قال سماحة الشيخ جلال الدين الصغير في خطبة الجمعة :
واحدة من الأمور التي ادعو اخواني الأعزة أن يراقبوها بشكل جدي هي ما يجري على صعيد المنطقة . ربما تستغربون لذلك وما شأن صلاة الجمعة به . عندما كنت انظر الى مشاهد ميدان التحرير في القاهرة وأرقب الملايين وهي تتحرك لكنما دون قائد ، وحينما ننظر الى طبيعة ما يجري في بقية البلدان نجد أن الأمر يتشابه تماما وفي كل مرة ثمة ضباع تنتظر وثمة ذئاب تتربص لأن القوم الذين لا قائد لهم يؤكلون حتى لو كانت هممهم همم الجبال العاليات . نفس المشهد كنت ارقب حينما كنا نسير في زيارة الأربعين فالملايين الزاحفة وهي تتحدى كل ألوان العناء بما فيها الصور الحقيقية للموت الغادر بأيدي وحوش البشرية وجزاريها . ولكن هذه الملايين لم تكن خلية من القائد بل بالعكس كانت تنادي بققائد واحد ، فأينما تنظر إنما تنظر الى رايته وأينما تتطلع قد تجد اختلافا في المواقف السياسية ، وقد تجد اختلافا في الشرائح الأجتماعية التي كانت تسير وقد تجد تباينا في توجهات هذا الموكب أو ذاك وللكن الحقيقة الواحدة والوحيدة أنك لا ترى إلا قائدا واحدا يرفرف اسمه فوق رؤوسهم ( ياقائم آل محمد ) . هذه الراية الآن تعالوا وانظروا الى المشهد بناءا على هذه الخلفيات ماذا سوف ترون وألى ماذا ستتطلعون . حينما سرقت الثورة المصرية وهي كانت أول ثورة عربية تنجح وما قيل عن ثورة يوليو وثورة تموز إنما كانت انقلابات عسكرية وهذه كانت ثورة . ولكن كنت انظر الى الجيش المصري والمحللون يمدحون بهذا الجيش أنه لم يقف ضد ارادة الشعب وهو فعل ذلك ولكنه لم يكن واقفا لمجرد القربة الى الله . لاشك أن هناك ابرار في هذا الجيش ولكن القدر المتيقن ان الجيش ممسوك من قبل ارادات كبرى لا يمكن ان تسمح لمجرد الحلم بالأستيلاء على مثل مصر . مصر قناة السويس وما تعني قناة السويس ، مصر الحاضنة البشرية الكبرى في الدول العربية ومصر رأس أفريقيا ومصر الحدود الجنوبية الغربية لدولة الصهاينة التي تمثل محمر سياسة الأستكبار في المنطقة . هل يعطوها لأي كان لان هؤلاء يريدون ديمقراطية ؟ .
لو كان هذا الأمر حقيقيا لرأيناه في انتفاضة الواحد والتسعين . لم يكن هناك ارادة لحرية الشعوب ولم تكن هناك ديمقراطية تطلب لهذه الشعوب وإنما هناك مصالح وهذه المصالح في ذلك الوقت اقتضت ان يبيعوا الشعب العراقي وكرامته ودماءه الى المجرم صدام ليستبيحها كيفما يريد وكنا نذبح ونقتل على مرآى ومسمع هؤلاء الذين يقولون انهم رسل الديمقراطية الى العالم . مئتان وخمسون الف شهيد دفعناهم في زمن الأنتفاضة ليس لشيء غير اننا اردنا تحرررا حقيقيا ، ولكن في العراق ثثمة قيادات اساسية تستطيع ان تمسك المبادرة ولكن في مصر قيادات عدة ولكنها ليست من النمط الذي يمكن للشعب ان يقدسها . لذلك بقيت مصر ضمن اطار ان يأتي هذا او يأتي ذاك ولكن البقية من سيأتي سيكون متصالحا مع اعداء الشعب المصري وسترون الأيام كيف ستمضي وما ستؤول اليه . ولكن حينما يكون العالم بحاجة الى القائد وهذا هو الشعور الذي تبحث عنه كل الشعوب الآن ، وتكونون انتم لا تعانون من هذه المشكلة بل انتم تنتظرون اقبال القائد . وهناك فرق بين من ضيع ولا يعرف اين السبيل وبين من ينتظر كل هذه الفترة .
لم يتبقى إلا القليل ولكن هذا القليل فيه استحقاقات كبرى ويجب ان تهيئوا انفسكم وتوطنوا قلوبكم وإلا آنذاك أي انحراف لأي سبب كان سيؤدي الى منزلق بعيد تماما عن حسن العاقبة . يمكن لبقية الأيام ان ينحرف الأنسان ثم يعود فيتوب حتى لو كان جرمه كجرم الحر بن يزيد الرياحي ، وسرعان ما تحول الى النجم العظيم في سماء الرساليين ( انت حر كما سمتك امك حرا ) . أما مع اقتراب الفرج فإن اي فقدان للرؤية يمكن ان يؤدي الى سوء العاقبة ، وسوء العاقبة مثل سيارة مسرعة جدا ثم تصطدم بشيء فحينما يريد السائق ان يوقف هذه السيارة وهي في المنحدر عليه ان يعاني لمسافة بعيدة حتى يستطيع ان يتوقف والمسافة البعيدة الان لا نمتلكها ايها الأخوة لذلك فإن املي منكم ان تعودوا اليوم الى انفسكم ( هل نحن مستعدون لتلك الأستحقاقات التي ستأتي ) ؟ .
