قال سماحة الشيخ جلال الدين الصغير في خطبة الجمعة :
التفجير الذي حصل في أحد مواكب مدينة الدجيل بزوار المام الحسن العسكري (ع) وبخدمة هؤلاء الزوار يعيد الينا نفس الصورة التي ألفناها من حقد هؤلاء على كل ما يرتبط بآل محمد (ع) مع انهم يرددون بأنهم من المحبين لآل محمد وانهم يعتقدون أن حبهم واجب ولكن هذه الصورة التي نجدها في زوار الأئمة في كربلاء او في الدجيل وسامراء إنما تعرب عن حقيقة نصب هؤلاء وحقدهم على اهل البيت (ع) . فهم لا يعرفون الزوار ولا يطلبونهم بثأر وكل ما يفعلونه هو أنهم يترصدونهم في مراسم زيارة اهل البيت (ع) . لذلك في الوقت الذي تمثل هذه الأعمال صورة من صور أحقاد الـتاريخ على ائمة اهل البيت ، وأبناء هذا الحقد يتوارثون حقدهم من واحد الى آخر . الا أننا نجد في المقابل مجد محبي أهل البيت (ع) ، فهذا الحب الذي جعلهم لا يتخلون أبدا عن الإعتقاد بحقانية هذه المدرسة بل زادتهم هذه الأعمال اباءا ومضيا للأستمرار على هذا النهج وأعطتهم وعيا بحقيقة هذه الأعمال لأنهم قبل ذلك في الكثير من الأحيان ربما الكثير من الناس لم يكونوا يعرفون ماذا تعني الزيارة . ولكن الآن اصبح للزيارة معنى خاصا وأصبح لأحياء الأمر مفهوما ومعيارا اساسيا ليصوغ الناس وعيهم ووعي الآخرين بناءا على مقاييسه وبناءا على ما ينضح منه .
لذلك أنا في الوقت الذي اردد دوما في الاذان الصماء لهؤلاء المجرمون ( إقتلونا بأي طريقة أردتم وبأي طريقة شئتم فإننا لن نتنازل ولن نركع ولن نذل لأننا في مدرسة عزة ومدرسة كرامة ) . إن المجرم يكرس اقدامه في النار حينما يقدم ولكن الله سبحانه وتعالى قد كتب آجالنا في أوقاتنا وبطرق معينة ومن يستشهد على هذا الطريق إنما يكرم من قبل الله سبحانه وتعالى . أول قطرة من الدم الشهيد تسقط في أحضان امير المؤمنين (ع) ، فما بالك إننا نقتل في طريق أمير المؤمنين (ع) وفي الطريق الذي ضحى امير المؤمنين (ع) بدمه الشريف من أجل تعبيده وتكريس وجوده وإدامة هذا الوجود . لذلك لن نتخاذل بل بالعكس فهذه الأعمال سوف تزيدنا اصرارا على إحياء هذا الأمر . وانظروا جيدا اذا لم يكن لدينا في محرم من يفكر بمحض الزيارة للإمام العسكري (ع) واما بعد تفجير العسكريين اعطيتمونا مناسبة قد حولها الناس لتعظيم الولاء لمن فجرتموه . فإنظروا بعين الاعتبار للتاريخ وما جرى فيه فستجدون اننا نحن المنتصرون حتى وإن فجرتمونا وقتلتمونا وإننا نحن من ستعلوا كلمته ومن ستنبو اموره على الدهر كله .
وأضاف سماحته :
لابد لي أن اذكر الشهيد المبرور السيد كاظم الموسوي أحد ضباط الشرطة (رض) الذي استشهد هو ووالده واخوه في هذا التفجير في الدجيل . فقد كان من أبطال الدجيل في أيام الفتنة الملعونة وممن له ايادي كبيرة في الحفاظ على أمن واتستقرار الناس وهنيئا له هذه الكرامة أن يقتل في طريق زوار الإمام العسكري (ع) وهنيئا له بكرامة خدمة الزوار والستشهاد في طريق الزوار وهنيئا له شفاعة الإمام الحسن العسكري (ع) . ومع هذا الحادث لا بد لي من ان اشدد على القوات الامنية ان لا تتكرر مثل هذه الأختراقات وأن تطيل النظر والبحث وان لايستقر لها بال في متابعة هؤلاء المجرمين من أجل تفويت الفرصة عليهم . والحمد لله ما عادت الأمور كما كانت في السابق حيث يختلط امرها على الناس فيحسبون أن كل جريمة لهؤلاء انما تنسب الى طائفة . فالآن هؤلاء المجرمين من القاعدة وحزب البعث هم متمالؤن ضد الشيعة وضد السنة على حد سواء وقتلوا ابناء الشعب كافة ولم يسلم منهم لا الصابئي ولا المسيحي ولا الأزيدي كما لم يسلم من قبل ذلك منهم الشيعي والسني . وعمليات التقتيل والتفجير انما تحكي عزلة هؤلاء ولو كانوا محتضنون من قبل أحد لحموا هذا الحد . ولكنهم يفجرون في الرمادي كما يفجرون في تكريت ويفجرون في الموصل كما يفجرون في كربلاء ليشعروا الجميع بانهم معزولون من قبل الشعب وهذا بمحضه انتصار كبير ضد الأرهاب وينبؤنا أن أيام هؤلاء البرابرة قد باتت وشيكة والى الزوال ومزبلة التاريخ ان شاء الله .
