بينما يقوم براثا وغيره من مساجد الله لا مساجد ضرار بدور تعجز عنه حتى الحكومة وهو دور ضبط ايقاع الشارع وكبح جماح المواطنيين الغاضبين وهذا ما اشار اليه اخيراً الشيخ الصغير في خطبته العصماء في البرلمان العراقي بقوله: ( إن إصرارنا على ان لا تستفزنا هذه الجرائم لوضوح الهدف لدينا، ولقد صبرنا بصورة مذهلة وعضضنا على نواجذنا حتى ادميناها بل حتى قطعناها وانا أحذر من أن هذا الصبر ربما يتسبب مع دوام الارهاب بأن نفقد قدرتنا على اقناع جماهيرنا بالصبر لأن هذه الجرائم تعمل على تحطيم السدود التي وضعناها أمام ارادة الغضب الجماهيري، وحذاري من ذلك لأن هذا الغضب لو تفجر لن يكون ثمة رابح والخاسر الأكبر سيكون العراق).
بقلم: محمد حسن الموسوي
صغيرٌ بحجمه، كبيرٌ بفعله وهمته. قصيرٌ في قامته، عملاقٌ في مواقفه. نحيلٌ في بنيته، قويٌ في عقيدته ومعتقده رحيمٌ بقومه العراقيين، شديدٌ على اعدائه النواصب المنافقين.مقلٌ في كلامه، مشقشقٌ في خطبه. لبس الردى ووقف بوجه العدى ينتظر شهادته. يستأنس بالمنية كإستئناس الرضيع بمحالب أمه. صغيرٌ لقبه، كبيرٌ اسمه فقد اشتق من (جلالة) الدين ذلك هوالشهيد الحي الشيخ جلال الدين الصغير.
لا يسع المرء وهو يكتب عن هذا الطراز من الرجال الا ان ينحني احتراما وتقديرا لجهادهم ولنضالهم ولمواقفهم الرائعة وهم يقفون بوجه المدفع ويتحدون الارهاب ويموتون باليوم والليلة الف موتة ويُقتلَون عبر وسائل الاعلام الطائفية العنصرية التحريضية الف قتلة. انهم الشهداء الاحياء من قادة العراق الجديد الجلبي وعلاوي والطالباني وعبدالعزيز والبرزاني والآلوسي والمالكي وفؤاد معصوم والشيخ الصغير ومحمود عثمان ومعهم ابطال الحرس الوطني والشرطة العراقية المستميتين في سبيل الوطن والمواطنيين (رجالٌ صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).
هذه الثلة من الرجال الاقوياء وبقية رجالنا ونسائنا وشبابنا المخلصين هم جزء مهم من ثروة العراق الحقيقية. فالمحافظة على آمنهم وسلامتهم هي محافظة على أمن العراق الذي يريد البعض العبث به من خلال اغتيال رجالاته ورموزه لإثارة القلاقل والبلابل وجر ابناء الامة الواحدة الى أتون الحرب الاهلية وهذا ما حاول الاوغاد فعله أخيرا في مسجد براثا المقدس يوم ارادوا قتل الشيخ الصغير. ان خطة الارهابي الوهابي الزرقاوي المقبور حفيدُ بُسر بن أرطأة ومن ورائه القاعدة وبقية الارهابيين من صداميين وبعثيين قامت ومنذ البداية على استهداف هؤلاء الابطال وقد جاء في رسالة الزرقاوي _والتي سيكون لنا معها وقفة قريبا لاعادة قراءتها من جديد لنرى ماذا تحقق منها حيث مثلت خطة عمل القاعدة في العراق_ ونشرتها صحيفة( النيويورك تايمز) الصادرة يوم 10/02/2004 قوله بالنص:
( ان لنا مع الرافضة _يقصد الشيعة_ جولات وصولات وليالي سوداً لا يحل ان نؤخرها بحال من الاحوال فأن خطرهم داهم وماكنا نخشاه وتخشونه واقع لا محال واعلموا ان هؤلاء من اجبن خلق الله وان قتل رؤوسهم لا يزيدهم الاضعفا ً وجبناً. فموت رأس من رؤوسهم تموت الطائفة بموته... فإذا استطعنا ان نضرب بهم ضربات موجعة الضربة تلو الضربة حتى يدخلوا في المعركة استطعنا ان نخلط الاوراق وعندها لا تبقى قيمة وتأثير لمجلس الحكم ولا حتى للامريكان الذين سيدخلون الى معركة ثانية مع الرافضة وهذا مانريد).
