عمار العامري (الفيسبوك): كل الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام تثبت أن راية اليماني هي أهدى الرايات، والسؤال:- إذا كانت راية اليماني أهدى الرايات، أذن الكل لا بد أن يجتمع تحتها، وعليه ما هو دور المرجعية الدينية في تلك الظروف؟ هل انها تكون أيضا تحت راية اليماني؟ أم أنها تكون بمعزل عنها؟ وهذا ما يجرّنا الى سؤال ما هو الموقف الشرعي منها؟ أم أن دورها سيتلاشى لا سامح الله لظروف لا نعرفها؟
الجواب: المرجعية هي الحجّة الشرعية الملقاة على عواتق جميع المؤمنين في زمن الغيبة، وبالتالي فهي باقية إلى آخر يوم من أيام الغيبة، وحجيتها على جميع المؤمنين لازمة وثابتة، وأيّ خروج عنها يعني الخروج عن خط الهدى الذي خطّه لنا الإمام صلوات الله عليه.
وبالتالي فإنّ هذا العبد الصالح ــ وأعني اليماني ــ حينما يكون أهدى الرايات! لا بد وأن يكون موقفه من المرجعية منسجماً مع طبيعة الموضع الذي للمرجعية من منظومة الهدى التي ألزمنا بها الإمام أرواحنا فداه، كي يحقق أوّل شروط الهدى، ومن دون هذا الانسجام ينتفي وصف الهدى، ناهيك عن أن يكون متمتعاً بوصف "أهدى الرايات".
ولهذا على المرء ألّا يبالغ في وصف مقام هذا العبد الصالح، بل عليه ألّا يصفه بأكثر مما وصفته نفس الروايات، فالرواية الشريفة لا تتحدّث عنه بأنه أهدى الناس، وإنّما رايته في قبال بقية الرايات التي تتصارع يومذاك هي أهدى الرايات، فالهدى جاء مقروناً بالراية وبطبيعة ما يدعو إليه، ولم يكن خاصاً وخصيصاً بالرجل، وعليه فإنه لا يمكن أن يحوز هذه الصفة من دون أن تتوفر مظاهرها في سلوكه وممارساته، ولا يعني ذلك بخساً بشخصه والطبيعة العقائدية التي ينطوي عليها.
ومما لا شك أنّ سلامته العقائدية وتوقه وإخلاصه لخدمة الإمام صلوات الله عليه وشغفه بالذود عن شيعة الإمام بأبي وأمي والحفاظ على أمنهم مما لا ينبغي الشك به، ولكن تعميم الهدى لما هو أكبر من وصف الرواية يجب ألّا نقع فيه، فهو مما لا دليل لنا عليه، ونحن إنّما نتحدث عن رجل وصفته الروايات، وبالنتيجة لا معلومات لدينا عنه إلّا بمقدار ما أتاحته نفس هذه الروايات إما من خلال نصوصها أو من خلال مستلزمات هذه النصوص وقرائنها.
وقد سبق وأن قلنا بأنّ هذا العبد الصالح حينما تكون رايته أهدى الرايات، فلا بد من أن تكون مغطاة بغطاء شرعي يبيح لها القتال، ويبيح للمؤمن بذل نفسه من أجل هذه الراية لو اقتضى الأمر، لأن زمنه هو زمن الغيبة، لا أقل في زمن تصارع هذه الرايات، وبالتالي فإنّ آلية تأمينه للغطاء الشرعي ستبقى هي نفس آليات الالتزام الديني والتغطية الشرعية العامة، مما يعني حكماً أنّ الرجل سيكون أحد ثلاثة، فهو:
إمّا مرجعاً لديه قابلية استنباط الحكم الشرعي من مصادره التي عيّنها أئمة الهدى عليهم السلام، وبناء على قابليته هذه يتصدى بنفسه للجهاد وللقيام بالشأن التنفيذي لحماية أمن الشيعة ومواجهة أعدائهم.
وإمّا أن يكون محتاطاً يعرف آراء الفقهاء ويعمل بمقتضى الاحتياط في الأخذ بالقول الذي يطمئن معه بأنّه هو التكليف المناط به، والمحتاط وكما هو واضح هو مجتهد، أو أن وضعه العلمي مضاه للاجتهاد حتى يتمكن من التمييز بين أقوال المجتهدين ويأخذ بالقول الذي يؤمّن له العذر الشرعي بين يديّ الله تعالى.
وإمّا أن يكون مكلّفاً متشرّعاً يعمل بما يقتضيه التزامه الشرعي في هذا المجال.
والحقيقة لا يوجد أي مجال لتصور وجود الرجل المهتدي في زمن الغيبة خارج هذه العوالم الثلاثة، طالما أنّ إمكانية التواصل المباشر مع الإمام روحي فداه منعدمة، وهو أمر لازم لوضوح انتفاء هذا التواصل حتى زمن السفياني والصيحة كما هو مقتضى التوقيع الشريف الصادر من قبل الإمام صلوات الله عليه.
لذلك تصوّر تابعية المراجع إليه أو التوهّم بأنّه سيكون موجهاً للمراجع وما إلى ذلك من كلام لا مستند شرعي له، بل ينطوي على مغالطات تمسّ التزامات الهدى نفسها في زمن الغيبة، فالمراجع ليسوا مقاتلين حتى نتصوّر وجوب طاعتهم إليه، نعم المراجع سيحكمون في شأن نصرته عملاً بتكليفهم بمقتضى الرواية التي أوجبت عدم خذلانه والالتواء عليه، ولكن هذا الأمر متوقّف على تشخيص أنّ الرجل الذي يتمّ الحديث عنه سيُعرف بكونه هو اليماني!
ومن الواضح أنّ إمكانية تشخيص هذا الرجل قبل حراك الرايات منعدمة تماماً على مستوى الدقّة الشرعية، وإلّا من الذي سيقول أنّ هذا هو اليماني؟ فهب أنّه ــ ولمصادره الخاصة! ــ تيقّن أنّه هو اليماني، فهل سيتمكن من الإفصاح عن ذلك لغيره؟ ولو أفصح عن ذلك فهل سيخبر غيره بذلك؟ ولو أخبر غيره فهل سيلزم هذا القول غيره؟ من الواضح أن هذه الأمور مهما كانت الإجابة فيها فهي خارج المحددات الشرعية للهدى.
وهب أنّ أحداً ما رأى جدلاً رؤيا خاصة صادقة، فهل ستكون رؤياه حجّة شرعية؟ فضلاً عن أن يترتب عليها موقف شرعي؟ وهب أنّه حظي بلقاء خاص مع الإمام أرواحنا فداه وقال له بأنّ فلاناً هو اليماني، فهل سيستطيع أن يبلّغ مقتضى هذا اللقاء لغيره؟ مع العلم أنّ مثل ذلك يدخله في ادعاء المشاهدة الممنوعة لأنّها تنطوي على دعوى السفارة، والسفارة ممتنعة بعد السفير الرابع قدّس الله روحه؟
وحتى لو تحرّى الإنسان الوصف الروائي ووجد أنّ هذا الوصف متعلّق بفلان، فهو يبقى في أحسن أحواله مجرد ظن، والظن لا يغني من الحقّ شيئاً، ولا يترتب عليه أيّ إلزام شرعي.