهم يمارسون نفس الخطأ . والكثير من أعمال الأغتيالات التي جرت جرت بناءا على غفلة وعدم نباهة وهذا الذي يدعوني الى الشديد على اخواننا أعزهم الله من أبناء هذا الوطن العزيز فما الضير لو تأخرت حركة سيارته دقيقتان أو ثلاثة ويفتشها ليطمئن بأن سيارته طبيعية وليس فيها ما يثير الريبة .
القضية الثانية في هذا المجال ، وأنا اخاطب خصوصا الضباط والموظفين مثلما رايتم شعبكم صبر وتحمل القذائف والصواريخ والسيارات المفخخة وعمليات التهجير عليكم أن تتحملوا انتم ايضا . فهؤلاء يريدون ان يبعدونكم عن اماكنكم لكي تأتي بدائل يريدونها هم ، لذلك فإن الصبر والثبات والتحلي بالأباء أمام هجمات هؤلاء هو من أولى الأولويات التي تتخذ في هذا المجال . ولكن أنا أناشد الأخوة الأمنيين المعنيين أن يضعوا خططا لمواجهة عمليات الأغتيال والخطط ليست صعبة والأمكانات بحمد الله أكبر والأرهاب أضعف رغم إنني أعتبر أن كثير من قوى الأرهاب قد تغلغلت في داخل أجهزة الدولة ولا سيما الأجهزة الأمنية مما يدعو لأمثال الشؤون الداخلية في وزارة الداخلية ودوائر أمن القوات المسلحة في وزارة الدفاع ان تراقب في داخلها مثلما تراقب في خارجها لأن الكثير من الألم يأتي من داخل هذه الأجهزة ومثلنا الشعب الذي يقول ( الحمى تاتي من القدميين ) .
وفي ختام خطبته وجه سماحته الشكر للأمانة العامة للعتبة الكاظمية المطهرة قائلا :
بقي علي واجب أن اشير اليه وهو ما شهدته من طبيعة الإعمار الكبير والمفرح في حضرة الأمام الكاظم (ع) . واقعا ما رأيته من توسعة والعمال التي قامت بها الأمانة العامة لأدارة العتبة المقدسة شيء لا يمكن لكلمات الفرح ان تترجم من خلال ما رأيته ولكنني اسال الله سبحانه وتعالى أن يتولى شكر هؤلاء الأبرار على الجهد الذي قاموا به . والآن لدينا مجموعة كبيرة من الصحون سوف تدخل في إطار خدمة الزوار عما قريب وأدعو الخوة في الأمانة العامة الى ان يبادروا لتقديم المزيد كما أدعو ابناء مدينة الكاظمية الأبرار والأعزاء للتعاون الكامل والكافي مع ادارة العتبة لكي نرى عتبة الإمام وهي تستوعب ملايين التائقين والزائرين والعاشقين لأبي الجوادين (ع) وأسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعل اعمال هؤلاء الأبرار منظورة ببعين لطفه وكرمه وجوده وادعو بققية المسؤولين لأن يتخذوا المسعى بما يمكن ان يحتذى ويقتدى به .