وفي موقع آخر من الرسالة ذاتها يتحدث عن الاكراد فيقول (وهؤلاء غصة ٌ وشوكة ٌ لم يحن أوانها وهم آخر القائمة وإن كنا نجهد أن ننال بعض رموزهم ان شاء الله) وقد فعلها حقاً حينما اغتال كل من الشهداء محمد باقر الحكيم وعزالدين سليم من رموز الشيعة وسامي عبد الرحمن من رموز الاكراد. وهاهي الزمر الارهابية تحاول للمرة الثانية اغتيال الشيخ الصغير ولاندري هل ستسلم الجرة في كل مرة رغم ان الشيخ قد وطنَّ نفسه للشهادة؟ لكن لماذا نضحي برجالاتنا ان كان هنالك متسع لحمايتهم ؟ ولماذا قصرت الوزارة السابقة في حماية بعضهم رغم طلب الشيخ الصغير بعظمة لسانه من رئيسها المُنحى حماية مسجد براثا المستهدف لدوره الريادي في فضح الارهابيين. لكن ماذا كان جواب رئيس الوزراء المُنحى للشيخ الصغير الذي جاءه يطلب تخصيص حماية لبراثا؟
كان جوابه وحسب ما رواه احد الاشخاص الثقاة الذين حضروا اللقاء انه_اي رئيس الوزراء المنحى_ راح يشرح لإمام مسجد براثا ولمدة ساعة كاملة هي مدة اللقاء (اهمية المسجد في الاسلام) والدور الذي يلعبه في حياة الامة. وماذا يعني المسجد في العمل الاسلامي الحركي؟ وكيف لعب دوراً متميزاً في نشر الوعي الحركي وفي تعبئة الامة بالفكر (الرسالي التوعوي الدعوي) الذي يخرج من(رحم المحنة) بعد (مخاض عسير ) لينجز رسالته (الحركية) اعتمادا على (آلية النسغ الصاعد والنسغ النازل) انطلاقا من مبدأ( التدرج المرحلي المُشرعن فقهياً) الذي يبتدأ (بالمرحلة التغييرية) وصولا الى (المرحلة الثورية) التي تمثل (الحقيقة) والتي هي (بنت الجدل) الذي لاينتج الا عن الاخلاص و (الشفافية).
يقول الراوي ومضت الساعة دون ان نحصل على مانريد فما كان من الشيخ الصغير الا ان (نفضَّ) عباءته بعد ان نهض وأخذ يُحوقل (لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم) ويسترجع (انا لله وانا اليه راجعون) وكأنه ينعى نفسه والمصلين معه في مسجد براثا بعدما تيقن ان لانية لدى الرجل في الاستجابة لطلبه وذلك لغايات حزبية وثأرات شامية.
هذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها براثا الى اعتداء ارهابي كبير دونما تتحرك الحكومة لحمايته بالرغم مما يمثله من رمزية بالنسبة للمسلمين وبالرغم من الصيحات المتكررة من امام المسجد لحمايته. ما هو عذر الحكومة في توفير الحماية المناسبة؟ هل يعقل ان توفر الحكومة مبلغ ثلاثمائة الف دولار لكل وزير لشراء ثلاث سيارات مصفحة لحمايتهم ولا تستطيع توفير عُشر هذا المبلغ لحماية مسجد عظيم الشأن يرتاده المؤمنون علما ان المبلغ الاجمالي الذي ستصرفه الحكومة فقط على حماية وزرائها السبعة والثلاثين وزيراً يبلغ احد عشر مليون ومائة الف دولار بالتمام والكمال من غير المبلغ الذي سيصرف على الرئاسات الثلاثة والذي يعادل تقريبا ثلث المبلغ السابق ؟ هذا وان ثلث وزرائنا الكرام هم وزراء دولة اي وزير بلا وزراة حيث لا مقر لوزارته سوى على الورق ولا تعدو كونها وزارة (ترضية) غايتها الاساسية ترضية هذا الطرف او ذاك وليس لها دور يذكر اللهم الاَّ إثقال كاهل الدولة المنهكة اصلا بالنفقات التي ترهق كاهل المواطن قبل اي شيءآخر.