وفي شأن التطورات على الساحة المصرية قال سماحته :
يبقى ما يشد انتباه الجميع هو ما يحصل في مصر العزيزة وطبيعة ثورة هؤلاء الأحرار وطبيعة اصرارهم وأنا في الأسبوع الماضي وجهت الأنظار بإتجاه ما يمكن ان ينعكس على واقعنا وما يجب على السياسيين أن يأخذوه من دروس للتعامل مع هذه القضية فأشير الى جملة من الملاحظات في هذا الأسبوع وألخص هذه الملاحظات بالتالي :
بالأمس استمعنا الى خطاب الرئيس المصري ووجدنا ان طرق الخداع لدى النظمة كلها واحدة ، والعزف على وتر خداع الشعوب بإسم التحرير والوطنية وبإسم القومية والأستقلال وجدنا الشعب المصري بالأمس كان أوعى بكثيرمن كل هذا الخداع اذ لم ينتهي الرئيس مبارك من خطابه إلا وكانت هتافات الغضب قد عمت ميدان التحرير لتخبر لا في مصر وحسب وإنما في كل الشعوب وكل النظمة أن شعارات الخداع قد انتهى مفعولها وأن على الأنظمة ان تفتش عن اساليب جديدة شعارات جديدة ولن يجدوا ذلك . وليس امام الأنظمة خيار إلا الأذعان لمطالب شعوبهم وإلا فالرضوخ لأرادة هذه الشعوب . إن ما يحصل اليوم يجب ان لا نقرأه بعنوانه حدث في مصر فهذا الحدث له اراتداداته الكبرى وانا أحسب ان تأثير الزلزال المصري في زمننا هذا سيكون بقدرة او ما يقرب من قدرة الزلزال الذي حصل في عام 1979 يوم ان انتصرت " عمة رسول الله (ص) " عبر ذلك الرجل الصالح والعبد العفيف والنزيه الأمام الخميني (رض) على واحدة من اكبر قلاع امريكا قوة وتحصنا في هذه المنطقة بالصورة التي كان يفتخر بأن يسمى شرطي المنطقة المعين من قبل الأمريكان . هذا الزلزال الذي ما زال لحد الان يترك آثاره بطرق متعددة يأتي الزلزال المصري ليعيد امام الأنظمة درس الشعوب وليعيد امام النظمة خيارات أحلاها مر بالنسبة للظلمة كمرارة العلقم أو اكثر من ذلك .
ما ذا يحصل ايها الرؤساء وأيها الزعماء وأيها الملوك في أن تراقبوا شعوبكم فيما تريد . وهنا لا أستثني أحدا بما في ذلك حكومتنا فهذه الحكومة رغم وجود فارق كبير بينها وبين تلك الأنظمة ولكن مع ذلك فإن الأنصات لرأي الناس ومطالبهم أمر في غاية الأهمية فأنتم ما وجدتم في مناصبكم إلا نتيجة لأن الناس ارادوكم في هذه المناصب . اما عندما لا الناس لديها ما يحقق الآمال عندها لا تستغربوا ان ينتفض الناس عليكم وهاهي واحدة من القلاع الكبرى من النظمة العربية قد تهاوت ولا اعتقد ان سنوات عدة ستعيد لهذه الانظمة قوتها بعد ان اصيبت منظومة الامن في الشرق الاوسط بضربة كبيرة جدا . ما يجري في مصر ليس مجرد ظاهرة عندما ينظر بعين الستراتيجية وهذا الذي نراه في اسرائيل وفي بعض الانظمة لأنهم يعرفون ان ما يجري يهدد مصالحا كانت مستقرة كل تلك الفترة . وعندما نراقب المواقف المريكية اليوم نجد ما يخدع النظر بأنها مؤيدة للديمقراطية في مصر وكأن مصر كانت بعيدة عن أمريكا ونفوذها مع ان امريكا هي المتسلطة الاولى في تلك المنطقة ولكن حينما يجدون الشعوب تنتفض لا يجدون مفرا إلا ركوب الموجة وإعتلاء المنصة . وبالنسبة لنا فما نتمناه للشعب المصري هو كل السؤدد والكرامة والعز ونتمنى من الشعوب ان تتأسى بأخوانها المصريين وأن يعتبروا كل قوة الانظمة هي فزاعات من الكارتون وأن في داخل هذه الشعوب من القوة والمنعة ما يمكن ان يطيح باكبر الانظمة قوة ومنعة .