وعن الساسة العراقيين قال سماحته :
ها أنتم ترون سياسيو العراق اليوم مشغولون عن كل التداعيات التي تحصل بأمور هي الى التفاهة اقرب منها الى اي شيء آخر ، وإلا كيف يمكن لبلد يحترق بالفتنة الطائفية قبل سنوات قليلة وهو يرى الفتنة الطائفية تستعر وتشتعل في البلدان المجاورة وهو لا يبالي بالأمر ولا يتخذ الأجراء الذي من شانه ان يحصن واقعه الداخلي . كيف ترون هؤلاء السياسيين ممن يمكن الاعتماد عليهم في رؤية ذلك المشهد الذي نترقبه وننتظره ، هؤلاء من سييحدد لنا الطريق ، أم يجب علينا بعد رحلة المعاناة والآلام الطويلة التي نزف بها أئمتنا (ع) من دماءهم غالي الدماء ومن اجسادهم أعز الأجساد ؟ . بعد كل هذه الرحلة هل نترك الأمر لمن بقي منشغلا بالكرسي ولا شيء غير الكرسي . نعم هذا الكرسي مغلف بإسم المصلحة الوطنية ، ومغلف بإسم الأمانة والخلاص ، ومغلف بإسم دماء الشهداء ومغلف ومغلف ..... بمئات البراق والستر ولكن في الحقيقة هناك شيء آخر على الأرض لا علاقة له بكل هذه الشعارات وإلا كيف يمكن لبلد لا تجد فيه مسؤولا إلا ويتحدث عن النزاهة والبلد تبرز فيه أكبر ارقام الفساد في العالم او المتقدمة جدا في أرقام الفساد فماذا يعني ذلك ؟، هل ان الفساد يصنع من السماء ، ام ان هناك اشباحا هي التي تنظم هذا الفساد ؟! .
وأضاف سماحته :
لا يوجد لا اشباح ولا ان الفساد ياتي من الخارج . صحيح اننا نسمع بين المدة والأخرى أنهم القوا القبضض على فلان وفلان والمسروق هو مليون او مليونان من الدنانير ونحن نتحدث عن سرقة عشرات ومئات الملايين من الدولارات . تلك السرقا اين اصبحت وذلك الفساد أين اصبح ؟ . نعم نغرر برؤية الصغار وهم يحاسبون ولكن رؤية الكبار يعاتبون ويحاسبون فلن يحصل ذلك اطلاقا . وأنا أشير ببساطة وسلاسة ، إذا ما قدر لحسني مبارك ان يقال ان لديه سبعين مليار دولار ولا نريد ان نسير مع مبالغات الإعلام وللننزل بالرقم الى المليار الواحد فقبل ذلك كان حسني مبارك الرئيس الوقر والمبجلل والأعلام يشير بنزاهته ونظافة يده و....إلخ ، ولكن بعد يوم واحد تحول هذا القول الى قول معاكس . هذه الصورة بلا شك موجودة عندنا لذلك ما اريده من الأخوة حفظهم الله تعالى وهم يرون أن البلد لم ييحصن بعد وهذه الأحداث الأمنية في كل يوم تحصل مع ان لدينا مئات الآلاف من الجنود والمسلحين الذين يقولون انهم امن هذا البلد وحدوادث الغتيلات والعبوات اللاصقة والأحزمة والعبوات الناسفة والصواريخ نسمعها في كل يوم او ما بين يوم وآخر ماذا يعني ؟، يعني اننا لسنا بمحصنين .
ناديتهم كثيرا للأخوة السياسيين إلتفتوا لما يجري في المنطقة وسوريا على وجه التحديد لأن سوريا على الحدود والشعارات التي تطرح هي الشعارات الطائفية . ربما لا نتدخل في الأوضاع الداخلية في سوريا ولكن من يتصور ان تلك الوضاع لن تتدخل في اوضاعنا والموجة الطائفية لن ترسل مددها وإستمدادها الى بلدنا مشتبه تماما وساذج تماما . لذلك فأنا ادعو الشيعة والسنة على حد سواء بقياداتهم الدينية والسياسية الى ان يلتفتوا ويعملوا بأسرع وقت وإلا فإن الطوفان قادم لا محالة .
