( بقلم : قيس عباس الكربلائي )
بعد سنوات الغربة عن بلدي الحبيب نتيجة ظلم الطاغية المقبور صدام قررت العودة الى الاهل والاحبة وقبلها كنت قد رسمت صورة لا اقول انها وردية ولكن جعلت كافة الاحتمالات امامي , فقد يكون الامر صعبا لاول وهلة ولكن سرعان ما يتعود المرء على الوضع ويتاقلم فيه . حقيقة كانت المشاعر جياشة عند لقاء الاهل والاصدقاء تعانقنا وبكينا فرحا وجلسنا نستذكر الايام الخوالي مزاحنا , غضبنا على بعضنا البعض , سفراتنا وغيرها من الامور كنا نتذكرها بمجرد ان نسترسل بالحديث بعدها تحدثنا عن الوضع الحالي وما يواجهه الوطن من تحديات واول حديثنا كان عن البعثيين الذين عانينا منهم كثيرا فسالتهم عن بعض الاشخاص الذين اجرموا بحق كربلاء واهلها فاجابوني ان معظمهم قد هرب الى خارج البلد وعلى راسهم المجرم ( اياد الدويجي ) الذي جعل اهالي كربلاء يأنون منه لاجرامه وجبروته وطغيانه هو وابنه ( شوقي ) مشيرين الى انه يتواجد حاليا في سوريا ولديه مكتب في الشام لتهريب البعثيين الذين على شاكلته الى اوربا لقاء مبالغ باهضة . وبينما نحن نتحدث بالموضوع انتفض احد الاصدقاء وطالبني بتغيير الموضوع ودعاني الى نسيان الماضي المؤلم وفتح صفحة جديدة فمازحته قائلا ( اكيد الاخ متاثر بالمصالحة الوطنية ) فضحكنا جميعا واخذنا الوقت ولم ننتبه الى الساعة التي سرقتنا فقد اشارت الساعة الى الثانية صباحا فقام الاصدقاء يهرولون كل الى بيته .
في اليوم التالي استيقظت على رنة هاتفي النقال واذا باحد الاصدقاء واسمه هيثم سلم علي وبادرني مازحا " ما هذا اما زلت نائما كاصحاب الكهف ؟؟! " عندها باغتني بسؤال اخر " قيس هل تذهب معي الى بغداد ؟؟؟! " فاجبته نعم يا هيثم لانني اريد الذهاب لزيارة الامام الكاظمين عليهما السلام " فقال جيد لان المكان الذي اريد الذهاب اليه قريب من الكاظمية اذن نلتقي عصرا في ( الولاية ) , والولاية هو اصطلاح لطالما اثار المشاكل بين الكربلائيين والاخرين الذين وفدوا من مدن اخرى واستقروا في المدينة واحسب ان هذا الامر موجود في كل مناطق العراق .
على العموم التقيت بهيثم وجلسنا في محل صديق لنا نتجاذب اطراف الحديث فبادرته بالسؤال حول ذهابنا الى بغداد ومتى والى اين هو ذاهب بالضبط فاجاب الى ( جامع براثا المقدس ) , قلت له هل هذا الذي تناولته الاخبار حول وجود مسلخ بداخله حيث الناس تعلق فيه بالمقلوب وتعذب ؟؟؟؟! فاجاب نعم انه هو وساخذك الى هناك لاعلقك واخلص منك !! فضحكنا جميعا ولكن هيثم عندما كان يضحك كان ينظر الي بنظرات الدهشة والاستغراب من كلامي , بعدها سالني هل تصدق مثل هذا الكلام , فلم اجبه بعدها قال اذن غدا نذهب في الساعة 10 صباحا . ولكنني قاطعته وقلت لماذا تذهب الى هناك قال من اجل زيارة مقام امير المؤمنين علي بن ابن طالب عليه السلام وكذلك زيارة مقام مولد عيسى بن مريم عليه السلام فهناك ولد عيسى عليه السلام وتوجد صخرة بيضاء موجودة في الجامع .