بينما يقوم براثا وغيره من مساجد الله لا مساجد ضرار بدور تعجز عنه حتى الحكومة وهو دور ضبط ايقاع الشارع وكبح جماح المواطنيين الغاضبين وهذا ما اشار اليه اخيراً الشيخ الصغير في خطبته العصماء في البرلمان العراقي بقوله: ( إن إصرارنا على ان لا تستفزنا هذه الجرائم لوضوح الهدف لدينا، ولقد صبرنا بصورة مذهلة وعضضنا على نواجذنا حتى ادميناها بل حتى قطعناها وانا أحذر من أن هذا الصبر ربما يتسبب مع دوام الارهاب بأن نفقد قدرتنا على اقناع جماهيرنا بالصبر لأن هذه الجرائم تعمل على تحطيم السدود التي وضعناها أمام ارادة الغضب الجماهيري، وحذاري من ذلك لأن هذا الغضب لو تفجر لن يكون ثمة رابح والخاسر الأكبر سيكون العراق).
ان الصغير اثبت بصبره وطول اناته وحكمته التي يستمدها من حكمة المرجعية الواعية ممثلة ً بالامام السيستاني ومن صبر ابناء المقابر الجماعية اثبت انه كبير وأنه إنموذجاً للمسؤول الغيور الذي من واجب الحكومة حمايته التي هي حماية للشعب كونه نائباً برلمانياً واماماً روحياً وقائداً ميدانياً وقبل هذا وذاك مواطناً مخلصاً يفتخر العراق به وبإمثاله. فهل سنتلافى اخطاء الحكومة السابقة ونوفر الحماية الكافية لمساجدنا ومدارسنا ومستشفياتنا وشوارعنا واسواقنا ومنشأتنا الاستراتيجية؟ وهل سننفق عليها من اموال الشعب بصورة صحيحة بدلاً من ان نبذر المال العام يمنة ويسرة على التوافه من الامور او نبخل به على الشعب ونكنزه من اجل ان نتباهى لإغراض دعائية رخيصة بإننا ( استلمنا الخزينة وليس فيها الا ثلاثمائة مليون دولار وسلمناها وفيها سبعة عشر مليار دولار)؟. والسؤال هو: لماذا لم تستثمر الحكومة السابقة هذه الاموال في المناطق المستقرة نسبيا بدلاً من ان تكتنزها؟ هل الغاية كنز الاموال ام استثمارها بما يخدم المواطنيين المحرومين ؟ وهل كان لعدوى الفوضى ان تنتقل الان للمناطق الهادئة لو ان الحكومة السابقة استثمرت تلك الاموال المدعاة ووفرت فرص العمل وقضت على البطالة التي تولد الفوضى وتخرُم الاستقرار؟ الا يعتبر ذلك تقصيرا من تلك الحكومة يجب مسائلتها عليه؟ ثم لماذا لم نسمع بتلك المليارات الا بعد تشكيل الوزارة المالكية؟
لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال مامضمونه ( ما جمع مال او أدخر الا عن بخل او حرام). وآخر الكلام اتمنى على رئيس حكومتنا الجديدة ان لايبخل على الشعب بشئ وان يستجيب لصرخات الصغير الكبير التي باتت تمثل صرخات الطبقات المحرومة إكراما لدماء شهدائنا الأعزاء الذين يتساقطون بالعشرات يومياً واكراما لشهداء براثا الابطال وأملنا بالله وبإبن يعرب ابن الكرم نوري المالكي كبير.
محمد حسن الموسوي
almossawy@hotmail.com
مصدر المقال: http://www.burathanews.com/news_article_3324.html