منذ اللحظات الأولى لانتشار خبر ترشح ضريح السيدة الطاهرة خوله بنت الإمام الحسين عليهما السلام في بعلبك كنت اتابع الموضوع مع عدد من أخوتنا المؤمنين في بعلبك وبيروت واستمرت متابعتي للموضوع حتى الفجر خصوصاً بعد أن انتشرت أخبار التكذيب والتشكيك بما جرى، ونتيجة لكثرة الأسئلة التي وجهت لي فإني أثبت الحقائق التالية:
أولاً: أصل الخبر يعود لما أفاد به موالين حضروا مجلس العزاء والزيارة وقد تلاه احد الخطباء قبل صلاة المغرب في المرقد الطاهر وقد بدأ ما يشبه الدم يترشح بعد قراءة أبيات النعي في آخر المجلس، وقد أكد أكثر من واحد من المؤمنين في لحظة انتشار الخبر وجود ما يشبه دم يترشح من الرخام على جدران الضريح بالاضافة إلى وجود نفس المادة وهي تنتشر على نفس الشباك المذهب للضريح الشريف، ثم استفاض الخبر معززا بالصور ومقاطع الفيديو وانتشر كالنار في الهشيم في لبنان على وجه الخصوص، وإلى ساعة متأخرة من ليل أمس كانت عشرات الآلاف من الجموع اللبنانية تزحف من مناطق الجنوب والبقاع وبيروت باتجاه المرقد الشريف.
ثانياً: لم يمض على انتشار الخبر أقل من ساعة حتى بدأت موجات التشكيك تطلق حول أصل الحدث، ومن تعدد أساليب التشكيك وتعمد الكذب فيها يمكن للمرء ان يعرف أن اتجاهات محددة كانت تعمل على تكذيب الخبر وبشكل جموح، وهي ليست بعيدة عن موجات التشكيك التي شهدتها لبنان ضد كل ما يتعلق بكرامات أهل البيت عليهم السلام في وقت سابق، فلقد نفوا في البداية وجود أي مادة غريبة، ولكن حينما افتضح الأمر قالوا بأن قافلة زوار هنود ألقت عطر العنبر الأحمر على المقام والضريح فاشتبه الناس أنه دم، ثم قالت الإشاعة الثانية بأنهم لم يكونوا هنودا وإنما كانوا من باكستان، ثم تنوعت الحكايات في كون هؤلاء حملوا ماء من النهر وأراقوا فيه عطورا وألقوها على المرمر والرخام الموجود في الضريح بالاضافة إلى الشباك الطاهر، وبعد التحقق من خدمة المقام تبين أن الموضوع كله كذبة كبيرة لأن المقام لم يزره في ذلك اليوم أي زائر من جنسية غير لبنانية، والغريب من هؤلاء المشككين انهم لم يحسنوا حتى صياغة الكذبة إذ أن عطر العنبر ذو رائحة قوية جداً ونافذة جدا وهو في العادة حينما يكون بهذا اللون يأتي دهنياً، وقد أجمع كل من سالناه من زائري المقام إلى الفجر بأنه لا يوجد فيه أي عطر، ناهيك عن أن العطور بعد وضعها تتبخر او تزول بالتدريج ولكن الدم استمر إلى ساعات صباح هذا اليوم، وفوق ذلك ان العطر لو القي فإن من السهولة التمييز بين ما يلقى على الجدار وما يترشح منه، خاصة وأننا نتحدث عن قطع معدنية ورخام والرشح كان ياتي من زواياها ومن داخل فواصل الرخام، وفوق كل ذلك فقد أكد جميع من سألناهم وما لا حظناه عبر مقاطع الفيديو التي أرسلت لنا بأن جميع من مسحوا بالقطن او المناديل الورقية أو قطع القماش أو من مسح بيديه على هذا الدم لم يجدوا أي أثر على ما مسحوا به، وكأن حائلاً يحول بينهم وبينه.
ثالثاً: إن ما من شك بأن أهل البيت عليهم السلام ليسوا بحاجة إلى هذا النمط من الكرامات فهم أكبر من ذلك، ولكن ما من ريب أن هذا النمط من الكرامات قد تكرر في بقع عديدة وكلها تتحدث عن نفس النمط وهي بالنسبة لنا قطعية الحصول، ولذلك لا جدوى من نكران ذلك فهو ليس كبيراً أن يبكي الحجر والمدر لذكر المولى أبي عبد الله عليه السلام ورواياتنا بالعشرات تؤكد ذلك بل روايات غيرنا هي أيضا تؤكد حصول ذلك، ولا نجد في حالة النكران إلا امتداداً لخط التشكيك.
رابعاً: كنت قد ذكرت في غير مرة من بعد ذكر تحول تربة الإمام الحسين عليه السلام في المتحف الحسيني إلى دم عبيط، ومن بعد ذكر سدرة منطقة الجادرية ببغداد والتي نزفت للسنة الثالثة دماً في يوم عاشوراء وكذلك لوحة عبد الله الرضيع في قضاء علي الغربي في العمارة بأن منطق هذه الأمور يستلزم أن تتكاثر هذه الظاهرة وتنتشر لأن هذه الظاهرة هي رسائل يجب ان يعيها أهل الولاء، وهذه الرسالة تطلق وهي تتوخى الأثر السريع وهدفها تعميق الولاء وتعميق الانتماء في وقت بات من المتيقن أن الآفاق تتجمع فيها غيوماً مثقلة بالفتن وتحتاج إلى المزيد من الثبات والمزيد من الالتصاق بأهل بيت العصمة والطهارة، وهي في نفس الوقت حجج للتذكير ممن لا زال سادراً في أتون الغفلة بعيداً عن وظائف الانتماء لأهل البيت عليهم السلام، وما من ريب فإن المسؤولية الولائية في هذا المجال ليست احتفالية وإنما هي أكثر من عملية الإنبهار وأكبر من عملية التعجب، بل لا بد من أن نفتح لهذه المظاهر قلوبنا كي تتحول إلى معين الولاء الصافي ومنهلاً للبراءة الجادة من أعداء اهل البيت عليهم السلام.