جاء الموعد وصادف ذلك اليوم جمعة فسافرنا الى الكاظمية وزرنا مرقد الامامين الكاظمين عليهما السلام وبعد استراحة قصيرة في المرقد قمنا نتجول في اسواق الكاظمية بعدها قال هيثم لنذهب الان الى المسجد , استاجرنا سيارة الى منطقة العطيفية بعدها توقفنا عند الجامع المقصود فقابلنا مجموعة من الحرس فتشونا ومن ثم اعطينا الموبيلات الى غرفة صغيرة خارج الجامع عندها دخلنا الباب الاول للجامع فقابلنا مجموعة اخرى من المفتشين عندها دخلنا الجامع فاحسست بان المكان فيه روحانية كبيرة تزداد هذه الروحانية بزيادة خطواتنا الى داخل المسجد . فاردنا الدخول الى الحرم ولكننا وجدنا جمعا غفيرا من الناس قد خرج منه حيث كانوا قد شاركوا في اداء صلاة الجمعة واخذنا نتجول في باحة المسجد فوقعت عيناي على مجموعة من الصور كانت معلقة على احد الجدران فسالت صاحبي من هؤلاء ؟ فقال لا اعلم , عندها تقدم شاب وسيم وقال انهم مجموعة من المصلين استشهدوا في الجامع اثناء دخول احد الارهابيين وفجر نفسه بينهم . وقال انه كان موجودا يوم التفجير واصيب اصابات متعددة في جسمه حيث انه احد خدمة الجامع المقدس حقيقة دمعت عيناي وانا ارى الطفل والشاب والكهل والمراءة العجوز وقد علقت صورهم تخليدا لهم وابراز مظلوميتهم .
بعدها سالته ان كنا نستطيع مقابلة الشيخ جلال الدين الصغير فقال يمكنكم الصعود الى الطابق العلوي وتحدثوا مع الاخوة في المكتب , فصعدنا الى الاعلى وراينا مجموعة كبيرة من الناس امام باب المكتب بانتظار الدخول فدخلنا الى المكتب فتقدم الينا احد العاملين في المكتب وسالنا عن سبب وجودنا هنا قلنا له نود مقابلة الشيخ فرد علينا باي امر ؟ فقلنا فقط نريد مقابلته فقال هل ترون هؤلاء الناس كلهم اصحاب مطالب وحاجات يريدون ان يقضيها لهم سماحة الشيخ فلذلك لا اعتقد ان الدور سياتيكم حتى الصباح الباكر ,فركبني الغرور وقلت له سنقابله حتى وان كان في الصباح الباكر فقال وهو كذلك واعملوا حسابكم انكم ستبيتون معنا هنا وذهب .
حقيقة تفاجاءت من كلامه وقلت لصديقي هل الاخ يمزح ام ماذا هل يعقل ان الشيخ جلال الدين الصغير يبقى حتى الصباح الباكر يقابل الناس هذا محال ؟ فقال صديقي هيثم لا اعرف ولكن انتظر وسنرى ذلك . وفود تلو الوفود من مختلف المحافظات تاتي وتخرج فضلا عن اناس فرادى وكأن الامر عيادة طبيب مشهور جاءوا له يطلبون الدواء لدائهم , والطريف بالامر ما من احد يخرج منه الا وكان يدعو له بالتوفيق حتى وان لم يحصل على غايته المنشودة .
