ألف سماحة الشيخ الصغير كتابه إتجاهات الدفاع الاجتماعي في الإسلام في عام 1989 وطبع في عام 1993 من قبل دار البلاغة في بيروت ويقع في 160 صفحة من القطع الكبير، والكتاب كما يشير سماحة الشيخ وراءه سبب، ولكن قبل ذكره لا بد من الإشارة إلى أن نظرية الدفاع الاجتماعي Social defense هي نظرية قانونية تبنتها بعض تيارات الفكر القانوني الغربي لا سيما المدرسة الإيطالية، وهي تحمّل المجتمع الجزء الأكبر من الجريمة التي يرتكبها أفراده، وقد وصل الأمر ببعض متزمتي النظرية إلى أن تحدّث عن جبرية إجتماعية بصورة طالب فيها رفع العقاب عن المجرم وتحويله إلى حالة إعادة تكييف نفسي واجتماعي له، وهي على العموم لا تجعل المجرم مسؤولا بشكل كامل عن جريمته، وكان سماحة الشيخ قد وقع في يده كتاب الدفاع الاجتماعي لمارتن آنسل باللغة الفارسية وهو أحد أشهر دعاة النظرية، لأن هذا النمط من الكتب العربية لم يك متيسراً إبان وجوده في الجمهورية الإسلامية في أيام الغربة عن الوطن، وقد استفزه مترجم الكتاب حينما اعتبر النظرية تمثّل أرقى النظم التشريعية القانونية، إذ أن أفضل ما فيها كان الإسلام قد سبق إليه، ولكن جوهرها متناقض تماماً مع النظام القضائي الإسلامي، وقد آلمه أن يكون المترجم يدرّس القانون في بيئة إسلامية، وهو ينادي بالعمل بأفكار متنافية مع الدين القويم لذلك أمسك بقلمه وسطر حروف هذا الكتاب.
والكتاب يقع في ثلاثة فصول أولها تناول الدفاع الإجتماعي في اللغة والمصطلح، وقد عرض بعد التعريف إلى النظرية الغربية وبيّن الفوارق بينها وبين الفكر القانوني الإسلامي، ثم انتقل إلى الفصل الثاني الذي اختصه المؤلف بالحديث عن مصادر الخطر على الأمن الاجتماعي الإسلامي، مع تحليل للعوامل الأساسية التي تكمن وراء الإجرام، أما في الفصل الثالث فقد تناول فيه الملامح العامة للدفاع الاجتماعي في الإسلام فتوقف أولاً عند مبحث أساس المسؤولية الجزائية، ثم انتقل إلى عمل النظام الإسلامي على تنقية الذات الإنسانية، ثم انتقل إلى مسألة ترشيد الوسط الاجتماعي مركّزا هنا على حالات التفاعل الاجتماعي وحوافز السلوك الاجتماعي ومثبّطاته، بالإضافة إلى الرقابة الاجتماعية، بعدها أشار إلى دور الحكومة الإسلامية ومسؤولياتها وقد اعتبر الجزاء الذي يعاقب به المجرم هو آخر الإجراءات التي يتخذها الإسلام ووصفه بأنه آخر الدواء.
ومن الملاحظة الأولى للكتاب نلاحظ ان سماحة الشيخ قد أخرج الكثير مما كان يعتبر مجرد تعليمات ووصفات أخلاقية لا يجمعها جامع وأبرزها، ووضعها ضمن قالب واحد ليشكّل منها مفردات النظام الإسلامي، ولا شك أن الكتاب في وقت تأليفه يعدّ من بواكير ما كتب في النظرية، وهو بمجموعه جولة ما بين علم الجريمة والعقاب وما بين النصوص الإسلامية، وأعتقد أن الكتاب مما يصلح لكي يكون مادة درسية جامعية، وما من ريب في ان الباحث في النظام القضائي الإسلامي أو في تشكّلات المجتمع الإسلامي لا غنى له عن هذا الكتاب، فهو من الأبحاث الرائدة في مجاله.