وعن الوضع البحريني قال سماحته :
والمؤسف انه لا يزال الأمر بلا أبالية كبرى من دول المنطقة إن لم أقل ان المشروع هو إثارة الفتنة الطائفية وإلا هذا الذي يجري في البحرين من هدم للحسينيات للمساجد ، والحسينيات والمساجد لطائفة واحدة ومن احراق للبيوت والمكتبات بما فيها القرآن الكريم العزيز ! . وأعجب أن الكثير من المسلمين استنكروا فعل قسيس حاقد على الأسلام وأهل الأسلام في امريكا وقد احرق القرآن ولا ينظرون الى عشرات افلام الفيديو وهي تظهر كيف ان قوات " غدر الجزيرة " والقوات الموالية للحكومة البحرينية وهي تحرق القرآن وهو محروق في المكتبات المحترقة او مرمي به كيف ما إتفق في هذه الحسينية أو في ذلك البيت .أي جريمة أكبر ، ذلك القس جريمته كبيرة أم جريمة الذين يدعون انهم إسلاما ويتدثون بإسم دين رسول الله (ص) جريمتهم هي الأكبر ؟ .
يتدثون ان هناك اعتداء خارجي والمتظاهرون كلهم ابناء البلد ، والمتظاهرون لم يطلقون رصاصة ولم يكسروا زجاجة ولم يحرقوا سيارة وكل ما فعلوه انهم نادوا بحق لهم . فهم ان هذا الحق لم يعجب حاكما ولكن ماذا يعني ان تمارس الطائفية بهذه الطريقة ؟ . الطائفية إن جاءت لا تبقي ولا تذر وهي حارقة ومن يتصور بانه سينتصر فيها فهو مشتبه تماما وانا اناشد هنا عقلاء الحكومةالبحرينية مرة اخرى ، هددت الحكومة ونفذت تهديدها . قتلت العشرات ، اعتقلت المئات ، طردت المئات من العمال والأطباء والممرضين ، فعلت ما فعلت واحرقت وهدمت وسبق للمجرم صدام أن فعل بنا اكثر من ذلك ، ولكن هل فكرتم ماذا سيحصل بعد ان يستوعب الناس موجة الغدر التي حصلت وتتقوى قلوبهم فيعودوا للمواجهة مرة اخرى ؟ ، عند ذلك سينزلون بقلوب تتحمل هذه المحنة لما هو أعظم منها ماذا ستفعلون ؟، هل ستعيدون الكرة والظروف في كل يوم تتغير والخاسر الأكبر سيكون البحرين . لا تتصوروا بأنكم بقتلكم لهذه المجموعة ستقضون على هذه الطائفة . زبانية مخابرات أنظمة المنطقة قتلوا فينا حتى أترعوا في القتل مالذي أخذوا منا ؟ . عشرة آلاف ؟، مئة ألف ؟ ، هل نقصنا ؟، هل تغيرنا ؟، هل تراجعنا ؟، هل تخاذلنا ؟، أم بقينا في نفس المكان ؟ .
وختم سماحته الخطبة بالقول :
هذا هو منطق الشعوب ، نعم الشعوب تنحنى للعاصفة ولكنها سرعان ما تحتوي العاصفة واهل العاصفة . لذلك ما احرى بعقلاء القوم في ان ينظروا بعين العقل للآفاق القادمة هل يريدون بحرينا مخربة على من فيها ام يريدون بحرينا يتعاون اهلها على بناءها وإعمارها ؟ . وأنا لا أشك بأن خيار الأعمار هو الخيار الذي سوف يكون مطلوبا من قبل عقلاء هذا البلد الكريم ، ولكن الجلوس ومجرد الحديث لا ينفع ولا يغلق هذه المشكلة . الشعب العراقي اذا رأيتموه قد غضب كل هذه الغضب ليس لأن هناك شيعة يذبحون ، بل لأن هناك ظلم لم يروه في بقية البلدان ورأوا اصرار الأنظمة ومشايخ الزور والأفتاء والمنظم على أعتاب الأمراء والملوك ويرون هذه العمم المزيفة وهي تعمل على قتل الناس على أساس الأنتماء الطائفي ، فالغضب هنا وإلا لماذا كانت فرحة العراقيين عظيمة بإنتصار اخواننا في مصر العزيزة ولماذا هذه اللهفة لدى العراقيين على احوال ليبيا واليمن وبقية البلدان لأنهم يعرفون معنى الظلم وعاشوا هذا الظلم ويتمنون لكل الشعوبب ان تتخلص منه . لذلك عودوا الى منطق العقل وافتحوا صفحة الحوار ولكن لا على أساس حوار القاتل والمقتول أو الظالم والمظلوم فهذا حوار الطرشان لأن الظالم لا زال مصرا على ظلمه والمظلوم لا زال مصرا على ان لا يحني رأسه ولا يخنع لأرادة الظالمين . عندئذ لا مجال إلا لمبادرة العقلاء ونحن مستعدون لها بما نمتلك من قدرة وما نمتلك من علاقات مستعدون لمبادرة لو وجدنا ان ارضية الحكومة البحرينية مهيئة لذلك .