بينما نحن جالسون في غرفة الضيوف جاءت مجموعة وعرفت نفسها الى احد موظفي المكتب وقال احدهم انهم من محافظة الانبار يريدون مقابلة الشيخ في امر هام ولديهم موعد مسبق فقال له الموظف انتظروا وسادخلكم على سماحته بعد قليل فاتصل باحدهم بعدها قال لهم تفضلوا الشيخ بانتظاركم فدخلوا . حقيقة تعجبت من الموقف سيما وانني قد سمعت ان هذا الجامع هو مسلخ يتم ذبح الناس ومكان لتعذيب اهل السنة فكيف يدخل هؤلاء الذين جاءوا من الانبار الى هنا الا يخافون ولكن سرعان ما توصلت الى نتيجة وهي ان الامر كان عبارة عن فبركة وتشويه سمعة من قبل بعض من لا تروق لهم الامور التي يقوم بها الشيخ . وبمشاهدتي هؤلاء الانباريين وقد دخلوا الى الشيخ نزعت من راسي مسالة المسلخ والذبح في الجامع . والذي اثارني ايضا كلام صديقي هيثم لي حيث قال ان الشيخ قد تعرض الى اكثر من 20 محاولة اغتيال من قبل الارهابيين وهذا الامر زادني شوق وامل لكي اقابل هذا الرجل فلماذا يريد هؤلاء قتل هذا الشيخ ؟
وبعد ساعات طويلة من الانتظار نظرت الى الساعة واذا بها الحادية عشر ليلا , فلكثرة مراقبة الوفود الداخلة والخارجة لم نحس بالوقت الا وقد داهمنا , فسالت احد العاملين في المكتب والذي قابلنا اول الامر متى ياتي دورنا فابتسم وقال الم اقل لكم انكم ستتاخرون حتى الصباح الباكر ؟ قلت له بلى ولكن حسبتك تمزح معي فرد علي ابدا لم امزح معك ولكنها كانت الحقيقة فترجيته ان يمكننا من مقابلة الشيخ فقال سافعل ولكن الشيخ الان يتناول طعام العشاء فنظرت الى الساعة واذا بها الحادية عشرة والنصف قلت وبعدها قال سيقابل مسؤولين في مجال الكهرباء والاعمار عندها سيقترب موعدكم .
حقيقة اصابني الجوع فسالت احدهم ان كان هناك مطعما خارج الجامع لنتناول العشاء فقال بلى يوجد ولكن لماذا لا تتناولون العشاء معنا فاننا سنجلس بعد قليل واصر على المجيء معهم وبعد دقائق جلبوا طعام العشاء وجلسنا ناكل سويا . واثناء ذلك انتهزت فرصة الجلوس مع اعضاء المكتب حاولت ان اعرف ما يجري هنا حيث دفعني الفضول الى معرفة المزيد عن المكتب الذي يشبه بخلية النحل فلكل واحد له وظيفته .
اول اسئلتي كانت عن الاعداد الغفيرة التي تاتي الى الشيخ ولماذا فرد علي احد العاملين وقال هذا امر طبيعي باعتباره نائب في البرلمان تاتي الناس لعرض مشاكلهم عليه لمساعدتهم على حلها فضلا عن مجيء المسؤولين في الدولة من اجل الاستشارة او اطلاع اعمالهم التي قاموا بها وتزويده بالتقارير بهذا الشان ولكني قاطعته وقلت هل كل اعضاء البرلمان هكذا ؟؟ ضحك وقال كلا بالطبع ليس كلهم وبحسب اعتقادي ان سماحة الشيخ الوحيد الذي يقابل هذا العدد من الناس حتى ساعات متاخرة من الليل .
فسئلته سؤالا اخر وهو هل كل الايام يقابل ام فقط في يوم الجمعة ؟ فاجاب هو عادة يقابل بحسب المواعيد في ايام الاسبوع ولكن يومي الخميس والجمعة يكون الزخم اكثر وبحسب المراجعين واكثر الايام ازدحاما هو يوم الجمعة حيث ياتي الناس من كل حدب وصوب لحضور صلاة الجمعة ومن ثم مقابلة الشيخ . فاردت ان اساله سؤالا اخر قاطعني وقال تفضل وكل يا عزيزي كفاك اسئلة لم تاكل لحد الان وقال ممازحا اذا لم تاكل صحنك فانني سوف اكله لكوني جائع جدا فضحكنا جميعا . بعد ان انهينا الطعام قمنا وجلسنا في مكان اخر وجلبوا لنا الشاي , وبدات انظر الى الساعة وكأنها لا تتحرك على الرغم من انها تجاوزت الثانية عشرة بعد منتصف الليل وكلما اسال الاخوة في المكتب عن موعد اللقاء يقولون لديه وفد من المحافظة الفلانية او جاء المسؤول الفلاني ونحن على هذا الحال حتى جاء موعدي فنظرت في الساعة فاذا بها الساعة الواحدة والنصف ليلا .