واضاف سماحته قائلا :
هذا الشاه الذي كان الناس يتصورون انه واحة الأستقرار وأتذكر تصريحا للرئيس الامريكي آنذاك ( جيمي كارتر ) يقول ( ان منطقة الشرق الأوسط لا يوجد فيها استقرار إلا بواحة اسمها ايران ) . واذا بالواحة تتحول الى اللعنة الكبرى التي أطاحت بكل عروش الطغيان فمالذي حصل ؟ . إنها مرجعية متصدية وشعب واع مضح من أجل أهدافه ومن اجل كرامته فسرعان ما وجد الشاه نفسه في حصار وليس امامه إلا ان يهرب ليعود العبد الصالح في عز قوة الشاه بطائرته من باريس والاغرب من ذلك كما يتحدث احد مرافقيه يقول كان الرعب مستول بدواخلنا على الامام فقد تتم عملية اسقاط طائرته وهو بالجو او انه بمجرد ان ينزل في مطار طهران يعتقل او يقتل . ولكن سرعان ما غط العبد الصالح في نوم عميق مطمئن الى ان وعد الله سبحانه وتعالى آت وان اجله لا يتقدم ولا يتأخر . كان وعيه (رض) بطبيعة المعركة حيث كان يسأل في النجف عن مظالم النظام البعثي فيقول السبب كل السبب في وجود نظام الشاه واذا ما سقط نظام الشاه ستتبدل الأوضاع . ركز نظره على هدف واحد حتى تمكن من تحقيقه ولكن سرعان ما تمالئت كل الدنيا ضده ، فأمريكا وحلفاؤها وروسيا وحلفاؤها وصنيعة الجميع المجرم صدام وخاضوا حربهم المجنونة التي دمروا بها العراق وحاولوا ان يدمروا بها قدرة الشعب الايراني وثورته على زعزعة الانظمة الطاغوتية وعلى اعادة الهيبة للشعوب واستعادة لحقها .
ذهب المجرم صدام وسقط وباتت الانظمة تخشى من صولة هذا الرجل حتى في قبره ( رض ) والذي سرعان ما تحول الى كعبة للزائرين . دخل الى ايران فقيرا وخرج من ايران فقيرا الى ربه وهو يقول ( اودعكم ايها الشعب الكريم بنفس مطمئنة وبقلب راض ) . بهذه الروح وبهذه العظمة كان الأمام الخميني ( رض ) قد أسس لثورته وقد كا فئه الله سبحانه وتعالى بأن اعطاه شعبا مطيعا وشعبا استطاع بثورته وبوحدته ومنعته ان يهز اكبر الطغاة واكثرهم قوة وحصانة .
وربط سماحته بين الأحداث في مصر و الوضع العراقي قائلا :
اليوم بالنسبة لنا حينما ننظر الى الحدث المصري وهو يأتي متزامنا مع يوم الثورة الأسلامية في ايران لا بد لنا ان نعيد النظر في اولوياتنا وفي طبيعة ما نتعامل به مع شعوبنا . وانا اتعجب من بعض السياسيين في حكومتنا الموقرة حينما ينعتون أخواننا في مدينة الحمزة حينما خرجوا متظاهرين بانهم مجموعة من البعثيين ! . فإذا كان هناك محاولة لمدح البعثيين فانا اعتقد مثل هذه المحاولات تحاول ان تغسل عار البعثيين . مجموعة من الفقراء خرجوا يحملون فانوسا يبحثون به عن الكهرباء ، ويحملون مقدارا من الرز المفقود ومقدارا من الطحين والسكر المفقودان يريدون ان يذكروا الحكومة وهم موالون للحكومة فارادوا أن يذكروهم بوعودهم فبدلا من ان يبدأ السياسيون القول بان هناك مؤامرات وما الى ذلك إدحضوا كل المؤامرات بالبر بشعبكم فستسقط كل المؤمرات فالمؤمرات احيانا في عقل السياسي فقط .
