لم تك هي المرة الأولى التي يتحدث فيها السيد رئيس الوزراء عن قانون البني التحتية ويتعرض لي بصورة مباشرة بالتكنية تارة وبالتصريح أخرى وبطابع واضح من التجريح والاستهداف الشخصي، وكنت قد آثرت عدم الرد لكي لا تكون مجرد سجالات مكتفيا بالقناعة بأن التاريخ سيكشف خبايا ذلك وحقيقة الخلفيات التي تكمن وراء هذا التعرض والتجريح، ولكن ما جاء في حديثه يوم الثلاثاء 2372013 مع جمع من الاقتصاديين والسياسيين والذي نقلته المواقع الألكترونية بما فيها المواقع التابعة لدولة القانون أقنعني بأن أمسك القلم كي أوضح جانباً من حقيقة هذا القانون إذ ان السيد المالكي قد أعاد الكرة مرة جديدة، ولكن بضميمة أنني افتخرت عبر القنوات الفضائية بأني أسقطت القانون في مجلس النواب لأن فيه مصلحة لحكومة المالكي، ومع أني فعلاً من أسقط هذا القانون او تسببت في ذلك عام 2008 إلا أن الحديث عن أني فعلت ذلك لأن القانون فيه مصلحة لحكومة المالكي غير صحيح وكنت أربأ بأخي أبي إسراء أن يتصور مثل ذلك، لأن هذا تشهير شخصي لعدم صحته أولاً، وثانياً لأنه قراءة نوايا لا تليق بأن تكون حكماً في موضوعات من هذا القبيل، ولعل السيد رئيس الوزراء نقل له بأني قلت ذلك في لقائي الأخير في قناة البغدادية في برنامج سحور سياسي، ونقلة السوء كثيرون في أيامنا هذه، وكان الأجدر به التأكد قبل التورط بمثل هذه الكلمة خاصة وهي تصدر من أعلى سلطة تنفيذية في البلد، إذ إن أدنى مراجعة للقاء يثبت أن ذلك زوراً من القول وإفكاً.
وإني أجد نفسي والحال هذا بعد أن كثر الكلام حول هذا القانون مضطراً لتوضيح جانباً من التفاصيل المتعلقة بهذا القانون لندع للخبراء والواعين بشؤون الاقتصاد والخدمات والقانون أن يحكموا له أو لي، وعندئذ انا سألتزم بأي خيار يطرحه مثل هؤلاء الخبراء.
وبداية أقول إن طرح الموضوع في سياق الأحداث الأمنية الرهيبة التي طالت العراق خلال اليومين الأخيرين وعدم توضيح ما يجري بالضبط ووضع المواطن العراقي أمام استحقاقات المرحلة المريرة التي يمر بها والتي تشهد انهياراً كبيراً في الأداء الأمني، والقفز على كل ذلك للرجوع لأحداث عام 2008 وقوانينها للقول بوجود استهداف للحكومة المالكية، يضع أمراً قانونياً واقتصادياً دقيقاً في سياق أجنبي عنه.
كما أن وضع الحديث تحت يافطات الشركاء السياسيين الذين يعرقلون عمل الحكومة، يجعل المرء يفغر فاهه من طبيعة التعامل مع الوعي السياسي للجمهور العراقي، إذ أن وضع المجلس الأعلى من خلال وصف جلال الدين الصغير بالعضو القيادي في المجلس ضمن هذه الخانة يعتبر تجني كبير على الجهة السياسية الوحيدة التي حفظت السيد المالكي في منصبه في الدورتين الحالية والسابقة، وقد كان جلال الدين الصغير أحد صناع قرار حفظ المالكي في هذه الدورة والتي سبقها، وعدم جر البلد إلى مصير مجهول، ورغم اللوم الشديد الذي تعرضنا له، ورغم الاجحاف الكبير الذي تعامل به السيد المالكي مع المجلس الأعلى دون غيره، إلا أن المجلس الأعلى كان يصوّب نظره باتجاه ما هو أعلى من الصراعات السياسية والمحاصصات المرتبطة بها، بالرغم من أن أراد أن يسقط المالكي هم نفس من انتخبوه، وهم من حصلوا منه على حصة الأسد في حكومته، إلا ان الشريك الذي لم يحصل على أي شيء من حكومة المالكي هو وحده الذي وقف وقال لجميع الكتل بأن هذا العمل لن يؤدي إلى نتيجة، وعمل كالمكوك في حينها من أجل تهدئة النفوس ودفعها لحفظ رباطة الجأش، هذا بالرغم من ملاحظاتنا الكثيرة على أداء الحكومة، لكننا لم نر الأمور من الثقب الضيق للمصالح السياسية الصغيرة المرتبطة بالمناصب والمكاسب الآنية، بل بقينا كما عهدنا الجميع ننظر إلى آفاق أكبر هدفها حفظ العراق وضمان السلم الإهلي وعدم الانجرار إلى المنزلقات التي لا يعرف لها قعر ولا يدرك لها منتهى، هذا بالرغم من أن العديد من الكتل طلبت منا أن نتولى مهمة رئاسة الوزراء ولكن رفضنا كان قاطعاً ونهائياً، وهو ما يعرفه السيد المالكي جيداً.
