سماحة الشيخ الصغير: مجلس النواب ليس هو من شرّع رواتبه ولا يمتلك قدرة تغييرها..
قال سماحة الشيخ الصغير: إن الحديث عن رواتب مجلس النواب يجري وكأنه هو المسؤول عن تعيين هذه الرواتب وتشخيصها وتخصيصها، والحقيقة خلاف ذلك بالمرة، فلم يحصل في أي يوم من الأيام أن طرح قانوناً للرواتب لا على الجمعية الوطنية ولا على مجلس النواب، وحده مجلس الوزراء من قرر ذلك، وأي موضوع يتعلق بالتقاعد أو ما إلى ذلك إن لم يقرره مجلس الوزراء لا يستطيع مجلس النواب أن يبتّ به، فلقد كان مجلس الوزراء قد حدد رواتب للوزراء ومخصصات لهم بما فيها التقاعد بلا أي علم لمجلس النواب، ولم يتم ذلك عبر قانون وإنما كان على شكل مرسوم صدر لوزارة المالية، وبالتالي لم يمر على مجلس النواب بتاتاً، ولأن عضو مجلس النواب درجته الوظيفية هي درجة وزير لذلك تم احتساب رواتبهم على شاكلة ما تم للوزراء رغم أن مخصصات الوزرا وامتيازاتهم العملية بقيت أعلى بكثير من أعضاء مجلس النواب، وقد صدرت معارضات قوية من قل العديد من أعضاء هذا المجلس بشأن هذه الرواتب وتقليصها ولكن لم يتم الالتفات إلى ذلك، نعم في الجمعية الوطنية تم التصويت على تقاعد أعضاء الجمعية الوطنية وكنت يومها في سفر علاجي استغرق اسبوعين (عملية جراحية معقدة في داخل الإذن) وقد طالبنا بعدها بمعية العديد من أعضاء الجمعية ومن بينهم سماحة السيد احمد الصافي والسيد عبد الهادي الحكيم وغيرهم ولكن لم نوفق في هذا المسعى.
أما بالنسبة لموضوع إلغاء التقاعد البرلماني فأنوّه أولاً إلى أن محاصرة الدور الرقابي لمجلس النواب ومنعه من ذلك أدت بالأمور إلى أن يمنع مجلس النواب من إصدار القوانين وتشريعها ووضعت بين يديه قدرة اقتراحها فقط، وهذا المقترح لو تم عليه ان يعرض على مجلس الوزراء ومن دون تحويل مجلس الوزراء هذا المشروع إلى قانون لن يتمكن مجلس النواب القيام بأي شيء في هذا السبيل، وما يجب أن يعلم أن هناك قاعدة تسير عليها عجلة اصدار القوانين وهي أن أي قانون فيه صفة مالية أو تخصيصات مالية لا يمكن أن يجزم به مجلس النواب إلا من بعد موافقة مجلس الوزراء عليه.
وعليه فإن ما يروّج اليوم في شأن عملية إلغاء الرواتب التقاعدية وما تبذله بعض الكتل من مجهود لتحقيق ذلك يبقى أسيراً بيد مجلس الوزراء تحديداً، علما أن هناك تهريجاً يطال هذه الجهود الخيرة حينما يتم مطالبتهم بتحويل هذه المطالبات إلى قانون وهذا التهريج احسبه من صنفين صنف يجهل من هي جهة إصدار القانون وجهة مدفوعة الأجر سلفاً لتشويه الموقف تارة لأغراض انتخابية وأخرى لأغراض منع القانون وإحباط المسعى وثالثة وهي الأهم من أجل إدامة الجهود المبذولة من مافيا الفساد المسيطرة على الدولة لتشويه دور مجلس النواب.
وما يؤسف له أن جانباً من الأداءات في داخل مجلس النواب عززت من جهود إضعاف مجلس النواب وشوّهت صورته.
وأعتقد أن المسعى الحقيقي للجهود الضاغطة المباركة باتجاه التخلص من هذا الإرث البغيض للإمتيازات الديناصورية للمسؤولين هو الضغط على مجلس الوزراء ليصدر قانوناً للرواتب والتقاعد الخاص بالمسؤولين ليتم التصويت عليه لاحقاً من قبل مجلس النواب ومن دون ذلك فلن يتحقق أي شيء.
ومن أجل الحد من التهريج المتوقع الذي سيقابل فيه مثل هذا الحديث اجد نفسي مضطراً للتنويه إلى حقيقة أنني لم ادخل إلى بيتي فلساً واحداً من رواتب مجلس النواب ولا من تقاعده، وكنت في داخل مجلس النواب قد ذكرت مراراً بوجود إشكال شرعي في هذه الرواتب والإمتيازات، وقد بقي مكتبي هو من يستلم ذلك ليوزعه على شكل رواتب ومساعدات لعوائل أجدر بأخذ هذه الأموال، لأنني وجدت أن الإمتناع عن أخذ الراتب سوف يبقى يراكمه في الحساب الخاص بي ولا يلغى من قبل وزارة المالية، اما وجه الإشكال الشرعي فلعقيدتي ان ما يؤخذ من أجر من الدولة يجب أن يوازيه جهد في المقابل لخدمة أبناء الشعب، وحيث ان إحراز ذلك والإطمئنان منه عسير وجدت التعفف عنه أولى من قبضه.