محمد حسن ـ بغداد (الموقع الخاص): نرجو تبيان رأيكم حول الإنتخابات المحلية التي ستجري في العراق في هذا الشهر، لأن هناك تشويشاً حول موقفكم خاصة وأنكم لم تشاركوا في الاحتفال الذي عقد لإعلان القائمة الخاصة بالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
استغرب في الحقيقة من الحديث عن هذا الغموض الذي تشيرون إليه، إذ أن المجلس الأعلى أعلن على مرأى ومسمع من الجميع أن القائمة 411 هي قائمته، وبالتالي فإن رأيي هو رأي المجلس وموقفي هو موقفه، والقائمة في سياساتها العامة وبرامجها وتعهداتها والتزاماتها قد أعدت وفق متابعة جدية وحثيثة من قبل الهيئة القيادية للمجلس الأعلى، ولا يخلو اجتماع من اجتماعات الهيئة القيادية خلال الشهرين المنصرمين من وقت كبير يخصص لذلك، وكوني لم أحضر في حفل الإعلان فلأني كنت خارج العراق وقتها، وليس لأي سبب آخر.
وبودي أن أنوّه إلى الملاحظات التالية لجمهورنا العزيز:
أولاً: أي عزوف عن المشاركة في الانتخابات سيعطي الفرصة الكبيرة للمفسدين والفاسدين للعودة مرة أخرى إلى مقاعدهم التي تسببت بأزمات المواطنين طوال هذه الفترة، ودعوني أبيّن أحد الأسباب البسيطة لذلك، فلكل صندوق من صناديق أي منطقة انتخابية ثمة سجل انتخابي، وهذا السجل يحتوي على أسماء كل الذين لهم حق التصويت في هذا الصندوق دون غيره، وأي عزوف سيبقي أسماء العازفين عن الانتخابات فارغة وبدون شطب، مما يفسح المجال لمساحة كبيرة من التزوير تجري بعد اغلاق المركز الانتخابي أو في دقائقه الأخيرة، لأنه سيجري شطب هذه الأسماء من قبل تجار الانتخابات ومزوريها، وهنا أحد مكامن الخطر الأساسية على نزاهة الانتخابات.
ثانياً: ما يحتاجه المفسدون منكم هو أن يغشوكم ويخدعوكم بالشعارات الفضفاضة أو الكرم المفاجيء الذي يتزامن مع الأيام الأخيرة للإنتخابات، وأنتم مدعوون إن كنتم جديون للتخلص من الفساد الذي يستشري في مفاصل واسعة من الحياة الخدمية أن تراقبوا زواركم خلال هذه الفترة وتفسّروا سبب كرمهم المفاجئ بعد أن أعيتكم السبل في التواصل معهم في الأشهر السابقة، فمن يكون كريماً هذه الأيام لا بد أن يُسئل عن مصدر هذا الكرم وأسبابه؟ وهو في العادة لا يكون إلا من أجل أن يسلبكم الرفاه الذي تنتظرونه من بعد الانتخابات، كما حصل خلال الفترة المنصرمة، وأي توانٍ أو تساهل في قبال المال المبذول خلال هذه الفترة، إنما هو تساهل في طبيعة ما سيسرق منكم لاحقاً، وهنا لا بد لي من أن أشدد على ما شددت عليه المرجعية الدينية الرشيدة بحرمة أخذ المال أو توزيعه في هذه الفترة بهدف شراء الأصوات أو غشها، فهو من المال السحت المحرم تداوله أخذاً أو عطاءاً.
ثالثاً: لا يوجد في كل القوائم الانتخابية أنبياء أو معصومين، فكل من فيها هم أناس مثلكم، تهيأت الفرصة لهم لكي يدرجوا أنفسهم في هذه القائمة أو في تلك، ولذلك أنتم معنيون بالتفتيش عن أصلحهم وأكثرهم حياءاً وخجلاً منكم، والمقياس في ذلك ثلاثة معايير أساسية أولها السلوك العام للمرشح، وثانياً طبيعة برنامجه الانتخابي، وثالثاً طبيعة الجهة التي تحاسبه أو يرجع إليها، فمن عادة العراقيين أن يضربوا مثلاً بابن الشوارع لمن لا أصل له، ولابن البيوت والأصل لمن له أصل يرجع إليه، وهذه القاعدة تصح في الانتخابات بشكل كبير، إذ من يرجع إلى أصل من عشيرة أو منطقة أو بيت أو حزب او ما إلى ذلك يحاسبه أو يخجل منه يجب أن يفضّل على غيره، لأن مثل هذه الأمور تجعله يرجع إلى الوراء ويفكر بكل ذلك لو أغرته عوامل الغش والفساد التي ستتراكض عليه أو عوامل التهديد والوعيد التي ستنهال عليه بمجرد أن يجلس على كرسي مجلس المحافظة، وحذاري كل الحذر ممن لا يمتلك مثل هذا المعيار، لأن من لا يرجع إلى أصل أقرب إلى أن لا يستحي ولا يخجل من أحد، ولو تخلى عن الحياء فلا بوابة ستمنعه من الفساد على حساب حرمانكم.