وعوداً إلى الحديث عن قانون البنى التحتية أشير أولاً إلى الاجتماع الذي عقده المجلس السياسي للامن الوطني في مقر الرئيس الطالباني عافاه الله يومها وهو في علمي آخر جلسة عقدها المجلس ولم ينعقد من بعد ذلك ليومنا هذا، حيث ذكر السيد المالكي في حينها أنه تلقى عروضاً كثيرة من شركات برازيلية وجنوب أفريقية ترغب في الاستثمار في العراق، وتابعه الرئيس الطالباني القول بأنه طولب من قبل الشركات الكورية الجنوبية لفعل مماثل أثناء زيارته، وقد حظي الأمر بترحاب جميع القوى السياسية وكنت أحد المتحدثين بحرارة عن الموضوع، ولم اكتف بذلك بل تابعت الأمر بحديث حار في خطبتي صلاة الجمعة التي لحقت المجلس مباشرة مبشراً الناس بأن خيراً قادماً سيقبل عليهم (الخطب موجودة في موقع جامع براثاwww.buratha.com)، ومن يفعل ذلك لا شك انه لا يستهدف الإضرار بحكومة السيد المالكي.
ولكن في هذه الأثناء سمعنا مجريات جلسة مجلس الوزراء التي عقدت لهذا الغرض والتي أكدت أن حديث الاستثمار لا وجود له، وحديث الاقتراض هو الذي يجري في القانون، وهو أمر خلاف ما سمعناه في جلسة المجلس السياسي للأمن الوطني تماماً فأين الاستثمار من الاقتراض، وحينما وصل القانون إلى مجلس النواب كانت معلوماتنا متطابقة في أن المطروح هو الاقتراض وليس الاستثمار.
وفي يوم جلسة مجلس النواب التي عقدت لغرض القراءة الثانية لقانون البني التحتية وهي القراءة التي يتم فيها مناقشة القوانين فوجئنا أن من جاء ليناقش القانون معنا هو رئيس هيئة الاستثمار بالوكالة السيد سامي الأعرجي، فهو ليس معنياً بالاقتراض أصلاً، بل إن المعني هو وزير المالية ورئيس البنك المركزي وهما لم يتم ابلاغهما بمناقشة المشروع، ولا ادري خطأ من كان ذلك؟ ولكن القدر المتيقن أن سامي الأعرجي هو المكلف بمناقشة المشروع مع مجلس النواب، ولم يتم تكليف غيره بذلك!! مع أن وجوده وهو رئيس لمؤسسة فتية بالوكالة لا يمكن لدول العالم ولشركاتها أن تتعامل معه بأي شكل من الأشكال إذ عادة تعتمد الدول على قرارات حكومية مؤكدة في تمثيلها للعراق وعبر موظفين مستقرين من الناحية الوظيفية، ورئيس بالوكالة لمؤسسة فتية لن ينظر إليه كما ينظر إلى وزير المالية أو رئيس البنك المركزي.