وهنا أذكر ان مظاهرة المصريين بدؤا مئة وخمسة وخمسون شخصا فقط كما يحسبون في الفلم الذي يصور اول تظاهرة فما الذي حصل ؟ . الحكومة جابهتهم فردوا على المجابهة بالجلوي يصلون امام قمع جهاز الأمن المصري فإنبهر الناس بهذه الحالة وسرعان ما تكاثروا وتحول المئة والخمسين الى هذه الملايين التي تركتها قبل قليل تملأ ميدان التحرير والمساجد التي ستنعقد فيها صلاة الجمعة ايذانا بجمعة الوعد والبر بالشهداء . على ماذا يضرب اخواننا في الحمزة وبالرصاص الحي ، هب انهم مخطئون فلماذا يعاملون بهذه الطريقة . وانا ادعو السيد رئيس الوزراء وادعو مجلس محافظة الديوانية وبقية المحافظات الى النظر بجدية الى هذه المسائل والتعامل بطرق الحتواء لا بطرق تاجيج الفتنة وتاجيج المشاعر .
اعيد عليكم ما سبق لي ان كررته مرارا وتكرارا والحمد فقد سمعت استجابة لبعض مطالبنا قبل أيام بشان تقليل الرواتب . قلصوا الهوة بين رواتب المسؤولين وبين رواتب ابناء هذا الشعب . البطاقة التموينية حاجة اساسية لفقراء الناس فنحن لا نحس بقيمة هذه البطاقة ولكن الناس يحسون بها عميقا ولو فقدوها ربما يموتون جوعا او يتجوعون لها . هناك مطالب حقيقية فأنظروا لرواتب الموظفين ، فإذا قررتم ان تكون الدولة هي الحاضنة لكل الوظائف حسنا ولكن انظروا الى هذه الوظائف . فإذا كان الإقتصاد المصري لا يقرب من قوة اقتصادنا واموالنا اكثر بلا شك والحكومة المصرية قد رفعت الرواتب ( 15 بالمئة ) فلماذا لا تفعلون انتم ؟ . ارفعوا الرواتب ولا تجعلون القضية لعبة انتخابات تقال اليوم وتنسى في اليوم الآخر .
وختم سماحته الخطبة بالقول :
ياأعضاء البرلمان يارؤساؤنا يا وزراؤنا حفظكم الله وابقاكم في مناصبكم ولكن بروا بهؤلاء الذين وضعوكم في هذه المناصب ولا تنسوهم وانتم في غمرة الجلوس في هذه المناصب واذكروا قول امير المؤمنين (ع) ( السكر من اربع ، السكر من الشراب والسكر من النوم والسكر من المال والسكر من السلطة ) . عودوا الى شعبكم وبروا به وانا اعرف أن اجراءات تتخذ ولكن لماذا لا يخرج المسؤول ويتحدث بشفافية . لا تطلقوا الوعود جزافا فالناس قد تعبوا . كثرة ما قلتم ان الكهرباء قد فعل بها كذا وسنزيد منها و ووووو .. ولكن مالذي قبضه الناس ؟ . لقد قبضوا تردي مستمر وانقطاع اكبر في ساعات الكهرباء .
اخرجوا وقولوا لا نستطيع . قولوا لدينا برامج وسنمنحها الى التجار . قولوا للناس أي شيء يقنعهم بان هناك افقا للحل . أما أن تقولون اليوم ان الناس تبقى تحسب وتحاسب وعندما تأتي لحظة المرارة وينفجر الناس فلا تعتبوا عليهم تقولون إنها مؤامرة .فاللذي يزرع المؤامرة هو المسؤول المتخلف عن اداء المسؤولية . المؤامرة يقيمها المسؤول الذي لا يصرف امواله بالطريقة التي تدخل في جيوب الناس او في رفاهيتهم .
هذه العملية السياسية منذ ان جاءت تآمرت عليها الدنيا ولم تنتهي بعد ولكن الشعب بوقوفه امام كل ذلك قد اسقط كل المؤامرات ، أما الشعب اذا تخلى عنكم فلا تحتاجون الى من يتآمر عليكم فستسقطون بانفسكم . ولكن احموا الناس وسيقدمون لكم الغالي والنفيس ، وانا لا ادعو هنا الى شيء واحذر من ان تستغل بعض مظاهر الغضب من اعداء هذا الشعب وادعو الى دعم الحكومة ولكن على الحكومة ان تفكر بشكل جدي فلا يمكن دوما ان نطلب من الشعب ولا نسمح للشعب ان يطلب من الحكومة .