رابعاً: إن المعايير الموضوعية للإنتخابات الصالحة قد بيّنتها بشكل دقيق مرجعيتنا الدينية أدام الله ظلها الوارف، ولا بد من أخذ هذه المعايير بمنتهى الجدية والحرص من خلال الالتزام بها على نصرة المرجعية في الوقت الذي تشن فيه بعض الكتل السياسية المتضررة من مواقف المرجعية الدينية ضد الفساد الإداري والمالي والسياسي، فالمرجعية الدينية استثنت من المرشحين ثلاثة نماذج ودعت إلى عدم التصويت لهم، أولهم أن يكون المرشح جيد في نفسه، ولكنه في داخل قائمة غير جيدة نتيجة لتورطها في الفساد أو من عدم الحرص على مصالح المواطنين وما شاكل من هذه العوامل، فالعضو مهما كان وضعه يبقى محكوماً بقرارات كتلته التي ستبقى متأثرة بأجواء الفساد التي حكمتها من قبل، وحتى لو أراد الاستقلالية لاحقاً فإنه يبقى كمن لا يملك يداً تصفق على يديه، واليد الواحدة لا تصفق.
وثانيهم: أن يكون المرشح غير جيد في قائمة جيدة، وهذا حكمه واضح في كونه غير جيد، ولا يضمن أنه لو نجح سيتبع الجيدين في كتلته، فقد يتمرد عليهم ويعصيهم أو قد يجرهم إلى الخراب، كما في قول الشاعر: لا تربط الجرباء جنب صحيحة.
وثالثهم: أن يكون كلا من المرشح والقائمة غير جيدين، وهذا حكمهم واضح.
ولا يبقى إلا المرشح الجيد في القائمة الجيدة، وهنا أنوّه إلى أن الحديث عن القائمة غير الجيدة عرف من خلال سلوكها أثناء تسلطها على القرار في المحافظة أو الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة للقائمة الجيدة.
خامساً: إن هذه الانتخابات هي انتخابات محلية، ولذلك لو أعجبك قائد معين أو أغراك رمز معين فعليك أن تتيقن أن هذا القائد أو الشخص ليس هو من سيجلس في مجلس محافظتك لو انتخبته، بل من سيجلس هو من يحتاج إلى تعريف نفسه بغيره، ولذلك حذاري من لعبة تقديم القادة بمعية صور المرشحين، لأنها تستبطن الخداع، والإنسان المخلص والنزيه لا يحتاج إلى غيره لكي يعرفه، بل إن سلوكه العام والخاص هو الذي يعرفه، ولا قيمة في أن يكون مرشحاً من قبل هذا أو ذاك من رموز البلد أياً كانت قيمة تلك الرموز، وليكن المعيار بيت الشعر المعروف:
ليس الفتى من قال كان أبي إن الفتى من قال: ها أنا ذا.
سادساً: من يصنع القرار هو الكتلة وطبيعة تحالفاتها مع القوى الأخرى، وليس الأشخاص الفرادى، فقد لا تنجح كتلة في كسب الأصوات اللازمة لكي تؤثر في القرار لحسم شأن المناصب التنفيذية التي ستكون صاحبة التأثير الطاغي في مصالحكم، ولكن طبيعة تحالفاتها مع القوى الأخرى قد يمكّنها من كسب ذلك، ولذلك يجب العناية في انتخاب الجهات التي لها قدرة التأثير الجاد مع ملاحظة صلاح المرشحين، فالمرشج الجيد من دون قائمة جيدة لن ينتج والقائمة الجيدة من دون مرشحين جيدين هي الأخرى لن تنتج.
سابعاً: في مراقباتكم لطبيعة برامج المرشحين تابعوا ماذا يريد أن يفعل لمحافظاتكم أنتم، لا طبيعة الحديث السياسي العام الذي يتعلق بأحداث العراق العامة، فهذه الانتخابات يراد لها أن تؤدي إلى تحسين شوارعكم وجسوركم ومدارسكم وجامعاتكم ومجاريكم وفرص عملكم ودوائر الخدمة الاجتماعية والبلدية والصحية الخاصة بكم، ولا قيمة لأي حديث مهما كان عظيماً في شأن تحليل الوضع السياسي العام، فأوضاع السياسة العامة لا يصنعها هؤلاء في العادة، بل إن عملهم سيرتبط مباشرة بكيفية النهوض بمحافظاتكم بتفاصيلها الدقيقة.