فدخلنا على الشيخ انا وصديقي هيثم فقام وسلم علينا وطلبنا منا الجلوس فجلسنا , اول سؤال طرحه علينا من اي محافظة انتم , قلنا من كربلاء , فسالنا عن الوضع في كربلاء من ناحية البناء والاعمار الخدمات فاجبناه بانه لا يوجد بناء او اعمار في المحافظة سوى الجهود التي تبذلها الامانتين الحسينية والعباسية برئاسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي والسيد احمد الصافي حفظهما الله تعالى في منطقة بين الحرمين حيث كان اهتمامهما كبيرا في منطقة بين الحرمين وما جاورهما .
السؤال الثالث الذي طرحه علينا هو ما حاجتكما حقيقة لم نتمكن من العثور على اجابة حيث لا توجد لنا حاجة نطلبها منه سوى الغرور الذي جعلني اصر على مقابلته وعلى سبيل المزاح , فسكتنا لبرهة واخذ وجه صديقي هيثم يتغير لونه ولكنني كسرت حاجز الصمت وقلت له باعتبارك نائب في البرلمان اردت ان اعرف طبيعة عملك وكيف تقضي اوقاتك فابتسم قليلا وقال منذ متى وانتم هنا اجابه هيثم " جئنا بعد صلاة الجمعة مولاي" فاجاب طيب اذن عرفتم جزء من طبيعة عملي الان اليس هذا صحيحا ؟؟ قلت له بلى يا مولاي ولكن انت تجهد نفسك كثيرا ويجب ان ترتاح قليلا ؟! فاجاب ان راحتي ان اقدم الخدمة للناس وان ارسم البسمة على شفاههم وان اكون خادما لهم وسعادتي هي خدمة هذا الشعب واما التعب فبضع سويعات من النوم يذهب ان شاء الله .
بعدها انتبهت الى الساعة واذا بها الساعة الثالثة صباحا , يا الهي لقد تاخر الوقت كثيرا فاستأذنا الشيخ للذهاب واعتذرنا له لاننا تاخر بسببنا الى هذا الوقت المتاخر فقال لا عليكم انا متعود على هذا الامر , فخرجنا من مكتبه فبادرنا احد موظفي المكتب " هل ارتحتم الان " ؟؟؟ فاجبته " بالنسبة لي لقد ارتحت الان على العراق كل العراق بعد الذي رايته من سماحة الشيخ " . بعدها سالته هل الشيخ سينام فابتسم وقال كلا سيذهب ليكتب بضع وريقات عن اليماني الموعود , فاستغربت وقلت ماذا تعني لم افهم , فقال ان سماحة الشيخ يؤلف حاليا كتابا عن اليماني الموعود اسماه ( راية اليماني الموعود أهدى الرايات ) ويتحدث الكتاب عن عصر الظهور والروايات المتعلقة بشخصية اليماني الموعود بكثير من التدقيق والالتفات إلى دقائق ما فيها بشكل استطاع ان يبلور فهما متكاملاً لمنهج اليماني جمع فيه بين الأصالة في التدقيق والحداثة في التحليل
فقلت له هذا غير معقول ما هذه القوة الخارقة التي يمتلكها هذا الشيخ الجليل , بعد كل الارتباطات والمقابلات والكلام معهم ياتي ويؤلف كتاب ؟؟؟ قال صدقني هذا ما سيفعله ونسال الله سبحانه وتعالى ان يعطيه الصحة والعافية والعمر المديد فقالت اللهم امين .... اللهم امين .... اللهم امين .
بعدها اذن المؤذن وذهبنا لصلاة الصبح في داخل حرم المسجد المقدس وبعدها صعدنا ونمنا وعند الصباح ركبنا احدى السيارات الذاهبة الى كربلاء وفي طريقنا قال لي هيثم صديقي ونديمي عن انطباعي لما حصل يوم امس فاجبته انه شعور رائع حيث اشعر بالفخر والاعتزاز ان يكون بيننا رجل بمثل الشيخ جلال الدين الصغير . وقلت له انني سادون ما رايت وانشره
حيث هكذا رايت الشيخ جلال الدين الصغير عند مقابلتي له وصدقوني لم ابالغ قيد انملة وما كتبت الا الحقيقة ليطلع الناس عليها وان لم يصدقوا فليجربوا بانفسهم لكي يرونها كما رايتها بنفسي .