طلبت من السيد أياد السامرائي أن يضع اسمي في آخر لائحة المناقشين، وكان عدد المسجلين هو 67 اسماً أضيف له في الأخير اسم الشيخ صباح الساعدي الذي أصر على الحديث بعد أن سمع المعطيات التي وضعتها بين يدي المجلس، وكان تسلسلي في الحديث هو رقم 64، ومن باب الدقة فإن جميع من تحدث عن الموضوع قبلي كان مؤيداً!! إلا ان المجلس عادة في الأمور الاقتصادية والمالية ما ينصت إلى عدد قليل من الأعضاء الذين اظهرت نقاشاتهم باعاً في تناول المسائل الاقتصادية والمالية أذكر منهم الدكتور مهدي الحافظ والدكتور حميد مجيد موسى والداعي، ولهذا فإن حديثي في موضوع من هذا القبيل كان منتظراً، وحديثي دام لمدة 23 دقيقة.
وكان الحديث قد تركّز أولاً على السبب الذي جعل الحكومة ترسل رجلاً لا اختصاص له في مسائل الاقتراض ولا ترسل المختصين بهذا الشان سيما وأننا نتحدث عن مبلغ (70 مليار دولاراً) فمثل هذا المبلغ له تبعات واستحقاقات، ثم تحدثت عن تفاصيل المشروع وخلاصته:
أ: أنني أقبل بالاستثمار ولكن ارفض الاقتراض، فالاستثمار لا يأخذ من الميزانية العراقية شيئاً بينما الاقتراض ينهكها لسنوات مديدة.
ب: إنني أقبل بأن تكون الشركات الأجنبية هي المنفذة للمشاريع، ولا أقبل أن تعتمد السياقات المعمول بها في الوزارات لأننا سندخل مرة أخرى في دائرة مافيا الفساد المعشعشة فيها، وقد سألت هنا السيد الأعرجي عن الجهة المنفذة فقال أنها ستكون الوزارات وليست الشركات!! فقلت له إننا سبق أن موّلنا الوزارات بأكثر من هذه الأرقام المطلوبة في القانون ولم تنفذ 10% من الأرقام التي تتحدثون هنا عنها، فكيف تضمن لي أن هذه الأرقام ستنفذ؟ ولم يجد جواباً!!
ج: كان القانون يشير إلى أن الشركات المقرضة ستبتدأ بتحصيل قروضها مع فوائدها بعد خمسة سنين من تنفيذ المشروع، مما يعني أن العراق سيبدأ من سنة 2013 بدفع مستحقات الشركات بواقع 14 مليار دولار سنوياً يضاف لها ما يقرب من 3 مليارات دولار فوائد القروض مما يعني أن كل سنة ستتكبد الميزانية ب17 مليار دولار قروض فقط!! فإذا أضيفت إلى الدين الكويتي واستحقاقات القروض الأخرى، فإننا قد نواجه مبلغ 20 مليار دولار أمريكي يجب أن تدفعها الخزينة كقروض صافية!! مما يعني ان سعينا خلال السنوات الماضية من أجل إطفاء الديون العراقية ستبوء بالفشل الذريع ونعود لمربعنا الأول، هذا إن لم تشجّع سياسة القروض الجديدة الدول الدائنة للعراق على المزيد من الضغط من أجل تحصيل ديونها المتبقية والتي تبلغ يومها في نادي باريس فقط ما يقرب من 40 مليار من أصل 130 مليار كانت موجودة قبل أن يبذل الدكتور عادل عبد المهدي جهده لاطفاء 80% منها ويتابعه في ذلك المهندس باقر صولاغ، كل ذلك والاقتراض سيذهب لنفس الوزارات التي سبق لها أن استلمت بعضها عدة أضعاف الأرقام المطلوبة في القانون كالكهرباء مثلاً دون أن نجد منها أي نتيجة، فهل سنقيّد العراق بهذه الديون الباهضة وآليات التنفيذ لا زالت تعرب عن دوامة من الفشل والفساد؟
د: تحدث السيد سامي الأعرجي عن أن المشاريع درست بعناية بالغة، وأنا أقول بأنها لم تدرس على الاطلاق بدليل أن الدائرة الفلانية تم الاتصال برئيسها وطلب منه تليفونياً أن يحدد كم يريد من مبالغ القانون؟ فطلب 900 فساوموه على أقل من ذلك، وقبل، فأي دراسة هذه التي تتحدث عنها الحكومة؟ ولم يجب على ذلك السيد الأعرجي ممثل الحكومة ولا السيد صفاء الصافي وزير الدولة لشؤون مجلس النواب!!
هـ: إن الحكومة تدّعي بأنها بحاجة إلى أموال فأخبروني ماذا يعني وجود مبلغ 16 مليار دولاراً مجمدة كاعتمادات في المصرف التجاري العراقي (TBI) أليس بسبب عقود لم تستطيعوا أن تنفذوها؟ وهي من أموال الموازنة التي سلمها مجلس النواب للحكومة! وانصافاً كان هذا الأمر هو القشة التي قصمت ظهر البعير في مجلس النواب.
عندئذ تم اسقاط القانون وسط استنكار شديد من قبل الكتل السياسية التي أحست بأنه تم استغفالها في البداية، هذه قصة القانون بشكل مختصر والمزيد موجود في محاضر جلسات مجلس النواب.
وإني لأصاب بالعجب من السيد رئيس الوزراء كيف تصوّر أن هذا تخريب بحكومته وهو في واقع الحال إنقاذ لها؟ لأن القانون لو مرر في وقتها لكان الآن في أشد الضيق وهو يجد نفسه مجبراً على ان يقتطع من ميزانيته قرابة العشرين مليار دولاراً لكي يسددها لاستحقاقات هذا العام من قروض القانون، وهو بنفسه مقتنع أكثر من أي شخص آخر من أن الآليات المعتمدة في الحكومة لن تمكنها من انجاز أي مشروع حقيقي وقصة الكهرباء والمجمعات السكنية والمستشفيات التي تم التصويت على بنائها منذ عام 2005 وتسلمت الحكومة أموالها كاملة لم يتم لحد الان أي تقدم جاد فيها فيما خلا بعضاً من المجمعات السكنية.
على أن جلال الدين الصغير أسقط القانون عام 2008 فمن الذي أسقطه عام 2013؟ والحال أن حزب السيد رئيس الوزراء أقوى مما كان سابقاً، والمال المطلوب أقل مما طلب سابقاً!!
حسنا كانت أدبياتكم السياسية تقول: بأن جلال الدين الصغير هو البعبع الذي منعكم من أن تقدموا الكهرباء للمواطنين والسكن للفقراء والمستشفيات للمرضى و... إلخ وهو الغول الذي عرقل سياسة الإعمار والبناء، فمن الذي منعكم يا ترى من بعد خروجه من مجلس النواب في ان تفعلوا جزءاً من ذلك خلال السنوات الأربعة التي مرت؟ وأنتم أكثر عدداً واكثر مالاً؟؟
يبقى أن أشير لقضية وأتمنى من السيد رئيس الوزراء ليتابعها من بعد ذلك عن السر الذي بموجبه تم عرض مبلغ 3500000 دولار (ثلاثة ملايين دولار ونصف المليون) علي من أجل أن أبني جامعة في داخل جامع براثا لقاء (أن أبحبحهه مع القانون المذكور)!!
هذا وقد استمعت بكل ألم إلى السيد رئيس الوزراء وهو يتحدث عن دهشته لأن مسؤولي وزارة الكهرباء والنفط ونائبه لشؤون الطاقة كانو يزودوه بأرقام خاطئة وأن مشروعه في الكهرباء كان فاشلاً، مع انني كنت قد قلتها في عشرات الخطابات ومداخلات منذ عام 2007، ومن جملة رفضي لقانون البنى التحتية هو هذا الذي شكى منه بنفسه بالضبط، وشتان بين من يكشف الأمر مبكراً عمن يكشفه من بعد 6 سنين!!!.
اكتفي بهذا القدر متمنياً أن يتم استقبال الموضوع بروح الموضوعية التي تريد أن تبني بلداً، بعيداً عن روح المناكفة السياسية، لقد قلتها صريحة في لقائي في قناة البغدادية بأن المجلس الأعلى حفظ حكومة السيد المالكي خلال أزمتها وسيستمر إلى نهاية دورتها الحالية، وهو راغب بشكل جاد في إدامة التحالف مع دولة القانون بالرغم من الاختراقات التي حصلت، والمجلس الأعلى جاد فيما يقول، فسياستنا هي مد الجسور لا تقطيعها، وبناء الثقة لا تدميرها، ونحن مطمئنون من ان رغبتنا هذه ستجد صداها المناسب، والحمد لله أولا وآخراً وصلاته وسلامه على رسوله وآله أبدا.